فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ مَا خَطۡبُكُنَّ إِذۡ رَٰوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفۡسِهِۦۚ قُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمۡنَا عَلَيۡهِ مِن سُوٓءٖۚ قَالَتِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (51)

وجملة { قَالَ فَمَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : فماذا قال الملك بعد أن أبلغه الرسول ما قال يوسف ؟ والخطب : الشأن العظيم الذي يحق له أن يخاطب فيه صاحبه خاصة ، والمعنى : ما شأنكنّ [ إذ ] راودتنّ يوسف عن نفسه . وقد تقدّم معنى المراودة ، وإنما نسب إليهنّ المراودة ، لأن كل واحدة منهن وقع منها ذلك كما تقدم ، ومن جملة ما شمله خطاب الملك امرأة العزيز ، أو أراد بنسبة ذلك إليهنّ وقوعه منهنّ في الجملة كما كان من امرأة العزيز تحاشياً عن التصريح منه بنسبة ذلك إليها لكونها امرأة وزيره وهو العزيز ، فأجبن عليه بقولهنّ : { قُلْنَ حَاشَ لله } أي : معاذ الله { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوء } أي : من أمر سيء ينسب إليه ، فعند ذلك { قَالَتِ امرأت العزيز } منزهة لجانبه مقرّة على نفسها بالمراودة له { الآن حصحص الحق } أي : تبين وظهر . وأصله : حصّ ، فقيل : حصحص كما قيل في كبوا : { كبكبوا } [ الشعراء : 94 ] قاله الزجاج ، وأصل الحصّ : استئصال الشيء ، يقال : حصَّ شعره ، إذا استأصله ، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت :

قد حَصت البيضةُ رأسي فما *** أطعمُ نوما غيرَ تهجاعِ

والمعنى : أنه انقطع الحق عن الباطل بظهوره وبيانه ، ومنه :

فمن مبلغ عني خِداشا فإنه *** كَذوبٌ إذا ما حَصحَص الحق ظالِمُ

وقيل : هو مشتق من الحصة ، والمعنى : بانت حصّة الباطل . قال الخليل : معناه ظهر الحق بعد خفائه ، ثم أوضحت ذلك بقولها : { أَنَا راودته عَن نَّفْسِهِ } ولم تقع منه المراودة لي أصلاً { وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين } فيما قاله من تبرئة نفسه ، ونسبة المراودة إليها ، وأرادت بالآن زمان تكلمها بهذا الكلام .

/خ57