محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمۡ لَيَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشُونَ فِي ٱلۡأَسۡوَاقِۗ وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضٖ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُونَۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرٗا} (20)

ثم أجاب عن شبههم السابقة . بقوله سبحانه :

{ وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ } أي ليحتاجون إلى التغذي بالطعام ويتجولون في الأسواق للتكسب والتجارة . وليس ذلك بمناف لحالهم ومنصبهم . فإنه تعالى جعل لهم من السمات الحسنة ، والصفات الجميلة ، والأقوال الفاضلة ، والأعمال الكاملة ، والخوارق الباهرة ، والأدلة القاهرة ، ما يستدل به كل ذي لب سليم وبصيرة مستقيمة ، على صدق ما جاءوا به من الله . ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى {[5890]} : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى } وقوله {[5891]} : { وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام } .

تنبيه :

قال السيوطي في ( الإكليل ) : في الآية إباحة دخول الأسواق للعلماء وأهل الصلاح ، خلافا لمن كرهها لهم .

وقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا } . قال الزمخشري : هذا تصبير للنبي صلى الله عليه وسلم على ما قالوه واستبدعوه من أكله الطعام ومشيه في الأسواق . بعد ما احتج عليهم بسائر الرسل . يقول وجرت عادتي وموجب حكمتي على ابتلاء بعضكم ، أيها الناس ، ببعض . والمعنى أنه ابتلى المرسلين بالمرسل إليهم . وبمناصبتهم لهم العداوة . وأقاويلهم الخارجة عن حد الإنصاف ، وأنواع أذاهم ، وطلب منهم الصبر الجميل . ونحوه {[5892]} : { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } وفي قوله تعالى : { وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا } زيادة تسلية وعدة جليلة . أي هو عالم فيما يبتلى به وغيره ، فلا يضق صدرك . فإن في صبرك سعادة وفوزا في الدارين .


[5890]:(12 يوسف 109).
[5891]:(12 الأنبياء 8).
[5892]:(3 آل عمران 186).