الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (36)

ثم قال : { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله }[ 34 ] .

أي : هي ما أشعرهم الله به ، وأعلمهم إياه من أمر دينه . فبين أن ذبح البدن هو مما أعلمهم الله به من أمور دينه والتقرب إليه به . أي : من إعلام الله ، أمركم بنحرها في مناسك حجكم إذا قلدتموها وأشعرتموها .

( والبدن ){[46931]} جمع بدنة ، كخشبة وخشب ، إلا أن الإسكان في ( بدن ) أحسن ، والضم في ( خشب ) أحسن ، لأن بدنا أصله النعت ، لأنه من البدانة وهو السمن وخشبة اسم غير نعت . والنعت أثقل من الاسم ، فكان إسكانه وتخفيفه أولى{[46932]} من الاسم .

( والبدن ){[46933]} : الإبل . وإنما سميت بدنا{[46934]} لأجل السمانة والعظم . وقوله : { لكم فيها خير }[ 34 ] .

أي : أجر في الآخرة بنحرها والصدقة منها وفي الدنيا : الركوب إذا احتيج إلى ركوبها .

ثم قال تعالى : { فاذكروا اسم الله عليها صواف }[ 34 ] أي : انحروها واذكروا اسم الله عليها قائمة على ثلاثة تعقل اليد اليسرى .

وقال ابن عباس{[46935]} : { فاذكروا اسم الله عليها } قال : الله أكبر ، الله أكبر ، اللهم منك ولك . { صواف } قياما على ثلاثة .

وقرأ الحسن والأعرج{[46936]} : صَوَافِي ، جمع صافية ، ومعناها مخلصين في نحرها لله لا شرك فيها لأحد .

وقرأ ابن مسعود{[46937]} صَوَافِنَ . جمع صافنة ، وهي القائمة على ثلاث .

وروي عن مجاهد{[46938]} أنه قال : ( صواف ) ، قائمة على أربع مصفوفة . و( صوافن ) : قائمة على ثلاث .

قال قتادة{[46939]} : معقولة اليد اليمنى .

وقال مجاهد{[46940]} : ( اليسرى ) .

ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بدنة قياما{[46941]} . ودل على ذلك قوله : { فإذا وجبت جنوبها }[ 34 ] .

أي : إذا سقطت على جنوبها . وهو قول : مالك والشافعي وأحمد{[46942]} وأصحاب الرأي . واستحب عطاء أن تنحر باركة معقولة لئلا{[46943]} تؤذي بدمها أحدا{[46944]} . وقد روى جابر{[46945]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، كانوا ينحرون البدنة معقولة اليد اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها{[46946]} .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذبح : بسم الله والله أكبر .

وقوله تعالى : { فكلوا منها }[ 34 ] . إباحة ، لأن المشركين كانوا لا يأكلون من ذبائحهم ، فرخص الله للمسلمين في ذلك . ثم قال : { وأطعموا القانع والمعتر }[ 34 ] .

قال ابن عباس{[46947]} : القانع : المستغنى بما أعطيته . وهو في بيته ، والمعتر : الذي يتعرض لك ويلم [ رجاء ]{[46948]} أن تعطيه ، ولا يسأل .

وقال مجاهد{[46949]} : ( القانع ) جارك ، يقنع بما أعطيته . ( والمعتر ) : الذي يتعرض لك ، ولا يٍسألك .

وعن ابن عباس{[46950]} : ( القانع ) الذي يقنع بما عنده ولا يسأل ، ( والمعتر ) الذي يعتريك فيسألك .

وقال قتادة{[46951]} : ( القانع ) : المتعفف الجالس في بيته ، ( والمعتر ) الذي يعتريك فيسألك{[46952]} .

وقال الحسن{[46953]} : ( القانع ) السائل ، والمعتر : الذي يتعرض ولا يسأل .

وكذلك قال زيد بن أسلم وابن جبير أن القانع : السائل .

وعن مجاهد{[46954]} : ( القانع ) جارك وإن كان غنيا . ( والمعتر ) : الذي يعتريك .

وعن زيد بن أسلم أيضا{[46955]} : ( القانع ) : المسكين الطواف . ( والمعتر ) : الصديق الضعيف الذي يزور .

وقال محمد بن كعب القرظي{[46956]} : ( القانع ) : الذي يقنع بالشيء اليسير يرضى به ، ( والمعتر ) الذي يمر بجانبك ولا يٍسأل شيئا .

وقيل : ( القانع ) الذي هو فقير لا يسأل . ( والمعتر ) الفقير الذي يسأل .

وعن مجاهد{[46957]} : ( القانع ) : الطامع . ( والمعتر ) الذي يعتر{[46958]} من غني أو فقير .

وقال عكرمة{[46959]} : ( القانع ) : الطامع .

وقال ابن زيد{[46960]} : ( القانع ) : المسكين . ( والمعتر ) : الذي يتعرض{[46961]} للحم وليس

له ذبيحة ، يجيء إلى القوم من أجل لحمهم .

وقال مالك{[46962]} : أحسن ما سمعت أن القانع هو الفقير ، وأن ( المعتر ) هو الزائر .

يقال : قنع الرجل يقنع قنوعا ، إذا سأل ، وقنع يقنع قناعة ، إذا رضي/ ( فهو قنع ) .

وقرأ أبو{[46963]} رجاء : { وأطعموا القانع } على معنى الذي يرضى بما عنده .

وقرأ الحسن{[46964]} : { والمعتر } وهي لغة فيه ، يقال : اعتره واعتراه إذا تعرض لما عنده ، وإن{[46965]} طلبه .

ثم قال : { كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون }[ 34 ] .

أي : هكذا{[46966]} سخرنا لكم البدن لعلكم تشكرون على تسخيرها أيها الناس .


[46931]:انظر: اللسان. (بدن).
[46932]:ز: أقل. (تحريف)ز
[46933]:انظر: اللسان. (بدن)ز
[46934]:ع: بدن والمثبت في النص من ز.
[46935]:انظر: جامع البيان 17/164 والدر المنثور 4/362.
[46936]:انظر: المحتسب 2/81 ومختصر ابن خالويه: 97.
[46937]:انظر: المحتسب 2/81 ومختصر ابن خالويه: 97-98.
[46938]:انظر: الدر المنثور 4/362.
[46939]:القول لابن عمر في الدر المنثور 4/362.
[46940]:انظر: الدر المنثور 4/362.
[46941]:ز: قائمة. وانظر: الحديث في البخاري مع الفتح 3/554 (كتاب الحج).
[46942]:هو أحمد بن حنبل، إمام المذهب الحنبلي وأحد الأئمة الأربعة (ت 241 هـ). انظر: ترجمته في تاريخ بغداد 4/412 ووفيات الأعيان 1/63 وصفة الصفوة 2/336.
[46943]:ز: كيلا.
[46944]:انظر: تفسير القرطبي 12/63.
[46945]:هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي، من بني سلمة، شهد العقبة الثانية مع أبيه (ت: 74 هـ) انظر: ترجمته في الاستيعاب 1/219 والإصابة 1/222 وتذكرة الحفاظ 1/43.
[46946]:انظر: سنن أبي داود (كتاب المناسك).
[46947]:انظر: الدر المنثور 4/362.
[46948]:زيادة من ز و يلم ساقطة من ز.
[46949]:انظر: جامع البيان 17/169 وتفسير القرطبي 12/65.
[46950]:انظر: جامع البيان17/167 وتفسير ابن كثير 3/222 وزاد المسير 5/433 والدر المنثور 4/362.
[46951]:انظر: جامع البيان 17/167 وزاد المسير 5/433.
[46952]:قوله: (وقال قتادة...فيسألك) ساقط من ز.
[46953]:انظر: جامع البيان 17/168 وتفسير القرطبي 12/65.
[46954]:انظر: جامع البيان 17/169 وزاد المسير 5/433.
[46955]:انظر: المصدر السابق.
[46956]:انظر: جامع البيان 17/169 وتفسير القرطبي 12/65.
[46957]:انظر: جامع البيان 17/169 وتفسير ابن كثير 3/223 والدر المنثور 4/363.
[46958]:في جامع البيان 17/169 وتفسير ابن كثير 3/223 (يعتبر بالبدن).
[46959]:انظر: جامع البيان 17/169.
[46960]:انظر: المصدر السابق.
[46961]:ز: يعتر. (تحريف).
[46962]:انظر: تفسير القرطبي 12/65.
[46963]:ع: ابن رجاء. (خطأ) والتصحيح من ز والمحتسب 2/82.
[46964]:انظر: مختصر ابن خالويه: 98 وتفسير القرطبي 12/65.
[46965]:ز: أو.
[46966]:هكذا سقطت من ز.