بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمۡ لَيَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشُونَ فِي ٱلۡأَسۡوَاقِۗ وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضٖ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُونَۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرٗا} (20)

قوله عز وجل : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين } جواباً لقولهم : { مَا لهذا الرسول يَأْكُلُ الطعام } { إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ فِى الاسواق } يعني : كانت الرسل من الآدميين ، ولم يكونوا من الملائكة عليهم السلام . ثم قال : { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ } يقول : ابتلينا بعضكم ببعض ، الفقير بالغني ، والضعيف بالقوي ، وذلك أن الشريف إذا رأى الوضيع قد أسلم ، أنف عن الإسلام . وقال : أأسلم ، فأكون مثل هذا ، فثبت على دينه حمية . يقول الله تعالى للشريف : { أَتَصْبِرُونَ } أن تكونوا شرعاً ، سواء في الدين { وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } أي عالماً بمن يؤمن ، ومن لا يؤمن ، ويقال : { جَعَلْنَا *** بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } يعني بلية الغني للفقير ، والقوي للضعيف ، لأن ضعفاء المسلمين وفقراءهم ، إذا رأوا الكفار في السعة والغنى ، يتأذون منهم ، وكان في ذلك بلية لهم ، فقال تعالى : { أَتَصْبِرُونَ } اللفظ لفظ الاستفهام ، والمراد به الأمر ، يعني : اصبروا كقوله : { أَفَلاَ يَتُوبُونَ إلى الله وَيَسْتَغْفِرُونَهُ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ المائدة : 74 ] يعني : توبوا إلى الله . ويقال : أهل النعم بلية لأهل الشدة ، لأن أهل الشدة إذا رأوا أهل النعمة تنغص عيشهم ، فأمرهم الله تعالى بالصبر .

وذكر عن بعض المتقدمين أنه كان إذا رأى غنياً من الأغنياء . يقول : نصبر يا رب نصبر يا رب ، أراد جواباً لقوله تعالى : { أَتَصْبِرُونَ } { وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } يعني : عالماً بمن يصلح له الغنى والفقر ويقال : { وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } يعني : عالماً بثواب الصابرين .