تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{۞يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلِ ٱلۡعَفۡوَۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ} (219)

الخمر : كل ما أسكر من المشروبات .

الميسر : القمار .

الإثم : الذنب .

العفو : الفضل والزيادة على الحاجة .

هذه أول آية نزلت في الخمر ، ثم نزلت بعدها الآية التي في سورة النساء { يَا أيهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنْتُمْ سكارى } ، ثم نزلت الآية التي في المائدة . هكذا بالترتيب .

روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن عمر أنه قال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا ، فنزلت هذه الآية ، فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهمّ بين لنا في الخمر بياناً شافيا ، فنزلت الآية التي في سورة النساء { يَا أيهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنْتُمْ سكارى } ، فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافيا . فنزلت الآية التي في المائدة { يا أيها الذين آمَنُواْ إنما الخمر والميسر . . . الآية } ، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } قال عمر : انتهينا ، انتهينا .

روى الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام . . الحديث » . فحرمةُ الخمر ثبتت بالإجماع ، وهو المصدر الثالث .

يسألونك يا محمد ، عن حكم الخمر والقمار ، فقل : إن فيهما ضرراً كبيرا من إفساد الصحة وذهاب العقل والمال وإثارة العداوة والبغضاء بين الناس ، وفيهما منافع كالتسلية والربح اليسير السهل . . ولكن ضررهما أكبر من نفعهما فاجتنبوهما .

وأصل الميسر هو : الجزور الناقةُ يقسمونها إلى عدة أقسام ويضربون عليها القِداح ، وهي قطع من الخشب تسمّى الأزلام ، وهي عشرة وأسماؤها كما يلي : الفذ ، والتوءم ، والرقيب ، والحلس ، والمسبل ، والمعلّى ، والنافس ، والمنيح ، والسفيح ، والوغد ، فكان لكل واحد من السبعة الأولى نصيب معلوم . ولا شيء للثلاثة الأخيرة . وكان المعلّى أعلاها حيث له سبعة أجزاء ، ولذلك يضرب به المثل ، فيقال : «له القِد المعلّى » . هذا هو قمار العرب في الجاهلية . وقد حرّمه الله لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل وما يجلب من المنازعات والفتنة .

وهذا النص القرآني العظيم يوضح لنا أن التشريع يراعى فيه منافع العباد ، فما كثرت منافعه بجوار مضاره كان مطلوبا ومباحا ، وما قلّت منافعه بجوار مضاره كان منهيّاً عنه .

وهو يومئ إلى أمر واقع في هذه الدنيا ، وهو أن الأشياء يختلط خيرها بشرها ، فليس هناك خير محض ، ولا شر محض . فالخمر وهي أم الخبائث ، فيها نفع للناس بجوار شرها الذي لا حدود له . والميسر الذي يشغل النفس ويصيبها باضطراب مستمر ، فيه نفع للناس وآثام تفسد الحياة ، ولقد كانت حكمة الله بالغة في تحريم الخمر على مراحل ، وذلك لتعلُّق العرب بها في ذلك الزمان ، ولأن تحريمها دفعة واحدة كان من الصعوبة بمكان .

{ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذا يُنفِقُونَ قُلِ العفو } ، ويسألونك يا محمد ، أي جزء من أموالهم ينفقون وأياً يمسكون ؟ قل أنفقوا الزائد عن حاجتكم ، وفي الصحيح قال : «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، وابدأ بمن تعول » ، وأخرج مسلم عن جابر أن النبي قال : «ابدأ بنفسك فتصدق عليها ، فإن فضل شيء فلأهلك ، فإن فضل شيء فلذي قرابتك ، فإن فضل شيء عن ذي قرابتك ، فهكذا وهكذا » .

وكان يكره للمرء أن يتصدق بجميع ماله ، ويحبُّ أن يتصدق بما يزيد عن حاجته .

القراءات :

قرأ أبو عمرو «قل العفُو » بالضم .