النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قَالَ مَا خَطۡبُكُنَّ إِذۡ رَٰوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفۡسِهِۦۚ قُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمۡنَا عَلَيۡهِ مِن سُوٓءٖۚ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (51)

قوله عز وجل : { قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه } فهذا سؤال الملك قد تضمن تنزيه يوسف لما تخيله من صدقه لطفاً من الله تعالى به حتى لا تسرع واحدة منهن إلى التكذب عليه .

وفي قوله : { راودتن } وإن كانت المراودة من إحداهن وجهان :

أحدهما : أن المراودة كانت من امرأة العزيز وحدها فجمعهن في الخطاب وإن توجه إليها دونهن احتشاماً لها .

الثاني : أن المراودة {[1488]} كانت من كل واحدة منهن{[1489]} . { قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوءٍ } فشهدن له بالبراءة من السوء على علمهن لأنها شهادة على نفي ، ولو كانت شهادتهن على إثبات لشهدن قطعاً ، وهكذا حكم الله تعالى في الشهادات أن تكون على العلم في النفي ، وعلى القطع في الإثبات .

{ قالت امرأة العزيز الآنَ حصحص الحق } معناه الآن تبين الحق ووضح ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة .

وأصله مأخوذ من قولهم حَصّ شعره إذا استأصل قطعه فظهرت مواضعه ومنه الحصة من الأرض إذا قطعت منها . فمعنى حصحص الحق أي انقطع عن الباطل بظهوره وبيانه . وفيه زيادة تضعيف دل عليها الاشتقاق مثل قوله : ( كبوا ، وكبكبوا ) قاله الزجاج . وقال الشاعر :

ألا مبلغ عني خداشاً فإنه *** كذوب إذا ما حصحص الحق ظالم

{ أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين } وهذا القول منها وإن لم تسأل عنه إظهار لتوبتها وتحقيق لصدق يوسف ونزاهته لأن إقرار المقر على نفسه أقوى من الشهادة عليه ، فجمع الله تعالى ليوسف في إظهار صدقه الشهادة والإقرار حتى لا يخامر نفساً ظن ولا يخالجها شك{[1490]} .


[1488]:الكلام مقطوع بالأصول وقد أخذنا هذه العبارة من فحوى كلام المؤلف سابقا عن المراودة و من كتب التفسير.
[1489]:سقط من ق.
[1490]:نقل القرطبي هذه الفقرة حرفيا انظر تفسير 9/208.