فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَۚ قَالَ عَذَابِيٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَآءُۖ وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ} (156)

{ واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة } بتوفيقنا للأعمال الصالحة أو تفضل علينا بإفاضة النعم من الحياة الطيبة والعافية وسعة الرزق { و } اكتب لنا { في الآخرة } الجنة بما تجازينا به أو بما تفضل به علينا من النعيم في الآخرة { إنا هدنا } تعليل لما قبلها من سؤال المغفرة والرحمة والحسنة في الدنيا وفي الآخرة أي إنا تبنا { إليك } ورجعنا عن الغواية التي وقعت من بني إسرائيل ، والهود التوبة ، وقد تقدم في البقرة وبه قال جميع المفسرين قيل وبه سميت اليهود ، وكان اسم مدح قبل نسخ شريعتهم ثم صار اسم ذم وهو لازم لهم ، وأصل الهود الرجوع برفق والمهادنة المصالحة قال عكرمة فكتب الرحمة يومئذ لهذه الأمة .

وقال أبو وجزة السعدي : وكان من أعلم الناس بالعربية : لا والله ما أعلمها في كلام العرب هدنا قيل فكيف ؟ قال : هدنا بكسر الهاء يقول ملنا .

{ قال عذابي أصيب به من أشاء } قيل المراد بالعذاب هنا الرجفة ، وقيل أمره سبحانه لهم بأن يقتلوا أنفسهم أي ليس هذا إليك يا موسى بل ما شئت كان وما لم أشأ لم يكن ، والظاهر أن العذاب هنا يندرج تحته كل عذاب ويدخل فيه عذاب هؤلاء دخولا أوليا ، وقيل المراد من أشاء من المستحقين للعذاب أو من أشاء أن أضله وأسلبه التوفيق ليس لأحد عليّ اعتراض لأن الكل ملكي وعبيدي .

{ ورحمتي وسعت كل شيء } من المكلفين وغيرهم ، قيل هذا من العام الذي أريد به الخاص فرحمة الله عمت البر والفاجر في الدنيا ، وهي للمؤمنين خاصة في الآخرة ، قاله الحسن وقتادة ، وقال جمع من المفسرين : لما نزلت هذه الآية تطاول إبليس إليها قال وأنا من ذلك الشيء فنزعها الله من إبليس قاله السدي وابن جريج ، وعن قتادة نحوه فقال : { فسأكتبها للذين يتقون } الذنوب أو الشرك قاله ابن عباس { ويؤتون الزكاة } المفروضة عليهم { والذين هم بآياتنا يؤمنون } أي يصدقون ويذعنون لها ، فأيس إبليس ، وقالت اليهود نحن نتقي ونؤتي الزكاة ونؤمن بآيات ربنا فنزعها الله من اليهود وأثبتها لهذه الأمة .

وأخرج مسلم وغيره عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إن لله مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق وبها تعطف الوحوش على أولادها وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة ) {[786]} ، وعن ابن عباس قال سأل موسى ربه مسألة فأعطاها محمدا صلى الله عليه وسلم وأعطى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كل شيء سأل موسى عليه الصلاة والسلام ربه في هذه الآية .


[786]:- وفي رواية لمسلم: إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس، والبهائم والهوام، فيها يتعاطفون، وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة. مسلم (2752) البخاري 2320. وفي رواية خلق الله مائة رحمة، فوضع واحدة بين خلقه وخبأ عنده مائة إلا واحدة.