الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (101)

{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ } أي هاجرتم فيها { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } أي حرج وإثم { أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ } يعني من الأربع ركعات إلى ركعتين { إِنْ خِفْتُمْ } أي علمتم { أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } في الصلاة { إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } مجاهراً بعداوته وقال : [ .

. . . ] عدوا بمعنى أعداء والله أعلم .

قوله { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ } .

تمام الكلام ههنا .

ثم أصبح يقصر صلاة المسافر واو العطف فقال : ( فإن خفتم ان يفتنكم الذين كفروا ) يريد فإن خفتم وهو حرف شرط وفي القرآن مثل هذا كثير أي خفي الخبر بتمامه ثم عطف عليه حرف منفصل عنه في الباطن وهو في الظاهر كالمتصل كقوله

{ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } [ يوسف : 51 ] الآية .

هذا اعتراف امرأة العزيز ثم وصل بها حكاية أُخرى عن يوسف وهو قوله

{ ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } [ يوسف : 52 ] لأن بعد الاعتراف بالذنب لا معنى لقولها

{ لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } [ يوسف : 52 ] .

وفي التفسير : أنَّ يوسف لما قال هذه المقالة . قال له جبرئيل ( عليه السلام ) ولا حين هممت ؟ وعندئذ قال يوسف

{ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِي } [ يوسف : 53 ] ومثل قوله تعالى

{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ } [ القصص : 68 ] وقال :

{ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } [ القصص : 68 ] افتتاح كلام آخر يريد به النفي لأنه لو كان متصلاً بأول الكلام كان معناه [ . . . . ] .

قال : وحَمْل الآية على نحو ما أشرنا إليه من النظم يفيد زيادة معنى وهو وجوب القصر في السفر من غير خوف نص الآية لأنك متى مافصلت قوله تعالى { أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } متصلاً بذكر قصر الصلاة لزمك أن تقول قصر الصلاة في السفر من غير خوف بالسنّة وأن السُنّة ناسخة الكتاب ، قيل : على زيادة معنى مع إستقامة نظمها أولى من حملها على غيرها .

حكم الآية

اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في إتمام الصلاة في السفر أربع ركعات ولكن أُبيح له القصر تخفيفاً عنه وإليه ذهب الشافعي ، ورجّح الوجوب طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة رضي الله عنها قالت : كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان في غزوة بني لحيان .