{ وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا20 }
وما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين إلا رجالا ، إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، وقال أهل المعاني : المعنى : وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا قيل إنهم ليأكلون ، دليله قوله تعالى : ( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك . . ){[2555]}
يرد الله تعالى على المفترين الذين نالوا من الرسول وعجبوا من شأنه يريدون الغض من قدره وقالوا{ ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق }وليزداد النبي والمؤمنون يقينا أن سنة الحكيم العليم أن يبعث الرسل بشرا يجري عليهم ما يجري على سائر البشر إلا أن الله تعالى اصطفاهم وطهرهم ، يقول مولانا الحق جل علاه : ) وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام . . ){[2556]} ) ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام . . ){[2557]} .
فإن قال قائل : فإن[ من ] ليست في التلاوة فكيف قلت : معنى الكلام : إلا من إنهم ليأكلون الطعام ؟ قيل قلنا في ذلك معناه أن الهاء والميم في{ إنهم } كناية أسماء لم تذكر ولا بد لها من أن تعود على من كنى عنه بها ، وإنما ترك ذكره[ من ]وإظهاره في الكلام اكتفاء بدلالة قوله{ من المرسلين }عليه ، كما اكتفى في قوله : ) وما منا إلا له مقام معلوم ) من إظهار[ من ] ولا شك أن معنى ذلك : ومامنا إلا من له مقام معلوم . -
يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : هذه الآية أصل في تناول الأسباب وطلب المعاش بالتجارة والصناعة وغير ذلك . . . { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } قال العلماء : أي يتجرون ويحترفون . . . قال بعض مشايخ هذا الزمان : إنما تناولوها لأنهم أئمة الاقتداء ، فتناولوها مباشرة في حق الضعفاء فأما في حق أنفسهم فلا ، وبيان ذلك أصحاب الصفة .
قلت : لو كان ذلك لوجب عليهم وعلى الرسول معهم البيان ، كما ثبت في القرآن : ) . . وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم . . . ( {[2558]} . . . وأما أصحاب الصفة فإنهم كانوا ضيف الإسلام عن ضيق الحال ، فكان عليه السلام إذا أتته صدقة خصهم بها ، وإذا أتته هدية أكلها معهم ، وكانوا مع هذا يحتطبون ويستقون الماء إلى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كذا وصفهم البخاري وغيره . . . ثبت في البخاري عن ابن عباس قال : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون : نحن المتوكلون ، فإذا قدموا سألوا الناس ، فأنزل الله تعالى : ) . . وتزودوا . . ( {[2559]} ، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أنهم خرجوا إلى أسفارهم بغير زاد ، وكانوا المتوكلين حقا ، والتوكل : اعتماد القلب على الرب أن يلم شعثه ، ويجمع عليه أربه ، ثم يتناول الأسباب بمجرد الأمر ، وهذا هو الحق .
{ وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا } يكاد يكون الاختبار ، وامتحان المولى للعباد-يفعل معهم فعل الممتحن يكاد يكون هذا سر الوجود ، وغاية الحياة ) تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير . الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا . . ( {[2560]}-فالغني ممتحن بالفقير ، عليه أن يواسيه ولا يسخر منه ، والفقير ممتحن بالغني عليه ألا يحسده ، فالفتنة أن يحسد المبتلى المعافى ، ويحقر المعافى المبتلى ، والصبر : أن يحبس كلاهما نفسه هذا عن البطر ، وذاك عن الضجر ، وعن أبي الدرداء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ويل للعالم{[2561]} من الجاهل وويل للجاهل من العالم وويل للمالك من المملوك وويل للمملوك من المالك وويل للشديد من الضعيف وويل للضعيف من الشديد وويل للسلطان من الرعية وويل للرعية من السلطان وبعضهم لبعض فتنة وهو قوله : { وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون } أسنده الثعلبي تغمده الله برحمته . . .
{ وكان ربك بصيرا } أي بكل امرئ وبمن يصبر أو يجزع . . . وقيل : { أتصبرون } أي اصبروا ، مثل ) . . فهل أنتم منتهون( {[2562]}أي انتهوا-{[2563]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.