تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفرقان مكية{[1]}

الآية 1 : وقوله تعالى : ]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده[ قال أهل التأويل : ]تبارك[ من التفاعل ، وهو من تعالى لأن البركة هي اسم كل رفعة وفضيلة وشرف ، فكان تأويله : تعالى من التعالي والارتفاع .

وقال أهل الأدب : ]تبارك[ هو من البركة ، والبركة هي اسم كل فضل وبر وخير ، أي به ينال كل فضل/374- ب/ وشرف وبر .

قال أبو عوسجة : ]تبارك[ هو تنزيه ، مثل قولك : تعالى : وقال الكسائي والقتبي : هو البركة ، وهو ما ذكرنا .

وقوله تعالى : ]الذي نزل الفرقان على عبده[ سماه فرقانا . قال بعضهم : لأنه يفرق بين الحق والباطل وبين الحلال والحرام وبين ما يؤتى وما يتقى .

وعلى هذا جائز أن تسمى جميع كتب الله التي أنزلها على رسله فرقانا لأنها تفرق بين الحق والباطل وبين ما يحل وما يحرم وبين ما يؤتى ومال يتقى . ولذلك سمى التوراة فرقانا بقوله : ]ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان[ ( الأنبياء : 48 ) .

وأما القرآن فهو من قرن بعضه إلى بعض ؛ يقال قرنت الشيء إلى الشيء ، إذا ضممته إليه ، قرن يقرن قرنا .

وقال بعضهم : سمى ( القرآن فرقانا ){[14277]} لأنه أنزله بالتفاريق مفرقا ، وسائر الكتب أنزل مجموعة . لكن الوجه فيه ما ذكرنا بدءا ، وهو أقرب وأشبه .

وقوله تعالى : ]ليكون للعالمين نذيرا[ أي ليكون محمد بالقرآن الذي أنزل عليه نذيرا كقوله :

[ وإن من امة إلا خلا فيها نذير ] ( فاطر : 24 ) وكقوله : [ وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ]

( الأنعام : 19 ) أي من بلغه القرآن من الخلق ، فرسول الله نذيره .

ثم قوله : ]للعالمين[ جائز أن يراد به الإنس والجن .

ثم ذكر النذارة فيه ، ولم يذكر البشارة ، فإن كان على هذا فهو حجة لأبي حنيفة ، رحمه الله ، أن ليس للجن ثواب إذا أطاعوا سوى النجاة من العقاب ، ولهم عقاب بالأجرام ، لأن الله تعالى ، لم يذكر لهم الثواب في الكتاب ، وذكر لهم العقاب بالعصيان حين{[14278]} قال : ]يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم[ الآية ( الأحقاف : 31 ) جعل ثوابهم نجاتهم من عذاب أليم .

وجائز أن يكون في النذارة بشارة أيضا ؛ ( بشارة ){[14279]} ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ؛ لأنهم إذا تقوا مخالفة الله ومعاصيه كانت لهم العاقبة ، فلهم بشارة في ذلك ونذارة كقوله : ]وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا[ ( سبإ : 28 ) .


[1]:- في ط ع: سمح.
[14277]:من م، في الأصل: الفرقان قرآنا.
[14278]:في الأصل وم: حيث.
[14279]:ساقطة من الأصل وم.