الآية 36 : وقوله تعالى : { والبدن جعلناها لكم من شعائر الله } قال بعضهم : من فرائض الله . وقال الحسن : من دين الله والأشبه أن يكون قوله : { من شعائر الله } أي من معالم دين الله وعبادته ونسكه ، لأن الشعائر ، هي المعالم في اللغة خصت بها المناسك دون غيرها من العبادات ، فجعلها معالم لها .
والبَدْنَةُ سميت بَدَنَةً لما تعظم في نفسها ، وتبدن . ويقال للرجل إذا عظم في نفسه : بدن فلان .
وظاهر ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( البدنة تجزئ عن سبعة والبقرة تجزئ عن سبعة ) أن البدنة هي الجزور والإبل حين{[13065]} قال : ( البدنة تجزئ عن سبعة [ والبقرة تجزئ عن سبعة ) [ بنحوه مسلم 1213/138 ] قرن ] {[13066]} بين البدنة والبقرة بالذكر ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { لكم فيها خير } قال بعضهم : المنافع الحاضرة من الركوب والحلب والحمل عليها بعدما قلدت ، أوجبت هديا . وقال بعضهم : { لكم فيها خير } إلى أن تقلد ، فإذا قلدت فلهم الأجر في الآخرة ، وكان هذا أشبه أن{[13067]} يكون قوله { لكم فيها خير } الأجر{[13068]} في الآخرة ، لأن الانتفاع بها لا يحل إلا إذا أوجبت بدنة إلا في حال الاضطراب لأنه قال في آية أخرى : { لا تحلوا شعائر الله } [ المائدة : 2 ] وفي الانتفاع بها إحلال شعائره لذلك قال أصحابنا : لا ينتفع بالبدن .
وما روي عنه صلى الله عليه وسلم ( أنه رأى رجلا يسوق بدنة ، فقال له : اركبها فقال : إنها بدنة يا رسول الله ، فقال النبي : اركبها ، فقال : إنها بدنة ، فقال : اركبها ويحك ) [ البخاري 1690 ] وفي بعض الأخبار : ( ويلك ) .
وهذا عندنا لما رأى بالرجل الحاجة الشديدة إلى ركوبها ، وهو ما ذكرنا أن الانتفاع بالمحرمات يجوز في حال الاضطراب ، ولا يجوز في حال الاختيار{[13069]} ؛ إذ الانتفاع بالمحرمات يجوز في حال الاضطرار . فعلى ذلك بالبدن التي جعلت معالم للمناسك ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { فاذكروا اسم الله عليها صواف } دل هذا أن يذكر اسم الله من شرط الذبيحة لأنه لم يذكر الذبح بنفسه ، ولكن إنما ذكر اسمه . فلولا أنهم فهموا من ذكر اسم الله عليها ذبحها نحرها ، وإلا لم يكتف بذكر اسمه دون ذكر الذبح . فدل أنهم عرفوا ذلك به ، وأنه من شرط [ جواز ذبحها ] {[13070]} والله أعلم .
وقوله تعالى : { صواف } /349-أ/ فيه لغات ثلاث : إحداها : صوافي بالياء ، وهو من الإخلاص لله والصفو لله . والثانية{[13071]} : صوافن بالنون ، وهو من عقل ثلاث قوائم منها وترك واحدة مطلقة . والثالثة : صوافا بالتنوين أي قياما مصطفة{[13072]} . وكان جميع ما ذُكر يراد أن يجمع فيها من الإخلاص له وعقل القوائم والقيام . وكذلك جاءت السنة والآثار . وفي حرف ابن مسعود : صوافن بالنون . وتأويله ما ذكرنا . وظاهر الآية يدل على القيام لأنه قال : { فإذا وجبت جنوبها } .
وقوله تعالى : { وجبت جنوبها }أي سقطت : والسقوط إنما يكون من القيام . فدل أنها تنحر قياما لا مضطجعة ، والله أعلم .
وقوله تعالى : {[13073]}{ فكلوا منها }قد ذكرنا هذا في ما تقدم في قوله : { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير }( الحج 28 ) البائس الفقير من سألك . هذا قول بعض وقال بعضهم : البائس المعروف بالبؤس والفقير المتعفف الذي لا يسأل . وقال بعضهم البائس المسكين ، والفقير فقير . وقال بعضهم : البائس الضرير .
وقوله تعالى {[13074]} : { وأطعموا القانع والمعتر }قال بعضهم { القانع } الراضي ، وهو من القناعة . وقال بعضهم : هو السائل ، وهو من القنوع { والمعتر } }الذي يعتريك ، ولا يسأل ، والقانع : هو الجالس في بيته ونحوه .
وقال القتبي : القانع السائل ، يقال : قنع يقنع قنوعا ، ومن الرضا قنع يقنع قناعة{ والمعتر }الذي يعتريك ولا يسأل يقال : ( عرني ، واعترني ){[13075]} .
وقال أبو عوسجة : القانع السائل ، والقنوع السؤال ، والقناعة من الرضا ؛ يقال منه : قنع يقنع قناعة ويقول : أقنعته {[13076]} أي أرضيته ، وقنعته أي غطيت رأسه بالقناع ونحوه ؛ ويقال من المعتر : اغتر اغترارا وعَر َّعَراًّ ، كلها واحدة .
وقال : { صواف }أي قياما مصطفة وقال ويكون : صوافن ( وصوافي أي قياما ){[13077]} على ثلاث قوائم ؛ يقال : صفن الفرس يصفن صفونا إذا قام على ثلاث قوائم .
وقوله : { وجبت جنوبها }أي سقطت إلى الأرض . يقال : وجب يجب وجوبا فهو واجب إذا سقط ، ووجبت الشمس إذا غابت . وهذا كله من الصوت ؛ يقال : سمعت وجبته أي ( صوت سقطته ){[13078]} .
وقال : { منسكا }أي موضعا ينسكون إليه للعبادة .
وعن ابن عباس أنه{[13079]} قال : القانع الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر الذي يريك نفسه ، ولا يسأل .
وقوله تعالى : { كذلك سخرنها لكم لعلكم تشكرون }أي البُدن التي ذكرناها . ثم يحتمل ما ذكر من تسخيره إياها لنا وجهين :
أحدهما : { كذلك سخرناها لكم }أي كما سخرناها لكم لركوبها والحمل عليها وأنواع الانتفاع بها في حال الحياة .
والثاني{[13080]} : { كذلك سخرناها لكم } أي مثل الذي وصفته لكم كل ذلك من تسخيرنا{[13081]} إياها لكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.