ثم إنه تعالى حَكَى أنَّ يوسف عليه السلام لما التمس من الملك ذلك ، أمر الملكُ بإحْضَارهنَّ ، وقال لهُّنَّ : " مَا خَطْبُكُنَّ " : ما شَأنُكُنَّ ، وأمركنَّ " إذْ رَاودتُّنَّ يوسف عَنْ نَفْسِهِ " ، وفيه وجهان :
الأول : أن قوله : " إذْ رَاودتُّنَّ يُوسفَ " ، وإن كان صيغة جمع ، فالمراد منها الواحد ؛ كقوله جلَّ ذكره : { الذين قَالَ لَهُمُ الناس إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } [ آل عمران : 173 ] .
والثاني : أنَّ المراد منه خطابُ الجماعة ، ثم هاهنا وجهان :
الأول : أنَّ كلَّ واحدة منهنَّ روادتْ يوسف عن نفسه .
والثاني : أنَّ كلَّ واحدةٍ منهنَّ روادتْ يوسف ؛ لأجل امرأة العزيز ، فاللفظ محتمل لكل هذه الوجوه .
وعند هذا السؤال { قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء } ، وهذا كالتأكيد ؛ لما ذكرنا في أوَّل الأمر في حقه ، وهو قولهنَّ : { مَا هذا بَشَراً إِنْ هاذآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } [ يوسف : 31 ] .
وقوله " إذْ رَوادتنَّ " ، هذا الظرف منصوبٌ ب " خَطْبُكُنَّ " ؛ لأنه في معنى الفعل إذ المعنى : ما فعلتُنَّ ، وما أردتنَّ به في ذلك الوقتِ .
وكانت امرأةُ العزيز حاضرة ، وكانت تعلم أن هذه المناظرات ، والتفحصات ، إنما وقعت بسببها ، ولأجلها . وقيل : إ نَّ النسوة أقبلن على امرأة العزيز يقررنها .
وقيل : خَافتْ أن يَشْهدْنَ عليها ؛ فأقرَّت ، وقالت : { الآن حَصْحَصَ الحق } أي : ظهر ، وتبيَّن : { أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين } ، في قوله : { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } [ يوسف : 26 ] .
هذه شهادةٌ جازمةٌ من تلك المرأة أنَّ يوسفَ صلوات الله وسلامه عليه راعى جانب العزيز حيثُ قال : { ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } ؛ ولم يذكر تلك المرأة ألبتة ؛ فعرفت المرأةُ أنَّهُ ترك ذكرها ؛ رعايةً ، وتعظيماً لجانبها ، وإخفاءً للأمر عليها ؛ فأرادت أن تكافئه على هذا الفعل الحسن ، فلا جرم كشفت الغطاء ، واعترفت بأنَّ الذنب كُلَّه من جانبها ، وأنَّ يوسف كان مُبَرّأ عن الكل .
حُكِيَ أنَّ امرأة جاءت بزوجها إلى القاضي ، فادَّعت عليه المهر ، فأمر القَاضِي أن يَكْشفَ عَنْ وَجْهِها ؛ حتَّى يتمَكَّنَ الشُّهودُ من إقَامةِ الشَّهادةِ ، فقال الزَّوحُ : لا حَاجةَ إلى ذلِكَ ؛ فإنِّي مقرٌّ بصَداقِهَا في دَعْواهَا ، فقالت المرأةُ : أكْرمْتَنِي إلى هذا الحد ؟ اشْهَدُوا أنِّي أبْرَأتُ ذمَّتهُ من كُلِّ حقِّ لِي عليْهِ .
قوله " الآنَ " منصوب بما بعده ، و " حَصْحَصَ " معناه : تبيَّن وظهر بعد خفاءٍ ، قاله الخليل رحمه الله .
وقال بعضهم : هو مأخوذٌ من الحصَّة ، والمعنى : بانتْ حصَّةُ الحق من حصَّة الباطل ، كما تتميَّزُ حِصَصُ الأرَاضِي وغيرها ، وقيل : بمعنى ثبت واستقرَّ .
وقال الرَّاغب : " حَصْحَصَ الحقُّ " ، أي : وضَحَ ذلِكَ بانكِشافِ ما يُقهِره ، وحصَّ وحَصْحَصَِ ، نحو : كفَّ وكَفْكَفَ ، وكَبَّ وكَبْكَبَ ، وحصَّه : قطعهُ ؛ إمَّا بالمباشرة وإمَّا بالحكمِ ؛ فمن الأولِ قوله الشاعر : [ السريع ] .
3116 قَدْ حَصَّتِ البَيْضَةُ رَأسِي فَمَا *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومنه : رجلٌ أحَصّ : انقطع بعض شعره ، وامرأةٌ حصَّاءُ ، والحَصَّةُ : القطعة من الجملة ، ويستعمل استعمال النصيب .
وقيل : هو مِنْ حَصْحَصَ البعير ، إذا ألقى ثفناته ؛ للإناخَةِ ؛ قال الشاعر : [ الطويل ]
3117 فَحَصْحَصَ في صُمِّ القَنَا ثَفِنَاتِهِ *** ونَاءَ بِسلمَى نَوْءَة ثُمَّ صَمَّمَا
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.