الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَۚ قَالَ عَذَابِيٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَآءُۖ وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ} (156)

قوله سبحانه : { واكتب لَنَا فِي هذه الدنيا حَسَنَةً . . . } [ الأعراف :156 ] .

{ اكتب } معناه : أَثْبتْ واقض ، والكَتْب : مستعملٌ في كلِّ ما يخلَّد ، و{ حَسَنَةً } : لفظ عامٌّ في كل ما يحسن في الدنيا من عاقبة وطاعة للَّه سبحانه ، وغَيْرِ ذلك ، وحَسَنَةُ الآخرةِ : الجَنَّة ، لا حَسَنَةَ دونها ، ولا مرمى وراءها ، و{ هُدْنَا } -بضم الهاء- معناه : تُبْنَا .

وقوله سبحانه : { قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ } ، يحتمل أن يريد ب «العذاب » الرجفةَ التي نزلَتْ بالقوم ، ثم أخبر سبحانه عن رحمته ، ويحتملُ وهو الأظهر : أن الكلام قصد به الخَبَرُ عن عذابه ، وعن رحمته ، وتصريف ذلك في خليقته ، كما يشاء سبحانه ، ويندرجُ في عمومِ العذابِ أصحابُ الرجفة ، وقرأ الحسنُ بنُ أبي الحسن ، وطَاووُسٌ ، وعَمْرُو بن فائدٍ : ( مَنْ أَسَاءَ ) من الإِساءة ، ولا تعلُّق فيه للمعتزلة ، وأطنب القُرَّاء في التحفُّظ من هذه القراءَةِ ، وَحَمَلَهُمْ على ذلك شُحُّهم على الدِّين .

وقوله سبحانه : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } قال بعض العلماء : هو عمومٌ في الرحمة ، وخصوصٌ في قوله : { كُلَّ شَيْءٍ } والمراد : مَنْ قد سبق في عِلْم اللَّه أن يرحمهم ، وقوله سبحانه : { فَسَأَكْتُبُهَا } أي : أقدِّرها وأقضيها .

وقال نَوْفٌ البِكَالِيُّ : إِن موسى عليه السلام قال : يا رَبِّ ، جعلْتَ وِفَادَتِي لأمَّة محمَّد عليه السلام ، وقوله : { وَيُؤْتُونَ الزكاة } الظاهر : أنها الزكاةُ المختصَّة بالمالِ ، وروي عن ابن عباس ، أن المعنى : يؤتون الأعمالَ التي يزكُّون بها أنفسهم .