المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورٗا} (18)

18- فيكون جوابهم : تنزَّهت وتقَّدست ، ما كان يحق لنا أبداً أن نطلب من دونك ولياً ينصرنا ويتولي أمرنا ، فكيف مع هذا ندعو أحداً أن يعبدنا دونك ؟ ولكن السبب في كفرهم هو إنعامك عليهم بأن متّعتهم طويلا بالدنيا هم وآباؤهم ، فأطغاهم ذلك ونسوا شكرك والتوجه إليك - وحدك - بالعبادة ، وكانوا بذلك الطغيان والكفر قوماً مستحقين للهلاك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورٗا} (18)

قوله تعالى : { قالوا سبحانك } نزهوا الله من أن يكون معه إله ، { ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء } يعني : ما كان ينبغي لنا أن نوالي أعداءك ، بل أنت ولينا من دونهم . وقيل : ما كان لنا أن نأمرهم بعبادتنا ونحن نعبدك . وقرأ أبو جعفر ( أن نتخذ ) بضم النون وفتح الخاء ، فتكون من الثاني صلة . { ولكن متعتهم وآباءهم } في الدنيا بطول العمر والصحة والنعمة ، { حتى نسوا الذكر } تركوا الموعظة والإيمان بالقرآن . وقيل : تركوا ذكرك وغفلوا عنه ، { وكانوا قوماً بوراً } يعني هلكى غلب عليهم الشقاء والخذلان ، رجل يقال رجل بائر وقوم بور ، وأصله من البوار وهو الكساد والفساد ، ومنه بوار السلعة وهو كسادها . وقيل هو اسم مصدر كالزور ، يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورٗا} (18)

( قالوا : سبحانك ! ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء . ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر ، وكانوا قوما بورا ) . .

فهذا المتاع الطويل الموروث - على غير معرفة بواهب النعمة ولا توجه ولا شكر - قد آلهاهم وأنساهم ذكر المنعم ، فانتهت قلوبهم إلى الجدب والبوار . كالأرض البور لا حياة فيها ولا زرع ولا ثمار . والبوار الهلاك ، ولكن اللفظ يوحي كذلك بالجدب والخواء . جدب القلوب ، وخواء الحياة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورٗا} (18)

قرأ الأكثرون بفتح " النون " من قوله : { نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ } أي : ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحدا سواك ، لا نحن ولا هم ، فنحن ما دعوناهم إلى ذلك ، بل هم قالوا{[21435]} ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ولا رضانا ونحن برآء منهم ومن عبادتهم ، كما قال تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } [ سبأ : 40 - 41 ] . {[21436]} وقرأ آخرون : " مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُتَّخَذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ " أي : ما ينبغي لأحد أن يعبدنا ، فإنا عبيد لك ، فقراء إليك . وهي قريبة المعنى من الأولى .

{ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ } أي : طال عليهم العمر حتى نَسُوا الذكر ، أي : نسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك ، من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك .

{ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا } قال ابن عباس : أي هلكى . وقال الحسن البصري ، ومالك عن الزهري : أي لا خير فيهم . وقال ابن الزبعرى حين أسلم :

يا رَسُولَ المَليك إنّ لسَاني *** رَاتقٌ ما فَتَقْتُ إذْ أنا بُورُ

إذْ أجاري الشَّيطَانَ في سَنَن الغ *** يِّ ، وَمَن مالَ مَيْلَه مَثْبُورُ


[21435]:- في أ : "فعلوا".
[21436]:- في هـ : "به" والمثبت من أ ، وهو الصواب.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورٗا} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نّتّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلََكِن مّتّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتّىَ نَسُواْ الذّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } .

يقول تعالى ذكره : قالت الملائكة الذين كان هؤلاء المشركون يعبدونهم من دون الله وعيسى : تنزيها لك يا ربنا وتبرئه مما أضاف إليك هؤلاء المشركون ، ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء نواليهم ، أنت ولينا من دونهم ، ولكن متعتهم بالمال يا ربنا في الدنيا والصحة حتى نَسُوا الذكر وكانوا قوما هَلْكي قد غلب عليهم الشقاء والخِذْلان .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَكِنّ مَتّعْتَهُمْ وآباءَهُمْ حتى نَسُوا الذّكْرَ وكانُوا قَوْما بُورا يقول : قوم قد ذهبت أعمالهم وهم في الدنيا ، ولم تكن لهم أعمال صالحة .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وكانُوا قَوْما بُورا يقول : هلكى .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وكانُوا قَوْما بُورا يقول : هَلْكَى .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن الحسن : وكانُوا قَوْما بُورا قال : هم الذين لا خير فيهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وكانُوا قَوْما بُورا قال : يقول : ليس من الخير في شيء . البور : الذي ليس فيه من الخير شيء .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أنْ نَتّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أوْلِياءٍ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار : نَتّخِذَ بفتح النون سوى الحسن ويزيد بن القَعقاع ، فإنهما قرآه : «أنْ نُتّخَذَ » بضمّ النون . فذهب الذين فتحوها إلى المعنى الذي بيّنّاه في تأويله ، من أن الملائكة وعيسى ومن عُبد من دون الله من المؤمنين هم الذين تبرّءوا أن يكون كان لهم وليّ غير الله تعالى ذكره . وأما الذين قرءوا ذلك بضمّ النون ، فإنهم وجهوا معنى الكلام إلى أن المعبودين في الدنيا إنما تبرّءوا إلى الله أن يكون كان لهم أن يُعْبدوا من دون الله جلّ ثناؤه ، كما أخبر الله عن عيسى أنه قال إذا قيل أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّخِذُونِي وأُمّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لي أنْ أقُولَ ما لَيْسَ لي بِحَقَ ما قُلْتُ لَهُمْ إلاّ ما أمَرْتَنِي بِهِ أنِ اعْبُدُوا اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بفتح النون ، لعلل ثلاث : إحداهنّ إجماع من القرّاء عليها . والثانية : أن الله جلّ ثناؤه ذكر نظير هذه القصة في سورة سَبَأ ، فقال : وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعا ثم يقولُ للملائكة أهؤلاءِ إياكُم كانُوا يَعْبُدون قالوا سُبْحَانك أنتَ وَلِيّنا من دُونِهِمْ ، فأخبر عن الملائكة أنهم إذا سُئلوا عن عبادة من عبدهم تبرّءُوا إلى الله من ولايتهم ، فقالوا لربهم : أنت وليّنا من دونهم ، فذلك يوضّح عن صحة قراءة من قرأ ذلك : ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أنْ نَتّخِذ مِنْ دُونِكَ مِنْ أوْلِياء بمعنى : ما كان ينبغي لنا أن نتخذهم من دونك أولياء . والثالثة : أن العرب لا تدخل «مِنْ » هذه التي تدخل في الجحد إلاّ في الأسماء ، ولا تدخلها في الأخبار ، لا يقولون : ما رأيت أخاك من رجل ، وإنما يقولون : ما رأيت من أحد ، وما عندي من رجل وقد دخلت هاهنا في الأولياء وهي في موضع الخبر ، ولو لم تكن فيها «مِنْ » ، كان وجها حسنا . وأما البُور : فمصدر واحد ، وجمع للبائر ، يقال : أصبحت منازلهم بُورا : أي خالية لا شيء فيها ، ومنه قولهم : بارت السّوق وبار الطعام : إذا خلا من الطّلاب والمشتري فلم يكن له طالب ، فصار كالشيء الهالك ومنه قول ابن الزّبَعْرَى :

يا رَسُولَ المَلِيك إنّ لسانِي *** رَاتِقٌ ما فَتَقْتُ إذْ أنا بُورُ

وقد قيل : إن بور : مصدر ، كالعدل والزور والقطع ، لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث . وإنما أريد بالبور في هذا الموضع أن أعمال هؤلاء الكفار كانت باطلة لأنها لم تكن لله ، كما ذكرنا عن ابن عباس .