قوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } ، اختلفوا في الكبائر التي جعل الله اجتنابها تكفيراً للصغائر .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا محمد بن مقاتل ، أنا النضر ، أخبرنا شعبة ، أنا فراس ، قال : سمعت الشعبي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الكبائر : " الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا مسدد ، أنا بشر بن الفضل ، أنا الجريري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله عز وجل ، وعقوق الوالدين ، وجلس وكان متكئاً فقال : ألا وقول الزور ، ألا وقول الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ) .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، أنا أحمد بن عيسى اليرني ، أنا محمد بن كثير ، أنا سفيان الثوري ، عن الأعمش ومنصور ، وواصل الأحدب ، عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله رضي الله عنهما قال : قلت : يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله ؟ قال : أن تدعو لله نداً وهو خلقك ، قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعمك معك ، قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزني بحليلة جارك . فأنزل الله تعالى تصديقها { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } الآية .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث ، أنا أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أكبر الكبائر : الإشراك بالله ، والأمن من مكر الله ، والقنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي ، أنا علي بن الجعد ، أنا شعبة عن سعيد بن إبراهيم ، قال : سمعت حميد بن عبد الرحمن يحدث عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من الكبائر أن يسب الرجل والديه ، قالوا : يا رسول الله وكيف يسب الرجل والديه ؟ قال : نعم يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه ) .
وعن سعيد بن جبير : أن رجلاً سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن الكبائر : أسبع هي ؟ قال : هي إلى السبعمائة أقرب ، إلا أنه لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار . وقال : كل شيء عصي الله به فهو كبيرة ، فمن عمل شيئاً منها فليستغفر فإن الله لا يخلد في النار من هذه الأمة إلا راجعاً عن الإسلام ، أو جاحداً فريضة ، أو مكذباً بقدر .
وقال عبد الله بن مسعود : ما نهى الله تعالى عنه في هذه السورة إلى قوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } . فهو كبيرة .
وقال علي بن أبي طالب : هي كل ذنب ختمه الله بنار ، أو غضبن أو لعنة ، أو عذاب . وقال الضحاك : ما أوعد الله عليه حداً في الدنيا أو عذاباً في الآخرة . وقال الحسن بن الفضل : ما سماه الله في القرآن كبيراً ، أو عظيماً ، نحو قوله تعالى : { إنه كان حوباً كبيراً } [ النساء :2 ] . { إن قتلهم كان خطأ كبيرا } [ الإسراء :31 ] ، { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان :13 ] ، { إن كيدكن عظيم } [ يوسف :28 ] { هذا بهتان عظيم } [ النور :16 ] { إن ذلكم كان عند الله عظيماً } [ الأحزاب :53 ] .
قال سفيان الثوري : الكبائر ما كان فيه المظالم بينك وبين عباد الله تعالى ، والصغائر ما كان بينك وبين الله تعالى ، لأن الله كريم يعفو ، واحتج بما أخبرنا الشيخ أبو القاسم عبد الله بن علي الكرماني ، أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد ، أنا الحسن بن داود البلخي ، أنا يزيد بن هارون ، أنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك رضي الله عنهما : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ينادي مناد من بطنان العرش يوم القيامة ، يا أمة محمد إن الله عز وجل قد عفا عنكم جميعاً المؤمنين والمؤمنات ، تواهبوا المظالم وادخلوا الجنة برحمتي ) . وقال مالك بن مغول : الكبائر ذنوب أهل البدع ، والسيئات ذنوب أهل السنة . وقيل الكبائر ذنوب العمد ، والسيئات الخطأ والنسيان وما أكره عليه ، وحديث النفس المرفوع عن هذه الأمة ، وقيل : الكبائر ذنوب المستحلين مثل ذنب إبليس ، والصغائر ذنوب المستغفرين مثل ذنب آدم عليه السلام . وقال السدي : الكبائر ما نهى الله عنه من الذنوب الكبائر ، والسيئات مقدماتها وتوابعها مما يجتمع فيه الصالح والفاسق ، مثل النظرة واللمسة والقبلة وأشباهها .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( العينان تزنيان ، واليدان تزنيان ، والرجلان تزنيان ، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ) . وقيل : الكبائر ما يستحقره العباد ، والصغائر ما يستعظمونه فيخافون مواقعته ، كما أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد ابن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو الوليد ، أنا مهدي بن ميمون عن غيلان ، عن أنس قال : إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر ، إن كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات .
وقيل : الكبائر الشرك ، وما يؤدي إليه ، وما دون الشرك فهو من السيئات .
قال الله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } .
قوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم } أي : من الصلاة إلى الصلاة ، ومن الجمعة إلى الجمعة ، ومن رمضان إلى رمضان .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنا مسلم بن الحجاج حدثني هارون بن سعيد الأبلي ، أنا ابن وهب عن أبي صخر أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات لما بينهن ما اجتنب الكبائر ) .
قوله تعالى : { وندخلكم مدخلاً كريماً } ، أي : حسناً وهو الجنة ، قرأ أهل المدينة { مدخلاً } بفتح الميم هاهنا وفي الحج ، وهو موضع الدخول ، وقرأ الباقون بالضم على المصدر بمعنى الإدخال .
وفي مقابل اجتناب " الكبائر " - ومنها أكل الأموال بينهم بالباطل - يعدهم الله برحمته ، وغفرانه ، وتجاوزه عما عدا الكبائر ؛ مراعاة لضعفهم الذي يعلمه - سبحانه - وتيسيرًا عليهم ، وتطمينًا لقلوبهم ؛ وعونًا لهم على التحاجز عن النار ؛ باجتناب الفواحش الكبار :
( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ، نكفر عنكم سيئاتكم ، وندخلكم مدخلا كريما ) .
ألا ما أسمح هذا الدين ! وما أيسر منهجه ! على كل ما فيه من هتاف بالرفعة والسمو والطهر والنظافة ، والطاعة . وعلى كل ما فيه من التكاليف والحدود ، والأوامر والنواهي ، التي يراد بها إنشاء نفوس زكية طاهرة ؛ وإنشاء مجتمع نظيف سليم .
إن هذا الهتاف ، وهذه التكاليف ، لا تغفل - في الوقت ذاته - ضعف الإنسان وقصوره ؛ ولا تتجاوز به حدود طاقته وتكوينه ؛ ولا تتجاهل فطرته وحدودها ودوافعها ؛ ولا تجهل كذلك دروب نفسه ومنحنياتها الكثيرة .
ومن ثم هذا التوازن بين التكليف والطاقة . وبين الأشواق والضرورات . وبين الدوافع والكوابح . وبين الأوامر والزواجر . وبين الترغيب والترهيب . وبين التهديد الرعيب بالعذاب عند المعصية والإطماع العميق في العفو والمغفرة . .
إنه حسب هذا الدين من النفس البشرية أن يتم اتجاهها لله ؛ وأن تخلص حقًا في هذا الاتجاه ، وأن تبذل غاية الجهد في طاعته ورضاه . . فأما بعد ذلك . . فهناك رحمة الله . . هناك رحمة الله ترحم الضعف ، وتعطف على القصور ؛ وتقبل التوبة ، وتصفح عن التقصير ؛ وتكفر الذنب وتفتح الباب للعائدين ، في إيناس وفي تكريم . .
وآية بذل الطاقة اجتناب كبائر ما نهى الله عنه . أما مقارفة هذه الكبائر - وهي واضحة ضخمة بارزة ؛ لا ترتكبها النفس وهي جاهلة لها أو غير واعية ! فهي دليل على أن هذه النفس لم تبذل المحاولة المطلوبة ؛ ولم تستنفد الطاقة في المقاومة . . وحتى هذه فالتوبة منها في كل وقت مع الإخلاص مقبولة برحمة الله التي كتبها على نفسه . . وقد قال فيها : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم - ومن يغفر الذنوب إلا الله - ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) . . وعدهم من " المتقين " .
إنما الذي نحن بصدده هنا هو تكفير السيئات والذنوب مباشرة من الله ، متى اجتنبت الكبائر ؛ وهذا هو وعد الله هنا وبشراه للمؤمنين .
أما ما هي الكبائر . . فقد وردت أحاديث تعدد أنواعًا منها - ولا تستقصيها - وذلك بدليل احتواء كل حديث على مجموعة تزيد أو تنقص ؛ مما يدل على أن هذه الأحاديث كانت تعالج حالات واقعة ؛ فتذكر من الكبائر - في كل حديث - ما يناسب الملابسة الحاضرة ، والمسلم لا يعسر عليه أن يعلم " الكبائر " من الذنوب . وإن كانت تختلف عددًا ونوعًا بين بيئة وبيئة ، وبين جيل وجيل !
ونذكر هنا قصة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو المتحرج المتشدد الشديد الحساسية بالمعصية . تبين - مع ذلك كله - كيف قوم الإسلام حسه المرهف ، وكيف جعل الميزان الحساس يعتدل في يده ويستقيم ؛ وهو يعالج أمور المجتمع وأمور النفوس :
قال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ؛ عن الحسن أن ناسًا سألوا عبدالله بن عمرو بمصر ، فقالوا : نرى أشياء من كتاب الله - عز وجل - أمر أن يعمل بها ، لا يعمل بها ؛ فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك . فقدم وقدموا معه . فلقي عمر - رضي الله عنه - فقال : متى قدمت ؟ فقال : منذ كذا وكذا . قال : أبإذن قدمت ؟ قال : فلا أدري كيف رد عليه . فقال : أمير المؤمنين إن ناسًا لقوني بمصر ، فقالوا : إنا نرى أشياء في كتاب الله ، أمر أن يعمل بها ، فلا يعمل بها فأحبوا أن يلقوك في ذلك . قال : فاجمعهم لي . قال فجمعتهم له . قال أبو عون : أظنه قال : في بهو . . فأخذ أدناهم رجلاً ؛ فقال أنشدك الله ، وبحق الإسلام عليك ، أقرأت القرآن كله ! قال : نعم . قال : فهل أحصيته في نفسك ؟ فقال : اللهم لا - ولو قال : نعم ، لخصمه ! قال : فهل أحصيته في بصرك ؟ فهل أحصيته في لفظك ؟ هل أحصيته في أثرك . . ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم فقال : ثكلت عمر أمه ! أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ؟ قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات . قال وتلا : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) . . . الآية . ثم قال : هل علم أهل المدينة ؟ أو قال : هل علم أحد بما قدمتم ؟ قالوا : لا . قال : لو علموا لوعظت بكم ! " .
فهكذا كان عمر - المتحرج الشديد الحساسية - يسوس القلوب والمجتمع ؛ وقد قوم القرآن حسه ؛ وأعطاه الميزان الدقيق . . " وقد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات ! " ولن نكون غير ما علم ربه أن نكون ! إنما المعول عليه هو القصد والتصويب والمحاولة والرغبة في الوفاء بالالتزامات ، وبذل الجهد في هذا الوفاء . . إنه التوازن والجد واليسر والاعتدال .
اختلف أهل التأويل في معنى الكبائر التي وعد الله جلّ ثناؤه عباده باجتنابها تكفير سائر سيئاتهم عنهم ، فقال بعضهم : الكبائر التي قال الله تبارك وتعالى : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ } هي ما تقدم الله إلى عباده بالنهي عنه من أوّل سورة النساء إلى رأس الثلاثين منها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله ، قال : الكبائر من أوّل سورة النساء إلى ثلاثين منها .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن عبد الله بمثله .
حدثني المثنى ، قال : حجاج ، قال : ثنا حماد ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود ، مثله .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : ثنا وكيع ، قال : ثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : ثنى علقمة ، عن عبد الله ، قال : الكبائر من أوّل سورة النساء ، إلى قوله : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } .
حدثنا الرفاعي ، قال : ثنا أبو معاوية وأبو خالد ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : الكبائر من أوّل سورة النساء ، إلى قوله : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، قال : سئل عبد الله عن الكبائر ، قال : ما بين فاتحة سورة النساء إلى رأس الثلاثين .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن ابن مسعود ، قال : الكبائر : ما بين فاتحة سورة النساء إلى ثلاثين آية منها : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، أنه قال : الكبائر من أوّل سورة النساء إلى الثلاثين منها : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن إبراهيم ، قال : كانوا يرون أن الكبائر فيما بين أول هذه السورة ، سورة النساء ، إلى هذا الموضع : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } .
حدثني المثنى ، قال : ثنا آدم العسقلاني ، قال : ثنا شعبة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، عن ابن مسعود ، قال : الكبائر من أوّل سورة النساء إلى ثلاثين آية منها . ثم تلا : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } .
حدثني المثنى ، قال : ثنا ابن وكيع ، قال : ثنا مسعر ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، قال : قال عبد الله : الكبائر : ما بين أوّل سورة النساء إلى رأس الثلاثين .
وقال آخرون : الكبائر سبع . ذكر من قال ذلك :
حدثني تميم بن المنتصر ، قال : ثنا يزيد ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة ، عن أبيه ، قال : إني لفي هذا المسجد مسجد الكوفة ، وعليّ رضي الله عنه يخطب الناس على المنبر ، فقال : يا أيها الناس إن الكبائر سبع ! فأصاخ الناس ، فأعادها ثلاث مرات ، ثم قال : ألا تسألوني عنها ؟ قالوا ؛ يا أمير المؤمنين ما هي ؟ قال : الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرّم الله ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والفرار يوم الزحف ، والتعرّب بعد الهجرة . فقلت لأبي : يا أبت التعرب بعد الهجرة ، كيف لحق ههنا ؟ فقال : يا نبيّ ، وما أعظم من أن يهاجر الرجل ، حتى إذا وقع سهمه في الفيء ووجب عليه الجهاد ، خلع ذلك من عنقه فرجع أعرابياً كما كان .
حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا أبو الأحوص سلام بن سليم ، عن ابن إسحاق ، عن عبيد بن عمير ، قال : الكبائر سبع ليس منهنّ كبيرة إلا وفيها آية من كتاب الله ، الإشراك بالله منهنّ :
{ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ }
و { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً }
{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ }
{ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِناتِ }
{ النَّارِ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ }
{ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى }
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن ابن إسحاق ، عن عبيد بن عمير الليثي ، قال : الكبائر سبع : الإشراك بالله :
{ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ }
{ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ }
{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ }
. . الآية ، وأكل أموال اليتامى :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتَامَى ظُلْماً }
{ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِناتِ }
. . الآية ، والفرار من الزحف :
{ وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرّفاً لّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزاً إِلَى فِئَةٍ }
. . الآية . والمرتد أعرابياً بعد هجرته :
{ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى }
حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن محمد ، قال : سألت عبيدة عن الكبائر ، فقال : الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حَرَّمَ الله بغير حقها ، وفرار يوم الزحف ، وأكل مال اليتيم بغير حقه ، وأكل الربا ، والبهتان . قال : ويقولون أعرابية بعد هجرة . قال ابن عون : فقلت لمحمد فالسحر ؟ قال : إن البهتان يجمع شرّاً كثيراً .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا منصور وهشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة أنه قال : الكبائر : الإشراك ، وقتل النفس الحرام ، وأكل الربا ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف ، والمرتدّ أعرابياً بعد هجرته .
حدثني يعقوب ، قال ثنا هشيم ، ققال : ثنا هشام ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، بنحوه .
حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : أخبرني الليث ، قال : ثنى خالد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن نعيم المجمر ، قال : أخبرني صهيب مولى العتواري أنه سمع من أبي هريرة وأبي سعيد الخدري يقولان : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ، فقال : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ؟ " ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، ثم أكبّ ، فأكبّ كل رجل منا يبكي لا يدري على ماذا حلف . ثم رفع رأسه وفي وجهه البشر ، فكان أحبّ إلينا من حمر النعم ، فقال : " ما مِنْ عَبْدٍ يُصَلّى الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ ، ويُخْرِجُ الزَّكاةَ ، وَيجْتَنِبُ الكَبائِرَ السَّبْعَ ، إلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ ، ثُمَّ قِيلَ : ادْخُلْ بِسَلام "
حدثني المثنى قال ثنا حذيفة قال ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال الكبائر سبع : قتل النفس ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، ورمى المحصنة ، وشهادة الزور وعقوق الوالدين والفرار يوم الزحف .
وقال آخرون هي تسع . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ثنا ابن عُلَية قال أخبرنا زياد بن مخراق ، عن طيسلة بن مَيَّاس قال كنت مع الحِدْثان ، وأصبت ذنوباً لا أراها إلا من الكبائر ، فلقيت ابن عمر ، فقلت : إني أصيب ذنوباً لا أراها إلا من الكبائر ، قال : وما هي ؟ قلت : كذا وكذا ، قال ليس من الكبائر ، قال أشىء لم يسمعه طيسلة ؟ قال هي تسع وسأعدّهنّ عليك : الإشراك بالله ، وقتل النسَمة بغير حِلها ، والفِرار من الزحف ، وقذف المحصنة ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ظلماً ، وإلحاد في المسجد الحرام ، والذي يستسحر ، وبكاء الوالدين من العقوق . قال ابن زياد : وقال طيسلة : لما رأى ابن عمر فرقى ، قال : أتخاف النار أن تدخلها ؟ قلت : نعم ، قال : وتحبّ أن تدخل الجنة ؟ قلت : نعم ، قال أحىّ والداك ؟ قلت : عندي أمي ، قال : فوالله لئن أنت أَلَنت لها الكلام ، وأطعمتها الطعام ، لتدخلن الجنة ما اجتنبت الموجِبات .
حدثنا سليمان بن ثابت الخراز الواسطيّ ، قال : أخبرنا سلم بن سلام ، قال : أخبرنا أيوب بن عتبة ، عن طيسلة بن علي النهديّ قال : أتيت ابن عمر ، وهو في ظلّ أراك يوم عرفة ، وهو يصبّ الماء على رأسه ووجهه ، قال : قلت أخبرني عن الكبائر ؟ قال : هي تسع ، قلت : ما هن ؟ قال : الإشراك بالله ، وقذف المحصنة ، قال قلت قبل القتل ؟ قال : نعم ، ورغما ، وقت النفس المؤمنة ، والفرار من الزحف ، والسحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، وعقوق الوالدين المسلمين ، والإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً .
حدثنا سليمان بن ثابت الخراز ، قال : أخبرنا سَلْم بن سلام ، قال : أخبرنا أيوب بن عتُبة ، عن يحيى ابن عبيد ، بن عمير ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله ، إلا أنه قال : بدأ بالقتل قبل القذف .
وقال آخرون : هي أربع . ذكر من قال ذلك .
حدثناابن حميد ، قال : ثنا حكام بن سلم ، عن عنبسة ، عن مطرّف ، عن وَبْرة ، عن ابن مسعود ، قال : الكبائر الإشراك بالله ، والقنوط من رحمة ، الله والإياس من رَوح الله ، والأمْن من مكر الله .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال أخبرنا مطرف ، عن وَبَره بن عبد الرحمن ، عن أبي الطفيل ، قال : قال عبد الله بن مسعود : أكبر الكبائر : الإشراك بالله ، والإياس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمْن من مكر الله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن وَبَرة بن عبد الرحمن ، قال : قال عبد الله : إن الكبائر : الشرك بالله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن مِن مكر الله ، والإياس من روح الله .
حدثني أبو كريب وأبو السائب ، قالا : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت مطرفاً عن وَبَرة ، عن أبي الطفيل قال : قال عبد الله : الكبائر أربع : الاشراك بالله ، والقنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله ، والأمْن من مكر الله .
حدثني محمد بن عمارة الأسديّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : أخبرنا شيبان ، عن الأعمش ، عن وَبَرة ، عن أبي الطفيل ، قال سمعت ابن مسعود يقول : أكبر الكبائر : الإشراك بالله .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا عبد الله ، قال : أخبرنا اسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن وَبَرة ، عن أبي الطفيل ، عن عبد الله ، بنحوه .
حدثني ابن المثنى ، قال ثنى وهب بن جرير ، قال : ثنا شعبة ، عن عبد الملك بن أبي الطفيل ، عن عبد الله ، قال : الكبائر أربع : الإشراك بالله ، والأمْن من مكر الله ، والإياس من رَوح الله ، والقنوط من رحمة الله . وبه قال : ثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزَّة عن أبي الطفيل ، عن عبد الله ، بمثله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال ثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزَّة ، عن أبي الطفيل ، عن عبد الله بن مسعود ، بنحوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي الطفيل ، عن ابن مسعود ، قال : الكبائر أربع : الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرّم الله ، والأمن لمكر الله ، والإياس من رَوح الله .
حدثنا ابن وكيع ، قال ثنا أبي ، عن المسعوديّ ، عن فرات القزاز ، عن أبي الطفيل ، عن عبد الله ، قال : الكبائر : القنوط من رحمة الله ، والإياس من روح الله ، والأمن لمكر الله ، والشرك بالله . وقال آخرون كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة ذكر من قال ذلك .
حدثنا أبو كريب قال ثنا هشيم ، عن منصور ، عن ابن سيرين ، عن ابن عباس ، قال : ذُكرت عنده الكبائر ، فقال : كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن محمد ، قال أُنبئت أن ابن عباس كان يقول : كل ما نهى الله عنه كبيرة ، وقد ذكرت الطَّرْفة ، قال : هي النَّظْرة .
حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال ثنا معتمر ، عن أبيه ، عن طاوس ، قال : قال رجل لعبد الله بن عباس : أخبرني بالكبائر السبع ، قال : فقال ابن عباس : هي أكثر من سبع وتسع ، فما أدري كم قالها من مرّة
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن سليمان التميميّ ، عن طاوس ، قال : ذكروا عند ابن عباس الكبائر ، فقالوا : هي سبع ، قال : هي أكثر من سبع وتسع ، قال سليمان : فلا أدري كم قالها من مرة
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر وابن أبي عديّ عن عوف ، قال : قام أبو العالية الرياحيّ على حلقة أنا فيها ، فقال : إن ناساً يقولون : الكبائر سبع ، وقد خفت أن تكون الكبائر سبعين ، أو يزدن على ذلك .
حدثنا عليّ ، قال : ثنا الوليد ، قال : سمعت أبا عمر ويخبر عن الزهريّ ، عن ابن عباس ، أنه سئل عن الكبائر ، أسبع هي ؟ قال : هي إلى السبعين أقرب .
حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن قيس بن سعد ، عن سعيد بن جبير ، أن رجلاً قال لابن عباس : كم الكبائر ، أسبع هي ؟ قال : إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع غير أنه لا كبيرة مع اسغفار ولا صغيرة مع إصرار .
حدثنا ابن حميد قال ثنا جرير ، عن ليث ، عن طاوس ، قال : جاء رجل إلى ابن عباس ، فقال : أرأيت الكبائر السبع التي ذكرهنّ الله ماهن ؟ قال : هن إلى السبعين أدنى منها إلى سبع .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال قيل لابن عباس : الكبائر سبع ؟ قال : هي إلى السبعين أقرب .
حدثنا أحمد بن حازم ، قال أخبرنا أبو نعيم ، قال : ثنا عبد الله بن سعدان ، عن أبي الوليد ، قال : سألت ابن عباس ، عن الكبائر ، قال : كل شيء عُصِي الله فيه فهو كبيرة . وقال آخرون هي ثلاث ذكر من قال ذلك .
حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن مسعود قال : الكبائر ثلاث : اليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمْن من مكر الله .
وقال آخرون : كل موجِبة وكل ما أوعد الله أهله عليه النارَ فكبيرة . ذكر من قال ذلك .
حدثني المثنى ، قال ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنى معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قوله : { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ } قال : الكبائر : كل ذنب ختمه الله بنار ، أو غضب ، أو لعنة ، أو عذاب .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا هشام بن حسام ، عن محمد بن واسع ، قال : قال سعيد بن جبير : كل موجبة في القرآن كبيرة .
حدثنا ابن وكيع ، قال ثنا أبي ، عن محمد بن مهرم الشعاب ، عن محمد بن واسع الازدي ، عن سعيد بن جبير ، قال : كل ذنب نسبه الله إلى النار ، فهو من الكبائر .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، عن سالم أنه سمع الحسن ، يقول : كل موجبة في القرآن كبيرة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْه } قال : الموجبات .
حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : ثنا يزيد قال ثنا جويبر ، عن الضحاك ، قال : الكبائر : كل موجبة أوجب الله لأهلها النار ، وكل عمل يقام به الحدّ فهو من الكبائر .
قال أبو جعفر : والذي نقول به في ذلك : ما ثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وذلك ما حدثنا به أحمد بن الوليد القرشي ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، قال : ثنى عبيد الله بن أبي بكر ، قال سمعت أنس بن مالك قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر ، أو سئل عن الكبائر ، فقال : " الشرك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ، فقال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قال : قول الزور ، أو قال : شهادة الزور ، " قال شعبة : وأكبر ظني أنه قال : شهادة الزور .
حدثنا يحيى بن حبيب بن عربيّ ، قال : حدثنا خالد بن الحارث ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر ، قال : " الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس وقول الزور "
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا يحيى بن كثير ، قال : ثنا شعبة ، عن عبيد الله بن أبي بكر ، عن أنس ، قال : ذَكروا الكبائر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، ألا أُنْبِئَكُم بأكْبَرِ الكَبائِرِ قَوْلُ الزُّورِ "
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال ثنا شعبة ، عن فراس ، عن الشعبيّ ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " أكْبَرُ الكَبائِرِ : الإشْرَاكُ باللَّهِ وعَقُوُقُ الوَالِدَيْنِ أو قَتْلُ النَّفْسِ شعبة الشاكّ واليَمِينُ الغَمُوسُ "
حدثناأبو هشام الرفاعيّ ، قال : ثنا عبد الله بن موسى ، قال ثنا شيبان ، عن فراس ، عن الشعبيّ ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : جاء أعرابيّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما الكبائر ؟ قال : " الشِّرْكُ باللَّهِ ، قال : ثم مَهْ ؟ قال : وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ ، قال : ثم مه ، قال : واليَمِينُ الغَمُوسُ قلت للشعبيّ : ما اليمين الغموس ؟ قال : الذي يقتطع مال امرىء مسلم بيمينه ، وهو فيها كاذب "
حدثني المثنى ، قال : ثنا ابن أبي السريّ محمد بن المتوكل العسقلانيّ ، قال : ثنا محمد بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن أبي رُهم ، عن أبي أيوب الأنصاريّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أقامَ الصَّلاةَ ، وآتى الزَّكاة وَصَامَ رَمَضَان ، وَاجْتَنَبَ الكَبائِرَ فَلَهُ الجَنَّةُ . قيل : وما الكبائر ؟ قال : الإشْرَاكُ باللَّهِ ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ والفرَارُ يَوْمَ الزَّحْف "
حدثني عباس بن أبي طالب ، قال : ثنا سعد ابن عبد الحميد ، عن جعفر ، عن ابن أبي جعفر ، عن ابن أبي الزناد ، عن موسى بن عُقبة ، عن عبد الله بن سلمان الأغرّ ، عن أبيه أبي عبد الله سلمان الأغرّ ، قال : قال أبو أيوب خالد بن أيوب الأنصاريّ : عَقَبِيّ بدريّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما مِنْ عَبْدٍ يَعْبُدُ اللَّهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، وَيُقِيمُ الصَّلاةَ ، ويُؤْتِى الزَّكاةَ ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ ، وَيجْتَنِبُ الكَبائِرَ إلاَّ دَخَلَ الجَنَّةّ . فسألوه : ما الكبائر ؟ قال : الإشرَاكُ باللَّهِ ، والفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ "
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عباد بن عباد ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة : أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا الكبائر ، وهو متكىء ، فقالوا : الشرك بالله ، وأكل مال اليتيم ، وفرار من الزحف ، وقذف المحصنة ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور ، والغُلول ، والسحر ، وأكل الربا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فَأيْنَ تَجْعَلُونَ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وأيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً . . . إلى آخر الآية " ؟ .
حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابيّ ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي معاوية ، عن أبي عمرو الشيبانيّ ، عن عبد الله ، قال : سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم : ما الكبائر ؟ قال : " أنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ وأنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أجْل أنْ يَأْكُلَ مَعَكَ ، وأنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جاركَ ، وقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
{ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلهاً آخَرَ ، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بالحَقّ وَلا يَزْنُونَ }
حدثني هذا الحديثَ عبد الله بن محمد الزهريّ ، فقال : ثنا سفيان ، قال : ثنا أبو معاوية النخعيّ ، وكان على السجن ، سمعه من أبي عمرو ، عن عبد الله بن مسعود : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ( أيُّ العَمَل شَرّ ؟ قالَ : أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ، وأنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أنْ تَأْكُلَ مَعَكَ ، وأنْ تَزْنِيِ بِجارَتِكَ ، وقرأ عليّ ،
{ والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلهاً آخَرَ }
قال أبو جعفر : وأولى ما قيل في تأويل الكبائر بالصحة : ما صحّ به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما قاله غيره ، وإن كان كل قائل فيها قولاً من الذين ذكرنا أقوالهم ، قد اجتهد وبالغ في نفسه ، ولقوله في الصحة مذهب ، فالكبائر إذن : الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس المحرّم قتلها ، وقول الزور ، وقد يدخل في قول الزور ، شهادة الزور ، وقذف المحصَنة ، واليمين الغموس ، والسحر ؛ ويدخل في قتل النفس المحرم قتلها : قتل الرجل ولده من أجل أن يطعم معه ، والفرار من الزحف ، والزنا بحليلة الجار .
وإذا كان ذلك كذلك ، صحّ كلّ خبر روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى الكبائر ، وكان بعضه مصدّقاً بعضاً ، وذلك أن الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " هِيَ سَبْعٌ " يكون معنى قوله حينئذ ( هِيَ سَبْعٌ ) على التفصيل ، ويكون معنى قوله في الخبر الذي رُوى عنه أنه قال : ( هِيَ الإشْراكُ باللَّهِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ ، وَقَوْلُ الزُّورِ ) على الإجمال ، إذ كان قوله : وَقَوْلُ الزورِ يحتمل معاني شتى ، وأن يجمع جميعَ ذلك : قول الزور .
وأما خبر ابن مسعود الذي حدثَنِي به الفريابيّ على ما ذكرت ، فإنه عندي غلط من عبيد الله ابن محمد ، لأن الاخبار المتظاهرة من الأوجه الصحيحة عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحو الرواية التي رواها الزهريّ عن ابن عيينة ، ولم يقل أحد منهم في حديثه عن ابن مسعود ، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر ، فنقلُهم ما نقلوا من ذلك عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أولى بالصحة من نقل الفريابي . فمن اجتنب الكبائر التي وعد الله مجتنبها تكفير ما عداها من سيئاته ، وإدخاله مدخلاً كريماً ، وأدّى فرائضه التي فرضها الله عليه ، وجد الله لما وعده من وعد منجزاً ، وعلى الوفاء به دائباً .
وأما قوله { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ } ، فإنه يعني به : نكفر عنكم أيها المؤمنون باجتنابكم كبائر ما ينهاكم عنه ربكم ، صغائر سيئاتكم ، يعني : صغائر ذنوبكم .
كما حدثني محمد بن الحسن ، قال ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ } الصغائر .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن عُلَية ، عن ابن عون ، عن الحسن ، أن ناساً لقوا عبد الله بن عمرو بمصر ، فقالوا : نرى أشياء من كتاب الله أمر أن يعمل بها ، لا يعمل بها وأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك . فقدم وقدموا معه ، فلقيه عمر رضي الله عنه ، فقال : متى قدمت ؟ قال : منذ كذا وكذا ، قال : أبإذن قدمت ؟ قال : فلا أدري كيف ردّ عليه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن ناساً لقوني بمصر ، فقالوا : إنا نرى أشياء من كتاب الله تبارك وتعالى أمر أن يُعمل بها ، لا يُعمل بها ، فأحَبُّوا أن يلقَوك في ذلك . فقال : اجمعهم لي ، قال فجمعتهم له ؛ قال ابن عون : أظنه قال : في نهر ، فأخذ أدناهم رجلاً فقال : أنشدك بالله وبحقّ الإسلام عليك ، أقرأت القرآن كله ؟ قال : نعم ، قال : فهل أحصيته في نفسك ؟ قال : اللهمّ لا قال : ولو قال : نعم ، لخصمه ، قال فهل أحصيته في بصرك ، هل أحصيته في لفظك ، هل أحصيته في أثرك ؟ قال ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم ، فقال ثكلت عمرَ أمُّه ، أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ؟ قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات ، قال : وتلا : { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْه نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُم وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاَ كَرِيماً } هل علم أهل المدينة ؟ أو قال : هل علم أحد بما قدمتم ؟ قالوا : لا ، قال : لو علموا لوعظت بكم .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ، قال : لم نرم مثل الذي بلغنا عن ربنا ، ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال ، ثم سكت هنيهة ، ثم قال : والله لقد كلفنا ربُّنا أهون من ذلك ، لقد تجاوز لنا عما دون الكبائر ، فما لنا ولها ؟ { ثم تلا { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْه . . . } الآية .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْه . . . . } الآية ، إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنب الكبائر ، وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم : " قال اجتنبوا الكبائر ، وسدّدوا ، وأبشروا "
حدثناالحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن رجل ، عن ابن مسعود قال في خمس آيات من سورة النساء : لهن أحبّ إليّ من الدنيا جميعاً { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْه نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُم } ، وقوله
{ إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ، وَإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْها }
{ إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ }
{ وَمَنْ يَعْمَلُ سُوءاً أو يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحيماً }
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا باللَّهِ وَرُسُلِهِ ولَمْ يُفَرّقُوا بَيْنَ أحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيِهمْ أُجُورَهُمْ ، وكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحيماً }
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني أبو النضر ، عن صالح المرّيّ ، عن قتادة ، عن ابن عباس ، قال : ثمان آيات نزلت في سورة النساء ، هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغَرَبت . أولاهن :
{ يُرِيدُ اللَّه لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ويَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِيِنَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم }
{ وَاللَّهُ يُرِيدُ أنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ، ويُرِيدُ الَّذينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أنْ تَميلُوا مَيْلاً عَظِيماً }
{ يُرِيدُ اللَّهُ أنْ يُخَففَ عَنْكُم ، وَخُلِقَ الإنْسانُ ضَعيفاً }
ثم ذكر مثل قول ابن مسعود سواء ، وزاد فيه : ثم أقبل يفسرها في آخر الآية :
وأما قوله : { وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً } فإن القراء اختلفت في قراءته ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة وبعض الكوفيين { وَنُدْخِلْكُمْ مَدْخَلاً كَرِيماً } بفتح الميم ، وكذلك الذي في الحجّ
{ لَنُدْخِلَنَّهُمْ مَدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ }
فمعنى { وَنُدْخِلْكُمْ مَدْخَلاً } فيدخلون دخولاً كَريماً ، وقد يحتمل على مذهب من قرأ هذه القراءة أن يكون المعنى في المدخل : المكان والموضع ، لأن العرب ربما فتحت الميم من ذلك بهذا المعنى ، كما قال الراجز :
{ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } * { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } * { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً }
*** بِمَصْبَحِ الحَمْدِ وَحَيْثُ يُمْسَى ***
وقد أنشدني بعضهم سماعاً من العرب :
الحَمْدُ لِلَّهِ مَمْسانا وَمَصْبَحُنا ***بالخَيْرِ صَبَّحَنا ربيّ وَمَسَّانا
*** الحَمْدُ لِلَّهِ مُمْسانا وَمُصْبَحُنا ***
لأنه من أصبح وأمسى ، وكذلك تفعل العرب فيما كان من الفعل بناؤه على أربعة ، تضمّ ميمه في مثل هذا فتقول : دحرجته مُدَحرجا ، فهو مُدَحرج ، ثم تحمل ما جاء على فعلَ يفْعِل على ذلك ، لأن يُفعل من يدخل ، وإن كان على أربعة ، وإن أصله أن يكون على يؤَفْعل : يُؤَدخل ، ويُؤَخرج ، فهو نظير يدحرج . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين والبصريين { مُدْخَلاً } بضم الميم ، يعني : وندخلكم ادخالاً كريماً . قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب : قراءة من قرأ ذلك { وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخلاً كَرِيماً } بضمّ الميم لما وصفنا من أن ما كان من الفعل بناؤه على أربعة في فعل فالمصدر منه مُفْعَل ، وإن أدخل ودحرج فَعَلَ منه على أربعة ، فالمُدخل مصدره أولى من مَفعل ، مع أن ذلك أفصح في كلام العرب في مصادر ما جاء على أفعل ، كما يقال : أقام بمكان فطاب له المُقام . إذا أريد به الإقامة ، وقام في موضعه فهو في مَقام واسع ، كما قال جل ثناؤه :
{ إنّ المُتَّقِينَ في مَقام آمِينٍ }
من قام يقوم ، ولو أريد به الإقامة ، لقرىء :
{ إنّ المتَّقِينَ في مَقام آمِين }
{ وَقُلْ رَبِّ أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ، وأخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ }
بمعنى الادخال والإخراج ، ولم يبلغنا عن أحد أنه قرأ : مَدخَل صدق ، ولا مَخرَج صدق ، بفتح الميم . وأما المُدْخل الكريم : فهو الطيب الحسن ، المكرّم بنفي الآفات والعاهات عنه ، وبارتفاع الهموم والأحزان ودخول الكدر في عيش من دخله ، فلذلك سماه الله كريماً .
كما حدثني محمد بن الحسن ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخلاً كَرِيما } قال الكريم : هو الحسن في الجنة .