فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (101)

وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا( 101 )

{ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ضربتم : تحركتم واضطربتم في البلاد وسافرتم ، وخرجتم ذاهبين فيها ، لتجارة أو جهاد أو طلب علم أو رزق أو نحوها ، فلا حرج عليكم ولا تضييق ، بل أذن الله لكم أن تخففوا من صلاتكم ، من عدد ركعات الرباعية لتصير ثنائية ، وفي النافلة تصلون في سفركم على رواحلكم إن شئتم ، مستقبلين القبلة وغير مستقبلين لها ، - والمراد من الأرض ما يشمل البر والبحر ، والمقصود التعميم ، . . . ، والقصر خلاف المد ، يقال : قصرت الشيء إذا جعلته قصيرا بحذف بعض أجزائه أو أوصافه ، . . . يراد بالصلاة الجنس ليكون المقصود بعضا منها وهي الرباعية-( {[1512]} ) .

أخرج الشيخان- البخاري ومسلم- عن حارثة بن وهب الخزاعي أنه قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه بركعتين ؛ أخرجا عن عبد الله بن يزيد : صلى بنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بمنى أربع ركعات فقيل في ذلك لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه فاسترجع( {[1513]} ) ، ثم قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين ، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقلبتان ؛ وفي البخاري عن عبد الله بن عمر قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين وأبي بكر وعمر ، وعثمان صدراً مِن إمارته ثم أتمها ؛ وروى البخاري عن أنس يقول : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة ، قلت : أقمتم بمكة شيئا ؟ قال : أقمنا بها عشرا ؛ { وإن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا }- خرج مخرج الغالب حال نزول الآية ، فإن في مبدأ الإسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة بل ما كانوا ينهضون إلا لغزو عام ، أو في سرية خاصة ، وسائر الأحيان حرب للإسلام وأهله ، والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب أو على حادثة فلا مفهوم له ، كقوله تعالى : { . . ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا . . } وكقوله تعالى : { وربائبكم اللاتي في جحوركم . . }- ( {[1514]} ) ؛ وعن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد أنه سأل عبد الله ابن عمر ، فقال : يا أبا عبد الرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر ؟ فقال عبد الله بن عمر : يا ابن أخي إن الله تبارك وتعالى بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا ، فإنا نفعل كما رأيناه يفعل ؛ ومما قال الشافعي : القصر في غير الخوف بالسنة ، وأما في الخوف مع السفر فبالقرآن والسنة ؛ وفي صحيح مسلم عن يعلى بن أمية قال : سألت عمر بن الخطاب قلت : { . . فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا . . } وقد أمن الناس ؛ فقال لي عمر : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " ( {[1515]} )- وفتنتهم إياها فيها : حملهم عليهم وهم فيها ساجدون ، حتى يقتلوهم أو يأسروهم ، فيمنعوهم من إقامتها وأدائها ، ويحولوا بينهم وبين عبادة الله وإخلاص التوحيد له ؛ . . { إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا } يعني : الجاحدون وحدانية الله . . قد أبانوا لكم عداوتهم بمناصبتهم لكم الحرب على إيمانكم بالله ورسوله ، وترككم عبادة ما يعبدون من الأوثان والأصنام ، ومخالفتكم ما هم عليه من الضلالة-( {[1516]} ) .


[1512]:من روح المعاني، في تفسير القرآن العظيم والسبع المثانى، للسيد محمود الألوسي البغدادي.
[1513]:أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
[1514]:من تفسير القرآن العظيم.
[1515]:مما جاء في فتح القدير: فالقصر مع الخوف ثابت بالكتاب، والقصر مع الأمن ثابت بالسنة، ومفهوم الشرط-(إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا)- لا يقوى على معارضة ما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم من القصر مع الأمن؛ وقد قيل: إن هذا الشرط خرج مخرج الغالب، لأن الغالب على المسلمين إذ ذاك القصر للخوف في الأسفار.
[1516]:من جامع البيان.