الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمۡ لَيَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشُونَ فِي ٱلۡأَسۡوَاقِۗ وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضٖ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُونَۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرٗا} (20)

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ } يا محمد { مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ } قال أهل المعاني : إلاّ قيل أنّهم { لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ } دليله قوله سبحانه

{ مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } [ فصلت : 43 ] وقيل : معناه إلاّ من أنّهم ، وهذا جواب لقول المشركين { مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ } [ الفرقان : 7 ] .

{ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } فالمريض فتنة للصحيح ، والمبتلى فتنة للمعافى ، والفقير فتنة للغني ، فيقول السقيم : لو شاء الله لجعلني صحيحاً مثل فلان ، ويقول الفقير : لو شاء الله لجعلني غنيّاً مثل فلان ، وقال ابن عباس : إنّي جعلت بعضكم بلاءً لبعض لتصبروا على ما تسمعون منهم وترون من خلافهم وتتبعوا الهدى بغير أن أُعطيهم عليه الدنيا ، ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رُسلي فلا يخالفون لفعلت ، ولكن قدّرت أن أبتلي العباد بكم وأبتليكم بهم .

أخبرنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن يوسف ببخارى قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن جمعان قال : حدّثنا محمد بن موسى قال : حدّثنا القاسم بن يحيى عن الحسن بن دينار عن الحسن عن أبي الدرداء أنّه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ويل للعالم من الجاهل ، ويل للجاهل من العالم ، وويل للمالك من المملوك ، وويل للمملوك من المالك ، وويل للشديد من الضعيف ، وويل للضعيف من الشديد ، وويل للسلطان من الرعية ، وويل للرعية من السلطان ، بعضهم لبعض فتنة فهو قوله سبحانه { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } " .

{ أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } قال مقاتل : نزلت هذه الآية في أبي جهل والوليد بن عقبة والعاص بن وائل والنضر بن الحرث وذلك أنّهم لما رأوا أبا ذر وابن مسعود وعمار وبلالا وصهيباً وعامر بن فهيرة ومهجع مولى عمر وجبر غلام ابن الحضرمي ودونهم قالوا : أنُسلم فنكون مثل هؤلاء فانزل الله سبحانه يخاطب هؤلاء المؤمنين { أَتَصْبِرُونَ } يعني على هذه الحال من الشدّة والفقر ، وكان ربك بصيراً بمن يصبر ويجزع ، وبمن يؤمن وبمن لا يؤمن .