صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{۞يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلِ ٱلۡعَفۡوَۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ} (219)

{ يسألونك عن الخمر }سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أفتنا في الخمر

والميسر ، فإنهما مذهبة للعقل ، مسلبة للمال . فنزلت هذه الآية ، فتركها قوم وشربها آخرون . ثم صلى أحد الصحابة المغرب إماما ، فلم يحسن القراءة لسكره ، فنزل : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون }{[59]} . فرحمت تحريما في الصلاة . ثم اجتمع بعض الصحابة يوما في دار عتبان ابن مالك : فلما سكروا افتخروا وتناشدوا أشعار الهجاء وتضاربوا ، فشكا بعضهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزل : { إنما الخمر والميسر –إلى قوله تعالى فهل أنتم منتهون }{[60]} فقال عمر : انتهينا ، انتهينا . وحرمت الخمر بهذه الآية تحريما مؤبدا . وللتدرج في التحريم حكمة بالغة ، فإنهم وقد ألفوا الخمر لو منعوا منها دفعة واحدة لشق الأمر عليهم . فكان في التدريج في التحريم رفق عظيم .

والخمر : اسم لكل ما خامر العقل ، أي خالطه ، أو ستره وغطاه ، سواء اتخذ من العنب أومن غيره ، وفي الحديث الصحيحة ( كل مسكر خمر ، وما أسكر منه الفرق{[61]} فملء الكف منه حرام ) . ولعن رسول الله عليه وسلم عاصرها ومعتصرها ، وشاربها وساقيها ، وحاملها والمحمولة إليه ، وبائعها والمبتاعة إليه ، وواهبها وآكل ثمنها } . أخرجه الترمذي . والخمر : يؤنث ويذكر .

{ والميسر }القمار ، مصدر ميمي من يسر ، كالموعد من وعد . مشتق من اليسر ، لأنه كسب المال بسهولة . وأصله : قمار العرب بالأزلام والأقلام ، وفي حكمه كل شيء فيه خطر ، أي رهان .

{ ويسألونكم ماذا ينفقون }سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم حين حثهم على الصدقة ماذا ينفقون ؟ فقال تعالى : { قل العفو }أي أنفقوا العفو ، وهو ما يفضل عن الأهل ويزيد عن الحاجة . وهذا القدر هو الذي يتيسر إخراجه ويسهل بذله ، ولا يجهد صاحبه ، وقد يبين بآية الزكاة . وأصل العفو : نقيض الجهد ، ولذا يقال للأرض الممهدة السهلة الوطء : عفو .


[59]:: آية 43 النساء
[60]:آية 90 المائدة
[61]:: آية 152 الأنعام