تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱللَّهُ يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَيَمُدُّهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (15)

الآية 15 : وقوله تعالى : ( الله يستهزئ بهم ) قيل فيه بوجوه : قيل : أي {[203]} يجزيهم جزاء الاستهزاء ، وكذلك قوله ( يخادعون الله وهو خادعهم ) [ النساء : 142 ] أي يجزيهم الله جزاء المخادعة ، وكذلك قوله : ( ومكروا ومكر الله ) [ آل عمران : 54 ] أي يجزيهم الله جزاء المكر ؛ يحمل على الجزاء لما لا يجوز إضافة المكر والخداع والاستهزاء مبتدأ إلى الله لأنه مذموم من الخلق إلا على المجازاة ؛ فكيف من الله عز وجل ؟ وقال بعضهم : يجوز إضافة الاستهزاء إلى الله ، وإن كان لا يجوز من الخلق أن يستهزئ [ بعضهم من بعض ]{[204]} ؛ كالتكبر يجوز لله ، ولا يجوز للخلق ، لأن الخلق أشكال بعضهم لبعض وأمثال ، والله عز وجل لا شكل له ، ولا مثل ، وكذلك الاستهزاء يجوز له ، ولا يجوز لغيره ، لأن الاستهزاء ، هو الاستخفاف ، فلا يجوز أن يستخف أحد ممن هو مثله في الخلقة وما خلق له من الأحداث والغير ، والله تعالى يتعالى عن ذلك ، والأول أقرب . والله أعلم . أو{[205]} أضاف استهزاء المؤمنين بهم إلى نفسه كما ذكرنا في المخادعة .

ثم اختلف في كيفية الاستهزاء ؛ فقال الكلبي : ( هو أن يفتح لهم باب من الجنة ، فيدنوا{[206]} منه ، ثم يغلق دونهم ) فإن ثبت ذا فهو كما قال ، وقيل : إنه يرفع لأهل الجنة نور يمضون به ، فيقصد أولئك المضي معهم بذلك النور ، ثم يطفأ{[207]} ذلك النور ، فيتحيرون ؛ وهو قولهم ( انظرونا نقتبس من نوركم قبل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) [ الحديد : 12 ] . وقيل : أن يعطى لهم في الدنيا ما ينتفعون به من أنواع النعم ظاهرا على ما أظهروا لهم الموافقة في العلانية ، ويحرم [ ذلك لهم ]{[208]} في الآخرة بإضمارهم الخلاف في السر .

وقوله تعالى : ( ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) ؛ الآية{[209]} . في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون كقوله : ( أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) [ البقرة : 6 ] غير أن هذه [ في ]{[210]} المنافقين ، والأولى في الكفرة ، وهي تنقض على المعتزلة قولهم ؛ لأنهم يقولون : إن الله لا يقدر أن يستنقذهم في حال الاختيار ، وإنما يقدر الاستنفاذ منهم في حال الاضطرار ، فأخبر عز وجل أنه يستنقذهم على فعل الطغيان .

وقوله : ( ويمدهم ) أي يخلق فعل الطغيان فيهم ، ويحتمل أن يخذلهم ، ويتركهم [ لما ]{[211]} اختاروا من الطغيان إلى آخر عمرهم ، ويحتمل انه لم يهدهم ، ولم يوفقهم ، [ و ]{[212]} في هذا إضافة المد إلى الله ، وإضافة المد{[213]} على الطغيان لا يضاف إليه إلا للمدح{[214]} ، والمدح يكون بالأوجه الثلاثة التي بينا ، وفي هذا : أنه إذا كان هو الذي يمدهم في الطغيان قدر على ضده من فعل الإيمان ، فدل أن الله [ تعالى ]{[215]} خالق فعل العباد ، إذ من قولهم : إن القدرة التامة ، هي التي إذا قدر على شيء قدر على ضده ، والعمه الحيرة في اللغة .


[203]:- ساقطة من ط م.
[204]:- في النسخ الثلاث: بعضهم بعضا.
[205]:- من ط م و ط ع، في الأصل
[206]:- في ط م: فيدنون.
[207]:- في ط م: يطفئوا.
[208]:- في ط م: لهم ذلك.
[209]:- ساقطة من ط ع.
[210]:- من ط م و ط ع،، ساقطة من الأصل.
[211]:- من ط م.
[212]:- في ط ع: مد.
[213]:- في ط ع: مد.
[214]:- من ط ع، في الأصل: المدح، في ط م: لمدح.
[215]:- من ط ع.