معاني القرآن للفراء - الفراء  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورٗا} (18)

وقوله : { قَالُواْ سُبْحانَكَ ما كَانَ يَنبَغِي لَنا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء18 }

قالت الأصْنام : ما كانَ لنا أن نعبد غَيْرَكَ فكيف ندعُو إلى عبداتنا ! ثم قالت : ولكنكَ يا ربّ متَّعَتهُمْ بالأموال والأولاد حَتَّى نَسُوا ذكركَ . فقال الله للآدميينَ { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ } يقول : { كذَّبتكم الآلهة بما تقولونَ } وتقرأ { بِما يقولون } باليَاء ( والتّاء ) فمن قرأ بالتَّاء فهو كقولك كذّبكَ يكذّبك . ومن قرأ باليَاء قال : كذّبوكم بقولهم . والقراء مجتمعَة على نصب النون في ( نَتَّخِذَ ) إلا أبا جعفر المدنيّ فإنه قرأ ( أن نُتَّخَذَ ) بضم النون { مِنْ دُونِكَ } فلو لم تكن في الأوليَاء ( مِنْ ) كَانَ وجها جيِّداً ، وهو على ( شذوذه و ) قلّة مَن قرأ به قد يجوز على أن يَجْعَل الاسم في { مِن أوليَاء } وإن كَانت قد وقعت في موقع الفعل 130 ب وإنما آثرت قول الجماعة لأن العرب إنما تُدخل ( مِن ) في الأسْماء لا في الأخبار ؛ ألا ترى أنهم يقولون : ما أخذت من شيء وما عندي من شيء ، ولا يقولونَ ما رأيتُ عبد الله مِن رجل . ولو أرادوا ما رأيت من رجل عبدَ الله فجعلوا عبدَ الله هو الفعل جَاز ذلكَ . وهو مذهب أبى جعفر المدنيّ .

وقوله { قَوْما بُوراً } والبور مصدر واحد وجمع ؛ والبائر الذي لا شيء فيه . تقول : أصبْحت منازلهم بُوراً أي لا شيء فيها . فكذلك أَعْمال الكفار باطل . ويقال : رجل بُور وقوم بُور .