النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{۞وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَۚ قَالَ عَذَابِيٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَآءُۖ وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ} (156)

قوله عز وجل : { وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرة } في الحسنة هنا ثلاثة{[1140]} أقاويل :

أحدها : أنها النعمة سميت حسنة لحسن موقعها في النفوس .

والثاني : {[1141]}أنها الثناء الصالح .

والثالث : أنها مستحقات الطاعة .

{ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ } فيه ثلاثة أقاويل{[1142]} :

أحدها : معناه تبنا إليك ، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وإبراهيم .

والثاني : رجعنا بالتوبة إليك ، لأنه من هاد يهود إذا رجع ، قاله علي بن عيسى .

والثالث : يعني تقربنا بالتوبة إليك من قولهم : ما له عند فلان هوادة ، أي ليس له عنده سبب يقربه منه ، قاله ابن بحر{[1143]} .

{ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ } وفيه قولان :

أحدهما : من أشاء من خلقي كما أصيب به قومك .

الثاني : من أشاء في التعجيل والتأخير .

{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } فيها ثلاثة تأويلات :

أحدها : أن مخرجها عام ومعناها خاص ، تأويل ذلك : ورحمتي وسعت المؤمنين بي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } الآية . قاله ابن عباس .

والثاني : أنها على العموم في الدنيا والخصوص في الآخرة ، وتأويل ذلك : ورحمتي وسعت في الدنيا البر والفاجر ، وفي الآخرة هي للذين اتقوا خاصة ، قاله الحسن وقتادة .

والثالث : أنها التوبة{[1144]} ، وهي على العموم ، قاله ابن زيد .

{ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } فيه قولان :

أحدهما : يتقون الشرك ، قاله ابن عباس .

والثاني : يتقون المعاصي ، قاله قتادة .

{ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } فيها قولان :

أحدهما : أنها زكاة أموالهم لأنها من أشق فرائضهم ، وهذا قول الجمهور . والثاني : معناه أي يطيعون الله ورسوله ، قاله ابن عباس والحسن ، وذهبا إلى أنه العمل بما يزكي النفس ويطهرها من صالحات الأعمال .

فأما المكنّى عنه بالهاء التي في قوله : { فَسَأَكْتُبُهَا } فقد قيل إن موسى لما انطلق بوفد بني إسرائيل كلّمه الله وقال : إني قد بسطت لهم الأرض طهوراً ومساجد يصلون فيها حيث أدركتهم الصلاة إلا عند مرحاض أو قبر أو حمّام ، وجعلت السكينة في قلوبهم ، وجعلتهم يقرؤون التوراة عن ظهر ألسنهم ، قال فذكر موسى ذلك لبني إسرائيل ، فقالوا لا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا فاجعلها لنا في تابوت ، ولا نقرأ التوراة إلا نظراً ، ولا نصلي إلا في السكينة ، فقال الله تعالى : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } يعني ما مضى من السكينة والصلاة والقراءة ، ثم بيَّن من هم فقال :


[1140]:في ق: قولان أحدهما.
[1141]:سقط من ق.
[1142]:في ق: قولان أحدهما.
[1143]:سقط من ق.
[1144]:في ق: التوراة، والسياق يأبي ذلك. وقد سقطت عبارة: وهي على العموم.