صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّـٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (67)

{ وما قدروا الله حق قدره } ما عظموه تعالى حق تعظيمه [ آية 91 الأنعام ص 231 ] .

{ والأرض جميعا قبضته يوم القيامة } بيان لعظيم قدرته تعالى ، وأن المتولي لإبقاء السموات والأرض في الدنيا هو المتولي لتخريبهما يوم القيامة ؛ فله سبحانه وحده القدرة التامة على الإيجاد والإبقاء والإفناء في الدارين ؛ فكيف يشركون به غيره ! ؟ . والقبضة : المرة من القبض ، وتطلق على المقدار المقبوض بالكف ؛ أي والأرض – مجموعة – مقبوضة له تعالى يوم القيامة . وخص بالذكر وإن كانت قدرته شاملة لدار الدنيا أيضا ؛ لأن الدعاوي تنقطع في ذلك اليوم ؛ كما قال : " والأمر يومئذ لله " وقال : " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " . { والسموات مطويات بيمينه } قال الزمخشري : الغرض من هذا الكلام إذا أخذته بمجموعه – تصوير عظمته تعالى : والتوقيف على كنه جلاله لا غير ؛ من غير ذهاب بالقبضة واليمن إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز . فهو تمثيل لحال عظمته تعالى ، ونفاذ قدرته – بحال من يكون له قبضة فيها الأرض جميعا ، ويمين بها يطوى السموات . وقيل : هو تنبيه على مزيد جلالته وعظمته تعالى ؛ بإفادة أن الأرض كلها مع عظمها وكثافتها في مقدوره ، كالشيء الذي يقبض عليه القابض بكفه . فالقبضة مجاز عن الملك أو التصرف ؛ كما يقال : هو في يد فلان وفي قبضته ، للشيء الذي يهون عليه التصرف فيه وإن لم يقبض عليه . واليمين : مجاز عن القدرة التامة .

والسلف – كما ذكره الألوسي – يذهبون إلى أن الكلام تنبيه على مزيد جلالته وعظمته ، ورمز إلى أن آلهتهم – أرضية أم سماوية – مقهورة لله تعالى . إلا أنهم لا يقولون بالتجوز بالقبضة عن الملك أو التصرف ، ولا باليمين عن القدرة ؛ بل ينزهونه تعالى عن الجوارح والأعضاء ، ويؤمنون بما نسبه تعالى إلى ذاته بالمعنى اللائق به الذي أراده سبحانه . قال الخطابي : ليس عندنا معنى اليد الجارحة ، إنما هي صفة جاء بها التوقيف ؛ فنحن نطلقها على ما جاءت لا نكيفها ، وننتهي إلى حيث انتهى بنا الكتاب والأخبار المأثورة . وقال سفيان بن عيينة : كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره : تلاوته والسكوت عليه .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّـٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (67)

قوله تعالى : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } .

يبين الله أن الكافرين بجحودهم وتكذيبهم لم يقدروه بما هو أهله من التقدير . وهو قوله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عظّموه حق تعظيمه . تعظيم يليق بكماله وجلاله وعظيم سلطانه . لا جرم أن الله حقيق بالطاعة والعبادة وجميل الثناء والشكران . وهو مستوجب الإفراد بالإلهية والربوبية ليكون له وحده كامل الطاعة والإذعان . ومن لم يؤمن بهذه الحقيقة فعصى ربه أو استكبر عن عبادته أو اتخذ معه آلهة أخرى ، فما عظَّمه بما هو أهله .

قوله : { وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } { وَالْأَرْضُ } ، مبتدأ مرفوع . و { قَبْضَتُهُ } خبر ، و { جَمِيعًا } ، منصوب على الحال{[3996]} أي الأرض يوم القيامة في إحاطته وملكوته وتحت قدرته وإرادته { وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } { مَطْوِيَّاتٌ } من الانطواء وهو الفناء والذهاب . والمراد باليمين هنا القوة والقدرة . وقيل : مطويات ، من الطيِّ وهو ضد النشر . ومطويات بيمينه ؛ أي في قدرته . قال ابن عباس في ذلك : ما السماوات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم .

قوله : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ينزِّهُ الله نفسه ويتعالى علوًّا عظيما عما يشرك به المشركون من اتخاذ الآلهة معه والأنداد{[3997]} .


[3996]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 326
[3997]:تفسير الطبري ج 24 ص 17-19 وتفسير الرازي ج 27 ص 17