الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورٗا} (18)

{ سبحانك } تعجب منهم ، قد تعجبوا مما قيل لهم لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون ، فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختص بإبليس وحزبه . أو نطقوا بسبحانك ليدلوا على أنهم المسبحون المتقدّسون الموسومون بذلك . فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده ؟ أو قصدوا به تنزيهه عن الأنداد ، وأن يكون له نبيّ أو ملك أو غيرهما ندّاً ، ثم قالوا : ما كان يصحّ لنا ولا يستقيم ونحن معصومون أن نتولى أحداً دونك ، فكيف يصحّ لنا أن نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك . أو ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين في توليهم الكفار كما تولاهم الكفار . قال الله تعالى : { فقاتلوا أَوْلِيَاء الشيطان } [ النساء : 76 ] يريد الكفرة وقال : { والذين كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطاغوت } [ البقرة : 257 ] وقرأ أبو جعفر المدني : نتخذ ، على البناء للمفعول . وهذا الفعل أعني «اتخذ » يتعدى إلى مفعول واحد ، كقولك : اتخذ ولياً وإلى مفعولين كقولك : اتخذ فلاناً ولياً . قال الله تعالى : { أَمِ اتخذوا الِهَةً مّنَ الأرض } [ الأنبياء : 1 ] وقال : { واتخذ الله إبراهيم خَلِيلاً } [ النساء : 125 ] فالقراءة الأولى من المتعدي إلى واحد وهو { مِنْ أَوْلِيَاءَ } والأصل : أن نتخذ أولياء ، فزيدت { مِن } لتأكيد معنى النفي ، والثانية : من المتعدي إلى مفعولين . فالأول ما بني له الفعل . والثاني : { مِنْ أَوْلِيَاءَ } . ومن للتبعيض ، أي : لا نتخذ بعض أولياء . وتنكير { أَوْلِيَاءَ } من حيث أنهم أولياء مخصوصون وهم الجنّ والأصنام . والذكر : ذكر الله والإيمان به ، أو القرآن والشرائع . والبور : الهلاك . يوصف به الواحد والجمع : ويجوز أن يكون جمع بائر ، كعائذ وعوذ .