المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (21)

21- بل حسب الذين اكتسبوا ما يسوء من الكفر والمعاصي أن نجعلهم كالذين آمنوا بالله وعملوا الصالحات من الأعمال ، فنسوِّى بين الفريقين في الحياة ونسِّوى بين الفريقين في الممات ؟ ، بئس ما يقضون إذا أحسوا أنهم كالمؤمنين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَوَآءٗ مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ} (21)

وقوله تعالى : { أم حسب } الآية قول يقتضي أنه نزل بسبب افتخار كان للكفار على المؤمنين قالوا لئن كانت آخرة كما تزعمون لنفضلن عليكم فيها كما فضلنا في الدنيا . و : { أم } هذه ليست بمعادلة ، وهي بمعنى بل مع ألف الاستفهام . و : { اجترحوا } معناه : اكتسبوا ، ومنه جوارح الإنسان ، ومنه الجوارح في الصيد ، وتقول العرب : فلان جارحة أهله ، أي كاسبهم .

وقرأ أكثر القراء : «سواءٌ » بالرفع «محياهم ومماتُهم » بالرفع ، وهذا على أن «سواءٌ » رفع بالابتداء{[10272]} «ومحياهم ومماتُهم » خبره . و : { كالذين } في موضع المفعول الثاني ل «نجعل » ، وهذا على أحد معنيين : إما أن يكون الضمير في { محياهم } يختص بالكفار المجترحين ، فتكون الجملة خبراً عن أن حالهم في الزمنين حال سوء . والمعنى الثاني : أن يكون الضمير في { محياهم } يعم الفريقين ، والمعنى : أن محيا هؤلاء ومماتهم سواء ، وهو كريم ، ومحيا الكفار ومماتهم سواء ، وهو غير كريم ، ويكون اللفظ قد لف هذا المعنى وذهن السامع يفرقه ، إذ تقدم إبعاد أن يجعل الله هؤلاء كهؤلاء .

قال مجاهد : المؤمن يموت مؤمناً ويبعث مؤمناً ، والكافر يموت كافراً ويبعث كافراً .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : مقتضى هذا الكلام أن لفظ الآية خبر ، ويظهر لي أن قوله : { سواء محياهم ومماتهم } داخل في المحسبة المنكرة السيئة ، وهذا احتمال حسن{[10273]} ، والأول أيضاً جيد .

وقرأ طلحة وعيسى بخلاف عنه : «سواءً » بالنصب ، «محياهم ومماتُهم » بالرفع ، وهذا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون قوله : { كالذين } في موضع المفعول الثاني ل «جعل » كما هو في قراءة الرفع ، وينصب قوله : «سواءً » على الحال من الضمير في : { نجعلهم } . والوجه الثاني أن يكون قوله : { كالذين } في نية التأخير ، ويكون قوله : «سواءً » مفعولاً ثانياً ل «جعل » ، وعلى كلا الوجهين : «محياهم ومماتُهم » مرتفع ب «سواء » على أنه فاعل . وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم{[10274]} والأعمش «سواءً » بالنصب «محياهم ومماتَهم » بالنصب وذلك على الظرف أو على أن يكون «محياهم » بدلاً من الضمير في : { نجعلهم } أي نجعل محياهم ومماتهم سواء ، وهذه الآية متناولة بلفظها حال العصاة من حال أهل التقوى ، وهي موقف للعارفين فيكون عنده فيه ، وروي عن الربيع بن خيثم أنه كان يرددها ليلة جمعاء ، وكذلك عن الفضيل بن عياض ، وكان يقول لنفسه : ليت شعري من أي الفريقين أنت ، وقال الثعلبي : كانت هذه الآية تسمى مبكاة العابدين .

قال القاضي أبو محمد : وأما لفظها فيعطي أنه اجتراح الكفر بدليل معادلته بالإيمان ، ويحتمل أن تكون المعادلة بين الاجتراح وعمل الصالحات ، ويكون الإيمان في الفريقين ، ولهذا ما بكى الخائفون رضوان الله عليهم ، وإما مفعولاً { حسب } فقولهم { أن نجعلهم } يسد مسد المفعولين . وقوله : { ساء ما يحكمون } ، { ما } مصدرية ، والتقدير : ساء الحكم حكمهم .


[10272]:قال أبو حيان الأندلسي:"ولا مسوغ لجواز الابتداء به، بل هو خبر مقدم وما بعده المبتدأ، والجملة خبر مستأنف".
[10273]:عقّب أبو حيان الأندلسي على هذا بعد أن نقله بقوله:"ولم يبين كيفية تشبت الجملة بما قبلها حتى يدخل في المحسبة".
[10274]:قراءة حفص عن عاصم كما هي في المصحف الشريف:{سواء محياهم ومماتهم} بالنصب في [سواء] والرفع في {محياهم ومماتهم}.