السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِن تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَنُدۡخِلۡكُم مُّدۡخَلٗا كَرِيمٗا} (31)

{ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } أي : كلاً منها وفسر جماعة الكبيرة بأنها ما لحق صاحبها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة ، وقال جماعة : هي المعصية الموجبة للحدّ ، والأوّل أولى ؛ لأنهم عدوا الربا وأكل مال اليتيم وشهادة الزور ونحوها من الكبائر ولا حد فيها ، وقال الإمام : هي كل جريمة تؤذن أي : تعلم بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ، وقال سفيان الثوري : الكبائر ما كان بينك وبين العباد ، والصغائر ما كان بينك وبين الله ، واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ينادي مناد من بطنان العرش يوم القيامة : يا أمّة محمد إنّ الله قد عفا عنكم جميعاً المؤمنين والمؤمنات تواهبوا المظالم وادخلوا الجنة برحمتي ) .

وهي أشياء كثيرة ، قال ابن عباس : هي إلى السبعين أقرب ، وقال سعيد بن جبير : هي إلى السبعمائة أقرب أي : باعتبار أصناف أنواعها { نكفر عنكم سيآتكم } أي : الصغائر وهي ما عدا الكبائر أي : نكفر بفعل الطاعات كالصلاة والصوم . عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهنّ ما اجتنبت الكبائر ) .

ولا بأس بذكر شيء من النوعين فمن الأوّل تقديم الصلاة أو تأخيرها عن وقتها بلا عذر ، ومنع الزكاة ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة ونسيان القرآن ، واليأس من رحمة الله وأمن مكره تعالى ، والقتل عمداً أو شبه عمد ، والكفر ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والإفطار في رمضان من غير عذر ، وعقوق الوالدين والزنا ، واللواط ، وشهادة الزور ، وشرب الخمر وإن قل ، والسرقة ، والغصب وقيده جماعة بما يبلغ ربع مثقال كما يقطع به في السرقة ، وكتمان الشهادة بلا عذر ، وضرب المسلم بغير حق ، وقطع الرحم ، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسب الصحابة ، وأخذ الرشوة ، والنميمة ، وأمّا الغيبة فإن كانت في أهل العلم أو حملة القرآن فهي من الكبائر ، وإلا فهي صغيرة ، ومن الصغائر النظر المحرم ، وكذب لا حد فيه ولا ضرر ، والإشراف على بيوت الناس ، وهجر المسلم فوق ثلاث ، وكثرة الخصومات إلا إن راعى حق الشرع فيها ، والضحك في الصلاة والنياحة وشق الجيب في المصيبة ، والتبختر في المشي ، والجلوس بين الفساق إيناساً لهم ، وإدخال مجانين وصبيان يغلب تنجيسهم ونجاسة المسجد ، واستعمال نجاسة في بدن أو ثوب لغير حاجة .

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار ، وقيل : الكبائر الشرك وما عداه من الصغائر قال الله تعالى : { إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ( النساء ، 48 116 ) .

{ وندخلكم مدخلاً } قرأ نافع بفتح الميم أي : موضعاً { كريماً } أي : حسناً وهو الجنة ، وقرأ الباقون بضمها على المصدر بمعنى الإدخال مع الكرامة .