الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِن تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَنُدۡخِلۡكُم مُّدۡخَلٗا كَرِيمٗا} (31)

قوله : ( اِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ ) الآية [ 31 ] .

الكبائر هي : من أول السورة إلى ثلاثين آية منها في قول جماعة من العلماء( {[12224]} ) . وقال علي رضي الله عنه على المنبر في الكوفة : والكبائر سبع فسئل عنها ، فقال : الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والفرار من الزحف ، والتعرب بعد الهجرة( {[12225]} ) ، يريد أن يرجع الرجل أعرابياً بعدما هاجر إلى الله ( تعالى ) و( {[12226]} )رسوله .

وقيل : الكبائر منصوصة في كتاب الله عز وجل على ما روي عن علي رضي الله عنه وهي سبع قوله : ( وَمَنْ يُّشْرِكُ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ )( {[12227]} ) وقوله : ( اِنَّ الذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً )( {[12228]} ) وقوله : ( الذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ( {[12229]} ) ) .

وقوله : ( الذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُومِنَاتِ )( {[12230]} ) .

وقوله : ( فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الاَدْبَارَ ) قال فيمن ولي ( فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ )( {[12231]} ) وقوله( {[12232]} ) : ( وَمَنْ يَّقْتُلْ مُومِناً مُّتَعَمِّداً )( {[12233]} ) .

وقوله : ( إِنَّ الذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمِ )( {[12234]} ) .

وقال عطاء : الكبائر سبع وهي : قتل النفس ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، ورمي المحصنات ، وشهادة الزور ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف( {[12235]} ) ، وروي أن ابن عمر قال : تسع زاد على ما قال عطاء : السحر ، والإلحاد في البيت الحرام( {[12236]} ) .

وقال ابن مسعود : الكبائر أربع : الإشراك بالله ، والقنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله ، قال الله عز وجل : ( وَمَنْ يُّشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ )( {[12237]} ) .

وقال : ( وَمَنْ يَّقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ )( {[12238]} ) وقال : ( لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الْكَافِرُونَ )( {[12239]} ) وقال ( فَلاَ يَامَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ القَوْمُ الْخَاسِرُونَ( {[12240]} ) )( {[12241]} ) .

وقال ابن عباس : كل ما نهى الله عنه فهو ( كبيرة( {[12242]} ) ) ، وروي عنه أنه قيل له : أسبع هي ، قال : هي إلى السبعين أقرب . وأنه قال هي إلى سبع مائة أقرب( {[12243]} ) .

وقيل : لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار( {[12244]} ) ، وقاله عمر رضي الله عنه وروي عن ابن عباس أنه قال : الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو عذاب( {[12245]} ) وهذا قول جامع .

وقال الحسن : الكبائر كل ذنب توعد الله عليه بالنار في كتابه : كالشرك ، وهو أكبر الكبائر ، وقتل النفس ، وأكل الربا ، والزنا ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس ، وقذف المحصنات ، وشهادة الزور ، والفرار من الزحف ، وأكل مال اليتيم ، والإدمان على الخمر وشبهه( {[12246]} ) .

وقد يكون الذنب صغيراً فإذا أصر عليه صار كبيراً بالإصرار عليه ، وترك التوبة ، والإقلاع عنه ، فالإصرار على الذنب ذنب عظيم .

( وقيل : الكبائر كل ما لا يقبل معه عمل ، نحو : الشرك بالله سبحانه ، وقتل الأولاد ، والسحر ، والكفر برسول الله عليه السلام وبآبائه ، وشبهه )( {[12247]} ) .

وقال زيد بن أسلم : كل ذنب يصلح معه عمل فليس بكبيرة والله يغفر السيئات والحسنات .

وقد قال بكر( {[12248]} ) القاضي( {[12249]} ) : من أعظم الكبائر سب السلف وتنقصهم ، وشهادة الزور عند الحكام ، وعدول الحكام على الحق ، واتباعهم للهوى .

ومن الكبائر : اللواط ، والإصرار على الصغائر من الكبائر . " والندم توبة( {[12250]} ) " والصغائر تكفرها الطهارة والصلاة والجماعات .

وقال أبو بكر رضي الله عنه : إن الله يغفر الكبيرة فلا تيأسوا ، ويعذب على الصغيرة فلا تغتروا .

وقال عمر : لا صغيرة مع الإصرار( {[12251]} ) ولا كبيرة مع الاستغفار . وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال : " الشرك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ، وقال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قال : قول الزور ( أو )( {[12252]} ) قال وشهادة الزور( {[12253]} ) " وروي أنه قال : " واليمين الغموس " ( {[12254]} ) .

وروي عنه أنه قال : " من أقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان واجتنب( {[12255]} ) الكبائر ، فله الجنة ، قيل : وما الكبائر ؟ قال( {[12256]} ) : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف .

وقال ابن مسعود سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر ؟ فقال : " أن تدعو لله نداً وقد خلقك ، ( وأن تقتل ولدك )( {[12257]} ) من أجل أن يأكل معك ، أو تزني بحليلة جارك ، وقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وَالذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ( {[12258]} ) ) .

وروي( {[12259]} ) عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " هو الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف وقذف المحصنة ، وقول الزور ، والغلول ، والسحر وأكل الربا واليمين الغموس " ( {[12260]} ) .

ومعنى قوله ( نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) أنه تعالى وعد أن يكفر الصغائر باجتناب الكبائر وقال النبي عليه السلام : " اجتنبوا الكبائر وسددوا وابشروا " ( {[12261]} ) .

وقال ابن مسعود : في خمس آيات من سورة النساء لهن أحب إلي من الدنيا

قوله : ( اِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )( {[12262]} ) .

وقوله : ( اِنَّ اللَّهَ لاَ يَظِلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةٌ يُضَاعِفْهَا وَيُوتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً )( {[12263]} ) .

وقوله : ( اِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُّشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَّشَاءُ )( {[12264]} ) .

وقوله : ( وَمَنْ يَّعْمَلْ سُوءاً اَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً )( {[12265]} ) وقوله : ( وَالذِينَ( {[12266]} ) ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُم( {[12267]} ) ) الآية( {[12268]} ) .

قال ( ابن عباس )( {[12269]} ) : ثمان آيات نزلت في سورة النساء هن خير لهذه الأمة لما طلعت عليه الشمس وغربت أولها ( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ )( {[12270]} ) . الآية ، والثانية ( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَّتُوبَ عَلَيْكُمْ )( {[12271]} ) الآية ، والثالثة ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُّخَفِّفَ عَنكُمْ )( {[12272]} ) الآية ثم ذكر الخمس التي ذكرها ابن مسعود( {[12273]} ) .

وقيل معناه : إن السيئات تكفرها الصلوات الخمس ما اجتنبت الكبائر .

ومن فتح الميم( {[12274]} ) من ( مَدخلاً ) احتمل أن يكون مصدر دخل ، وأن يكون اسماً من أدخل ، والمدخل الكريم هو المكان الحسن في الجنة .


[12224]:- منهم ابن عباس وابن مسعود. انظر: جامع البيان 5/37.
[12225]:- انظر: جامع البيان 5/37 وتفسير ابن كثير 1/484.
[12226]:- ساقط من (ج).
[12227]:- الحج آية 29.
[12228]:- النساء آية 10.
[12229]:- البقرة آية 274.
[12230]:- النور آية 23.
[12231]:- الأنفال آية 16.
[12232]:- ساقط من (أ) (ج).
[12233]:- النساء آية 92.
[12234]:- محمد آية 25.
[12235]:- انظر: جامع البيان 5/39. ورواه أبو داود (2490). [المدقق].
[12236]:- انظر: المصدر السابق.
[12237]:- الحج آية 29.
[12238]:- الحجر آية 98.
[12239]:- يوسف آية 87.
[12240]:- الأعراف آية 99.
[12241]:- انظر: جامع البيان 45.
[12242]:- ساقط من (أ). وانظر: جامع البيان 5/40-41 والدر المنثور 2/499.
[12243]:- انظر: المصدر السابق.
[12244]:- ينسب لابن عباس وهو طرف من قوله عن عدد الكبائر كما هي رواية الطبري وغيره. انظر: جامع البيان 5/41 وتفسير ابن كثير 1/487 والدر المنثور 2/500.
[12245]:- انظر: المصدر السابق.
[12246]:- انظر: جامع البيان 5/42 والدر المنثور 2/499-500.
[12247]:- ساقط من (ج).
[12248]:- (د): فكن.
[12249]:- هو بكر بن عبد الرحمان القاضي روى القراءة عرضاً عن حمزة. انظر: غاية النهاية 1/178.
[12250]:- (الندم توبة) حديث خرجه أحمد في المسند – بتحقيق شاكر 5/159.
[12251]:- (ج): إصرار.
[12252]:- ساقط من (أ) (ج).
[12253]:- خرجه مسلم في كتاب الإيمان 1/64، والبغوي في مفتاح السنة 1/85.
[12254]:- هي رواية أخرى للحديث بزيادة اليمين الغموس خرجه البخاري في كتاب الأيمان 7/227 والترمذي 3/208.
[12255]:- (وج) اجتناب.
[12256]:- (ج): قيل.
[12257]:- ساقط من (أ).
[12258]:- الفرقان آية 68، والحديث خرجه البخاري في كتاب الإيمان 76/75 ومسلم في كتاب الإيمان 1/63.
[12259]:- (د): يروى.
[12260]:- خرجه البخاري في كتاب الأدب 7/70 ومسلم في كتاب الإيمان 1/64 والترمذي في أبواب البر 3/208.
[12261]:- خرجه السيوطي عن الطبري ولم ينسب لغيره. انظر: جامع البيان 5/45 والدر المنثور 2/499.
[12262]:- النساء آية 31.
[12263]:- النساء آية 40.
[12264]:- النساء آية 47-116.
[12265]:- النساء آية 110.
[12266]:- في كل النسخ أن الذين آمنوا وهي زيادة مخالفة لنص المصحف.
[12267]:- النساء آية 151.
[12268]:- انظر: جامع البيان 5/45.
[12269]:- ساقط من (أ).
[12270]:- النساء آية 26.
[12271]:- النساء آية 27.
[12272]:- النساء آية 28.
[12273]:- انظر: جامع البيان 5/45.
[12274]:- في مدخلاً قراءتان: مُدخل بضم الميم هي قراءة الجمهور وأهل الحجاز والعراق، ومَدخل بفتح الميم هي قراءة نافع. انظر: معاني الأخفش 1/445 ومعاني الفراء 1/263 والسبعة 232، والكشف 1/386.