[ الآية 20 ] وقوله تعالى : { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } قد ذكرنا في ما تقدم أن هذا إنما أخرج جوابا لقول أولئك : { مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } [ الفرقان : 7 ] فأخبر أن الرسل الذين{[14371]} كانوا من قبل محمد يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق على ما يأكل هو ، ويمشي .
ثم من الناس من كره الركوب في الأسواق بهذا ، وقال : إنه أخبر عن الأنبياء والرسل جملة أنهم كانوا ، يمشون في الأسواق ، لم يذكر منهم الركوب ، فدل ذلك منهم أنه مكروه منهي .
فيشبه أن يكون ما قال هؤلاء : إنه{[14372]} يكون مكروها ، لأنه يخرج الركوب في الأسواق مخرج التعزز والمباهاة .
فالواجب على كل مسلم أن يكون تعززه بالإسلام وبدينه الذي{[14373]} اختاره الله تعالى ، وخاصة على العلماء يجب أن يكون تعززهم ومباهاتهم بالعلم الذي أعطاه الله لهم ، وأكرمهم [ به ]{[14374]} فإنه عز ، لا يعقبه ذل ، ولا يورث{[14375]} صغارا ولا قهرا . وأما كل عز كان سوى ما ذكرنا فهو إلى ذل ، يصير{[14376]} سريعا ، كأنه ليس بعز في الحقيقة ، لو تؤمل ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة } الفتنة كأنها ، هي المحنة التي فيها شدة وبلاء .
ثم قال أهل التأويل : لما أسلم عبد الله وأبو ذر وعمار وبلال وصهيب وأمثال هؤلاء قال الفراعنة من قريش نحو أبي جهل والوليد/376- ب/ وأمثالهما : انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدا : [ الذين ]{[14377]} اتبعوه من موالينا وأعرابنا : رذالة كل قوم [ فازوروا عنهم ]{[14378]} وآذوهم ، واستهزؤوا بهم . فأنزل الله هذه الآية لهؤلاء الفقراء الذين اتبعوا رسول الله ليصبرهم على آذاهم ، فقال : { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون } أي اصبروا على الأمر . هذا محتمل .
وقال الحسن : قوله تعالى : { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة } جعل أهل البلوى فتنة لغيرهم ، وغير أهل البلوى [ فتنة لأهل البلوى ]{[14379]} ؛ يقول الأعمى : لو شاء الله لجعلني بصيرا مثل فلان ، ويقول الفقير : لو شاء الله لجعلني غنيا مثل فلان ، وكذلك يقول السقيم : لو شاء الله لجعلني صحيحا مثل فلان .
لكنه أعطى لأهل البلوى [ البلاء ]{[14380]} وأمرهم بالصبر عليه ، وأعطى لأهل النعمة النعمة ، وأمرهم بالشكر عليها . وجائز أن يكون غير هذا ، وهو قريب من هذا ، وذلك أنه أعطى بعضا النعمة والسعة ، وجعل بعضهم أهل ضيق وشدة ، ثم جعل كل فريق محتاجا إلى الفريق الآخر ، جعل الغني والثري محتاجا إلى الفقير في بعض أموره ، والفقير محتاجا إلى الغني لغناه ، وجعل لبعض على بعض مؤنة ما لولا فقر الفقير لم يعرف الغني قدر غناه ولا الفقير قدر فقره ، ولا قام بعض بكفاية مؤنة بعض .
ثم أمر كلا بالصبر على تحمل مؤنة الآخر بقوله : { أتصبرون } أي اصبروا ، على الأمر يُخرّج ، و إن كان ظاهره استفهاما وسؤالا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وكان ربك بصيرا } أي على بصر وعلم ، جعل بعضا فتنة لبعض ، ليس على سهو وغفلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.