الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِن تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَنُدۡخِلۡكُم مُّدۡخَلٗا كَرِيمٗا} (31)

{ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } الآية .

اختلفوا في الكبائر التي جعل الله اجتنابها تكفيراً للصغائر .

فروى عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال : قلت : " يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك " قال : قلت : ثم ماذا ؟ قال : " أن تزني بحليلة جارك " هذا الحديث من قول الله :

{ وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } [ الفرقان : 68 ] الآية .

صالح بن حيان عن أبي بُريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين ومنع فضول الماء بعد الري " .

الشعبي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الكبائر الإشراك بالله ، واليمين الغموس ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس التي حرّم الله ، وقول الزور أو قال شهادة الزور " .

سفيان عن سعد بن إبراهيم عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن عمرو قال : من الكبائر أن يشتم الرجل والديه . قالوا : وكيف يشتم الرجل والديه ؟

قال : يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أُمّه فيسب أُمّه .

أبو الطفيل عن ابن مسعود قال : الكبائر أربع : الإشراك بالله ، والأياس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله .

عكرمة عن عمار قال : حدثنا طيسلة بن علي النهدي قال : سألت ابن عمر عن الكبائر ، فقال : هي تسع قلت ما هن ؟ قال : الإشراك بالله تعالى ، وقتل المؤمن متعمداً ، وعقوق الوالدين المسلمين ، وأكل الربا ، وأكل أموال اليتامى ، وقذف المحصنات ، والفرار من الزحف ، والسحر ، وإستحلال الميتة قبلكم أحياءً وأمواتاً .

وقال جعفر الصادق : الكبائر ثلاث : تركك ملتك ، وتبديلك سنّتك ، وقتالك أهل صفقتك .

وقال فرقد المسيحي : قرأت في التوراة : أُمهات الخطايا ثلاث وهي : أول ذنب عصى الله به الكبر ، وكان ذلك لإبليس عليه اللعنة ، والحرص ، وكان ذلك لآدم ( عليه السلام ) ، والحسد ، وكان لقابيل حين قتل هابيل .

عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكبائر أولهنّ : الإشراك بالله ، وقتل النفس بغير حقها وأكل الربا وأكل مال اليتيم بداراً أن يكبر والفرار من الزحف ورمي المحصنة والإنقلاب على الأعراب بعد الهجرة فهذه سبع " .

سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن رجلا سأله عن الكبائر السبع ، قال : هن إلى سبعمائة أقرب منها إلى السبع إلاّ أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار .

علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس قال : الكبائر عشرون : الشرك بالله عزّ وجلّ ، وعقوق الوالدين ، وقتل المؤمن ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله ، واليأس من روح الله ، والسحر ، والزنا والربا ، والسرقة ، وأكل مال اليتيم ، وترك الصلاة ، ومنع الزكاة ، وشهادة الزور ، وقتل الولد خشية أن يأكل معك ، والحسد ، والكبر ، والبهتان ، والحرص ، والحيف في الوصية ، وتحقير المسلمين .

السدي عن ابن مالك قال : ذكروا الكبائر عند عبد الله فقال عبد الله : افتحوا سورة النساء ، وكل شيء نهى الله عنه حتى ثلاث وثلاثون آية فهو كبيرة ، ثم قال : مصداق ذلك { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } الآية .

وقال ابن سيرين : ذكر عند ابن عباس الكبائر فقال : كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة ، حتى الطرفة وهي النظرة .

سعيد بن جبير عنه : كل شيء عصى الله فيه فهو كبيرة ، فمن عمل شيئاً منها فليستغفر ، فإن الله لا يخلد في النار من هذه الأمة إلاّ راجعاً عن الإسلام أو جاحد فريضة أو مكذباً بقدر .

علي بن أبي طلحة عنه : كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب .

سعيد بن جبير : كل ذنب نسبه الله إلى النار وأوعد عليه النار فهي كبيرة .

الحسن : الموجبات للحدود .

الضحاك : ما وعد الله تعالى عليه حدّاً في الدنيا وعذاباً في الآخرة .

الحسين بن الفضل : ما سمّاه الله في كتابه القرآن كبيراً أو عظيماً ، نحو قوله : { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } [ النساء : 2 ] ،

{ إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً } [ الإسراء : 31 ] ،

{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] ،

{ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } [ يوسف : 28 ] ،

{ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } [ النور : 16 ] ،

{ إِنَّ ذلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً } [ الأحزاب : 53 ] .

مالك بن معول : الكبائر ذنوب أهل البدع والسيئات ذنوب أهل الشيّنة .

وكيع : كل ذنب أصرّ عليه العبد فهو كبيرة ، وليس من الكبائر ما تاب منه العبد واستغفر منه .

أحمد بن عاصم الأنطاكي : الكبائر ذنوب العمد ، والسيئات الخطأ ، والنسيان ، والإكراه ، وحديث النفس ، المرفوعة من هذه الأمة .

سفيان الثوري : الكبائر ما فيه المظالم بينك وبين العباد ، والصغائر ما بينك وبين الله تعالى ، لأن الله كريم يغفره ، واحتجّ بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ينادي يوم القيامة مناد من بطنان العرش يا أُمّة محمد إن الله عزّ وجلّ يقول : أمّا ما كان لي قبلكم فقد وهبتها لكم وبقي التبعات ، فتواهبوا وادخلوا الجنة برحمتي " .

المحاربي : الكبائر ذنوب المذنبين المستحلين مثل ذنب إبليس ، والصغائر ذنوب المستغفرين مثل ذنب آدم .

السدي : الكبائر ما نهى الله عنه من الذنوب الكبار والسيئات مقدماتها ، وتبعاتها ما يجتمع فيه الصالح والفاسق ، مثل النظرة واللمسة والقبلة وأشباهها .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان واليدان تزنيان ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه " .

وقال قوم : الكبيرة ما قبح في العقل والطبع مثل القتل والظلم والزنا والكذب ونحوها ، والصغيرة ما نهى الله عنه شرعاً وسمعاً .

وقال : كل ذنب يتجاوز عنه بفضله يوم القيامة فهو صغيرة ، وكل ذنب عذّب عليها بعدله فهو كبيرة . وقيل : الكبائر الذنوب الباطنة والسيئات الذنوب الظاهرة .

وقال بعضهم : الصغائر ما يستحقرونه العباد والكبائر ما يستعظمونه فيخافون واقعته .

وقال أنس بن مالك : إنكم تعملون أعمالا هي أدق من الشعر في أعينكم كنّا نعّدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر .

وقال بعضهم : الكبائر الشرك وما يؤدّي إليه ، وما دون الشرك فهو من السيئات ، قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ] .

فصل في تفصيل أقاويل أهل التأويل في عددالكبائر مجموعة من الكتاب والسنة مقرونة بالدليل والحجة

أحدها : الإشراك بالله لقوله تعالى :

{ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ } [ المائدة : 72 ] .

الثاني : الأياس من روح الله لقوله :

{ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ } [ يوسف : 87 ] الآية .

والثالث : القنوط من رحمة الله لقوله :

{ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ } [ الحجر : 56 ] .

والرابع : الأمن من مكر الله لقوله :

{ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [ الأعراف : 99 ] .

والخامس : عقوق الوالدين لقوله :

{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [ الإسراء : 23 ] .

والسادس : قتل النفس التي حرّم الله لقوله : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ } [ النساء : 93 ] الآية .

والسابع : قذف المحصنة لقوله :

{ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ } [ النور : 23 ] الآية .

والثامن : الفرار من الزحف لقوله :

{ يَآأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } [ الأنفال : 15 ] الآية .

التاسع : أكل الربا لقوله :

{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا } [ البقرة : 275 ] الآية .

والعاشر : السحر لقوله :

{ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ } [ البقرة : 102 ] .

والحادي عشر : الزنا :

{ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } [ الفرقان : 68 ] .

والثاني عشر : اليمين الكاذبة لقوله :

{ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً } [ آل عمران : 77 ] الآيتين .

والثالث عشر : منع الزكاة لقوله :

{ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ } [ التوبة : 34 ] الآيتين .

والرابع عشر : الغلول لقوله :

{ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [ آل عمران : 161 ] .

والخامس عشر : شهادة الزور لقوله :

{ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ } [ البقرة : 283 ] الآية .

والسادس عشر : الميسر وهو القمار لقوله :

{ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ } [ المائدة : 90 ] .

والسابع عشر : شرب الخمر لقوله :

{ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ } [ المائدة : 90 ] الآية .

والثامن عشر : ترك الصلاة متعمداً لقوله :

{ حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ } [ البقرة : 238 ] الآية .

والتاسع عشر : قطيعة الرحم لقوله { وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ } [ النساء : 1 ] وقوله :

{ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ * أَوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ } [ محمد : 22 ] .

والعشرون : الحيف من الوصية لقوله :

{ فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً } [ البقرة : 182 ] الآية .

والحادي والعشرون : أكل مال اليتيم لقوله :

{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً } [ النساء : 10 ] الآية .

والثاني والعشرون : التغرب بعد الهجرة لقوله :

{ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً } [ آل عمران : 144 ] .

والثالث والعشرون : استحلال الحرم لقوله :

{ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ } [ المائدة : 2 ] ، وقوله :

{ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ } [ الحج : 25 ] .

والرابع والعشرون : الإرتداد لقوله :

{ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ } [ محمد : 25 ] الآية .

والخامس والعشرون : نقض العهد لقوله :

{ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } [ الرعد : 25 ] . فذلك قوله تعالى : { إِن تَجْتَنِبُوا كبائر } .

وقرأ ابن مسعود : كبر ما تنهون عنه ، على الواحد ، وفيه معنى مع { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } من الصلاة إلى الصلاة ومن الجمعة إلى الجمعة ومن رمضان إلى رمضان ومن الحج إلى الحج ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنب الكبائر " .

{ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } وهي الجنة .

وقرأ عاصم وأهل المدينة : ( مدخلا ) بفتح الميم وهو موضع الدخول .

وقرأ الباقون : بالضم على المصدر ، معنى الأدخال .

وروي عن أبي هريرة وعن أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر ثم قال : " والذي نفسي بيده " ثلاث مرات ثم سكت فأقبل كل رجل منّا يبكي حزناً ليمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " ما من عبد يأتي بالصلوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر إلاّ فتحت له أبواب الجنة يوم القيامة حتى أنها لتصطفق " ثم تلا { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } الآية .