قوله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض } أي : سافرتم .
قوله تعالى : { فليس عليكم جناح } أي : حرج وإثم .
قوله تعالى : { أن تقصروا من الصلاة } ، يعني من أربع ركعات إلى ركعتين ، وذلك في صلاة الظهر والعصر والعشاء .
قوله تعالى : { إن خفتم أن يفتنكم } أي : يغتالكم ويقتلكم .
قوله تعالى : { الذين كفروا } ، في الصلاة ، نظيره قوله تعالى : { على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم } [ يونس :83 ] أي : يقتلهم .
قوله تعالى : { إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً } أي : ظاهر العداوة .
اعلم أن قصر الصلاة في السفر جائز بإجماع الأمة ، واختلفوا في جواز الإتمام . فذهب أكثرهم إلى أن القصر واجب ، وهو قول عمر ، وعلي ، وابن عمر ، وجابر ، وابن عباس رضي الله عنهم . وبه قال الحسن ، وعمر بن عبد العزيز ، وقتادة ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي ، لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين في الحضر والسفر ، فأقرت صلاة السفر ، وزيد صلاة الحضر .
وذهب قوم إلى جواز الإتمام ، روي ذلك عن عثمان ، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ، وبه قال الشافعي رضي الله عنه ، إن شاء أتم هو ، وإن شاء قصر ، والقصر أفضل .
أخبرنا الإمام عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا إبراهيم بن محمد ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة وأتم . وظاهر القرآن يدل على ذلك ، لأن الله تعالى قال :{ فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ، ولفظ " لا جناح " إنما يستعمل في الرخص لا فيما يكون حتماً ، فظاهر الآية يوجب أن القصر لا يجوز إلا عند الخوف ، وليس الأمر على ذلك ، إنما نزلت الآية على غالب أسفار النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكثرها لم يخل عن خوف العدو . والقصر جائز في السفر في حال الأمن عند عامة أهل العلم ، والدليل عليه ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود ، عن ابن جريج ، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن باباه عن يعلى بن أمية ، قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنما قال الله تعالى : { أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } ، وقد أمن الناس ، فقال عمر رضي الله عنه : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته ) .
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا عبد الوهاب عن أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة آمناً ، لا يخاف إلا الله ، فصلى ركعتين .
وذهب قوم إلى أن ركعتي المسافر ليستا بقصر ، إنما القصر أن يصلي ركعة واحدة في الخوف ، يروى ذلك عن جابر رضي الله عنه وهو قول عطاء ، وطاووس ، والحسن ، ومجاهد ، وجعلوا شرط الخوف المذكور في الآية باقياً ، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الاقتصار على ركعة واحدة لا يجوز . خائفاً كان أو آمناً . واختلف أهل العلم في مسافة القصر فقالت طائفة : يجوز القصر في السفر الطويل والقصير ، روي ذلك عن أنس رضي الله عنه . وقال عمرو بن دينار : قال لي جابر بن زيد : اقصر بعرفة . أما عامة الفقهاء فلا يجوزون القصر في السفر القصير ، واختلف في حد ما يجوز به القصر ، فقال الأوزاعي : مسيرة يوم ، وكان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم يقصران ويفطران في أربعة برد ، وهي ستة عشر فرسخاً ، وإليه ذهب مالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وهو قول الحسن ، والزهري قريب من ذلك ، فإنهما قالا : مسيرة يومين ، وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه ، قال : مسيرة ليلتين قاصدتين ، وقال في موضع : ستة وأربعون ميلاً بالهاشمي ، وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي : مسيرة ثلاثة أيام . وقيل : قوله : { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } متصل بما بعده من صلاة الخوف ، منفصل عما قبله . روي عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال : نزل قوله : { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } هذا القدر ثم بعد حول سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الخوف فنزل : { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ، إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً وإذا كنت فيهم } الآية . ومثله في القرآن كثير ، أن يجيء الخبر بتمامه ثم ينسق عليه خبر آخر ، وهو في الظاهر كالمتصل به ، وهو منفصل عنه ، كقوله تعالى : { الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين } [ يوسف :51 ] وهذه حكاية عن امرأة العزيز ، وقوله : { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب } [ يوسف :52 ] إخبار عن يوسف عليه السلام .
{ وإذا ضربتم في الأرض } سافرتم . { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } بتنصيف ركعاتها ونفي الحرج فيه يدل على جوازه دون وجوبه ، ويؤيده أن عليه الصلاة والسلام أتم في السفر . وأن عائشة رضي الله تعالى عنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت : يا رسول الله قصرت وأتممت ، وصمت وأفطرت . فقال " أحسنت يا عائشة " . وأوجبه أبو حنيفة لقول عمر رضي الله تعالى عنه : صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم ، ولقول عائشة رضي الله تعالى عنها أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين فأقرت في السفر وزيدت في الحضر . فظاهرهما يخالف الآية الكريمة فإن صحا فالأول مؤول بأنه كالتمام في الصحة والإجزاء ، والثاني لا ينفي جواز الزيادة فلا حاجة إلى تأويل الآية . بأنهم ألفوا الأربع فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم أن ركعتي السفر قصر ونقصان ، فسمي الإتيان بهما قصرا على ظنهم . ونفي الجناح فيه لتطيب به نفوسهم ، وأقل سفر تقصر فيه أربعة برد عندنا وستة عند أبي حنيفة .
قرئ { تقصروا } من أقصر بمعنى قصر ومن الصلاة صفة محذوف أي : شيئا من الصلاة عند سيبويه ، ومفعول تقصروا بزيادة عند الأخفش . { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا } شريطة باعتبار الغالب في ذلك الوقت ، ولذلك لم يعتبر مفهومها كما لم يعتبر في قوله تعالى : { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } وقد تظاهرت السنن على جوازه أيضا في حال الأمن . وقرئ من الصلاة أن يفتنكم بغير إن خفتم بمعنى كراهة أن يفتنكم : وهو القتال والتعرض بما يكره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.