تفسير ابن أبي زمنين - ابن أبي زمنين  
{۞يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلِ ٱلۡعَفۡوَۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ} (219)

{ يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } الميسر : القمار كله ، وقوله : { فيهما إثم كبير } كانوا إذا شربوا الخمر فسكروا ، عدا بعضهم على بعض ، وكانوا يتقامرون حتى لا يبقى لأحدهم شيء فكان يورث ذلك بينهم عداوة ، وقوله : { ومنافع للناس } ما كانوا ينتفعون به من شربها وبيعها ، ومن القمار قبل أن يحرمهما الله ، قال قتادة : ذمها الله في هذه الآية ، ولم يحرمها ، لما أراد أن يبلغ بها من المدة وهي يومئذ لهم حلال ، ثم أنزل الله بعد ذلك آية هي أشد منها : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } [ النساء : 43 ] فكانوا يشربونها ، حتى إذا حضرت الصلاة أمسكوا ، وكان السكر عليهم فيها حراما ، وأحل لهم ما خلا ذلك ، فذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية : " إن الله قد تقرب في تحريم هذه الخمر " ، ثم أنزل الله تحريمها في سورة المائدة ، فقال : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلم } إلى قوله : { فهل أنتم منتهون } [ المائدة : 90 – 91 ] فجاء تحريمها في هذه الآية قليلها وكثيرها .

قوله تعالى : { ويسألونك ماذا ينفقون } يعني الصدقة { قل العفو } تفسير الحسن : يعني ما فضل عن نفقتك ، أو نفقة عيالك .

قال يحيى : وكان هذا قبل أن تنزل آية الزكاة . قال محمد : قوله : { العفو } من قرأها بالنصب{[133]} فعلى معنى : قل أنفقوا العفو ، ومن قرأها بالرفع{[134]} فعلى معنى : الذي ينفقون العفو ، والعفو في اللغة : الفضل والكثرة ، يقال : قد عفا القوم ، إذا كثروا .

يحيى : عن أبي الأشهب ، عن الحسن ، عن النبي عليه السلام ، قال : " إن خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، وابدأ بمن تعول ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، ولا يلوم الله على الكفاف{[135]} " .

قوله تعالى : { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون }


[133]:هي قراءة الجمهور. انظر: النشر (2/227).
[134]:هي قراءة أبو عمرو. انظر: النشر (2/227).
[135]:أخرجه البخاري (3/345، ح 1427) مسلم (2/717، ح 1034).