{ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } الآية .
اختلفوا في الكبائر التي جعل الله اجتنابها تكفيراً للصغائر .
فروى عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال : قلت : " يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك " قال : قلت : ثم ماذا ؟ قال : " أن تزني بحليلة جارك " هذا الحديث من قول الله :
{ وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } [ الفرقان : 68 ] الآية .
صالح بن حيان عن أبي بُريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين ومنع فضول الماء بعد الري " .
الشعبي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الكبائر الإشراك بالله ، واليمين الغموس ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس التي حرّم الله ، وقول الزور أو قال شهادة الزور " .
سفيان عن سعد بن إبراهيم عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن عمرو قال : من الكبائر أن يشتم الرجل والديه . قالوا : وكيف يشتم الرجل والديه ؟
قال : يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أُمّه فيسب أُمّه .
أبو الطفيل عن ابن مسعود قال : الكبائر أربع : الإشراك بالله ، والأياس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله .
عكرمة عن عمار قال : حدثنا طيسلة بن علي النهدي قال : سألت ابن عمر عن الكبائر ، فقال : هي تسع قلت ما هن ؟ قال : الإشراك بالله تعالى ، وقتل المؤمن متعمداً ، وعقوق الوالدين المسلمين ، وأكل الربا ، وأكل أموال اليتامى ، وقذف المحصنات ، والفرار من الزحف ، والسحر ، وإستحلال الميتة قبلكم أحياءً وأمواتاً .
وقال جعفر الصادق : الكبائر ثلاث : تركك ملتك ، وتبديلك سنّتك ، وقتالك أهل صفقتك .
وقال فرقد المسيحي : قرأت في التوراة : أُمهات الخطايا ثلاث وهي : أول ذنب عصى الله به الكبر ، وكان ذلك لإبليس عليه اللعنة ، والحرص ، وكان ذلك لآدم ( عليه السلام ) ، والحسد ، وكان لقابيل حين قتل هابيل .
عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكبائر أولهنّ : الإشراك بالله ، وقتل النفس بغير حقها وأكل الربا وأكل مال اليتيم بداراً أن يكبر والفرار من الزحف ورمي المحصنة والإنقلاب على الأعراب بعد الهجرة فهذه سبع " .
سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن رجلا سأله عن الكبائر السبع ، قال : هن إلى سبعمائة أقرب منها إلى السبع إلاّ أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار .
علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس قال : الكبائر عشرون : الشرك بالله عزّ وجلّ ، وعقوق الوالدين ، وقتل المؤمن ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله ، واليأس من روح الله ، والسحر ، والزنا والربا ، والسرقة ، وأكل مال اليتيم ، وترك الصلاة ، ومنع الزكاة ، وشهادة الزور ، وقتل الولد خشية أن يأكل معك ، والحسد ، والكبر ، والبهتان ، والحرص ، والحيف في الوصية ، وتحقير المسلمين .
السدي عن ابن مالك قال : ذكروا الكبائر عند عبد الله فقال عبد الله : افتحوا سورة النساء ، وكل شيء نهى الله عنه حتى ثلاث وثلاثون آية فهو كبيرة ، ثم قال : مصداق ذلك { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } الآية .
وقال ابن سيرين : ذكر عند ابن عباس الكبائر فقال : كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة ، حتى الطرفة وهي النظرة .
سعيد بن جبير عنه : كل شيء عصى الله فيه فهو كبيرة ، فمن عمل شيئاً منها فليستغفر ، فإن الله لا يخلد في النار من هذه الأمة إلاّ راجعاً عن الإسلام أو جاحد فريضة أو مكذباً بقدر .
علي بن أبي طلحة عنه : كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب .
سعيد بن جبير : كل ذنب نسبه الله إلى النار وأوعد عليه النار فهي كبيرة .
الضحاك : ما وعد الله تعالى عليه حدّاً في الدنيا وعذاباً في الآخرة .
الحسين بن الفضل : ما سمّاه الله في كتابه القرآن كبيراً أو عظيماً ، نحو قوله : { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } [ النساء : 2 ] ،
{ إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً } [ الإسراء : 31 ] ،
{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] ،
{ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } [ يوسف : 28 ] ،
{ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } [ النور : 16 ] ،
{ إِنَّ ذلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً } [ الأحزاب : 53 ] .
مالك بن معول : الكبائر ذنوب أهل البدع والسيئات ذنوب أهل الشيّنة .
وكيع : كل ذنب أصرّ عليه العبد فهو كبيرة ، وليس من الكبائر ما تاب منه العبد واستغفر منه .
أحمد بن عاصم الأنطاكي : الكبائر ذنوب العمد ، والسيئات الخطأ ، والنسيان ، والإكراه ، وحديث النفس ، المرفوعة من هذه الأمة .
سفيان الثوري : الكبائر ما فيه المظالم بينك وبين العباد ، والصغائر ما بينك وبين الله تعالى ، لأن الله كريم يغفره ، واحتجّ بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ينادي يوم القيامة مناد من بطنان العرش يا أُمّة محمد إن الله عزّ وجلّ يقول : أمّا ما كان لي قبلكم فقد وهبتها لكم وبقي التبعات ، فتواهبوا وادخلوا الجنة برحمتي " .
المحاربي : الكبائر ذنوب المذنبين المستحلين مثل ذنب إبليس ، والصغائر ذنوب المستغفرين مثل ذنب آدم .
السدي : الكبائر ما نهى الله عنه من الذنوب الكبار والسيئات مقدماتها ، وتبعاتها ما يجتمع فيه الصالح والفاسق ، مثل النظرة واللمسة والقبلة وأشباهها .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان واليدان تزنيان ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه " .
وقال قوم : الكبيرة ما قبح في العقل والطبع مثل القتل والظلم والزنا والكذب ونحوها ، والصغيرة ما نهى الله عنه شرعاً وسمعاً .
وقال : كل ذنب يتجاوز عنه بفضله يوم القيامة فهو صغيرة ، وكل ذنب عذّب عليها بعدله فهو كبيرة . وقيل : الكبائر الذنوب الباطنة والسيئات الذنوب الظاهرة .
وقال بعضهم : الصغائر ما يستحقرونه العباد والكبائر ما يستعظمونه فيخافون واقعته .
وقال أنس بن مالك : إنكم تعملون أعمالا هي أدق من الشعر في أعينكم كنّا نعّدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر .
وقال بعضهم : الكبائر الشرك وما يؤدّي إليه ، وما دون الشرك فهو من السيئات ، قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ] .
فصل في تفصيل أقاويل أهل التأويل في عددالكبائر مجموعة من الكتاب والسنة مقرونة بالدليل والحجة
أحدها : الإشراك بالله لقوله تعالى :
{ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ } [ المائدة : 72 ] .
الثاني : الأياس من روح الله لقوله :
{ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ } [ يوسف : 87 ] الآية .
والثالث : القنوط من رحمة الله لقوله :
{ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ } [ الحجر : 56 ] .
والرابع : الأمن من مكر الله لقوله :
{ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [ الأعراف : 99 ] .
والخامس : عقوق الوالدين لقوله :
{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [ الإسراء : 23 ] .
والسادس : قتل النفس التي حرّم الله لقوله : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ } [ النساء : 93 ] الآية .
{ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ } [ النور : 23 ] الآية .
والثامن : الفرار من الزحف لقوله :
{ يَآأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } [ الأنفال : 15 ] الآية .
{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا } [ البقرة : 275 ] الآية .
{ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ } [ البقرة : 102 ] .
{ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } [ الفرقان : 68 ] .
والثاني عشر : اليمين الكاذبة لقوله :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً } [ آل عمران : 77 ] الآيتين .
والثالث عشر : منع الزكاة لقوله :
{ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ } [ التوبة : 34 ] الآيتين .
{ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } [ آل عمران : 161 ] .
والخامس عشر : شهادة الزور لقوله :
{ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ } [ البقرة : 283 ] الآية .
والسادس عشر : الميسر وهو القمار لقوله :
{ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ } [ المائدة : 90 ] .
والسابع عشر : شرب الخمر لقوله :
{ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ } [ المائدة : 90 ] الآية .
والثامن عشر : ترك الصلاة متعمداً لقوله :
{ حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ } [ البقرة : 238 ] الآية .
والتاسع عشر : قطيعة الرحم لقوله { وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ } [ النساء : 1 ] وقوله :
{ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ * أَوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ } [ محمد : 22 ] .
والعشرون : الحيف من الوصية لقوله :
{ فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً } [ البقرة : 182 ] الآية .
والحادي والعشرون : أكل مال اليتيم لقوله :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً } [ النساء : 10 ] الآية .
والثاني والعشرون : التغرب بعد الهجرة لقوله :
{ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً } [ آل عمران : 144 ] .
والثالث والعشرون : استحلال الحرم لقوله :
{ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ } [ المائدة : 2 ] ، وقوله :
{ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ } [ الحج : 25 ] .
والرابع والعشرون : الإرتداد لقوله :
{ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ } [ محمد : 25 ] الآية .
والخامس والعشرون : نقض العهد لقوله :
{ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } [ الرعد : 25 ] . فذلك قوله تعالى : { إِن تَجْتَنِبُوا كبائر } .
وقرأ ابن مسعود : كبر ما تنهون عنه ، على الواحد ، وفيه معنى مع { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } من الصلاة إلى الصلاة ومن الجمعة إلى الجمعة ومن رمضان إلى رمضان ومن الحج إلى الحج ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنب الكبائر " .
{ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } وهي الجنة .
وقرأ عاصم وأهل المدينة : ( مدخلا ) بفتح الميم وهو موضع الدخول .
وقرأ الباقون : بالضم على المصدر ، معنى الأدخال .
وروي عن أبي هريرة وعن أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر ثم قال : " والذي نفسي بيده " ثلاث مرات ثم سكت فأقبل كل رجل منّا يبكي حزناً ليمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " ما من عبد يأتي بالصلوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر إلاّ فتحت له أبواب الجنة يوم القيامة حتى أنها لتصطفق " ثم تلا { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } الآية .