المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا} (1)

مقدمة السورة:

تحدثت في افتتاحيتها عن الفتح المبين ، الذي يسره الله لرسوله ، وعن آثاره العظيمة في انتشار الإسلام ، وإعزاز المسلمين ، وعن تثبيت اله قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا ، وعن عذاب المنافقين والمشركين ، بتشككهم في نصر الله لرسوله ، وعن إرسال محمد صلى الله عليه وسلم شاهدا ومبشرا ، ليتحقق الإيمان بالله . وانتقلت بعد ذلك إلى حديث بيعة أهل الصدق والوفاء لرسوله ، وبينت كذب اعتذار المتخلفين عن الخروج مع الرسول ، وأنهم تخلفوا لظنهم أن الله لا ينصره ، وعرضت لطلبهم الخروج معه للغنائم .

ثم بينت أنهم سيدعون إلى قتال قوم ذوي بأس وقوة ، وأنه لا إثم في التخلف عن القتال لعذر صحيح ، كما أوضحت عظم الخير الذي وعد الله به من رضي عنهم في بيعة الرضوان ، وتكلمت عن فرار الكافرين وهزيمتهم إذا ما قاتلوا المؤمنين ، وشرحت حكمة الله في كف الكافرين عن المؤمنين ، والمؤمنين عن الكافرين يوم فتح مكة ، وأنهت الحديث ببيان الله صدق رسوله رؤياه دخول المسجد الحرام ، وأن محمدا والذين آمنوا معه غلاظ على الكفار ، متراحمون فيما بينهم ، وبيان ما يعرف به المؤمنون ، وصفتهم في التوراة ، وصفتهم في الإنجيل ، ووعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالمغفرة الواسعة والأجر العظيم .

1 - إنا فتحنا لك - يا محمد - فتحا عظيما مبينا بانتصار الحق على الباطل ، ليغفر لك الله ما تقدَّم مما يُعَدُّ لمثل مقامك ذنبا ، وما تأخر منه ، ويكمل نعمته عليك بانتشار دعوتك ، ويُثَبِّتَكَ على طريق الله المستقيم ، وينصرك الله على أعداء رسالتك نصراً قويا غاليا .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفتح

مدنية وآياتها تسع وعشرون

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أنبأنا أبو علي زاهر بن أحمد الطوسي ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه { أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، فقال عمر : ثكلتك أمك يا عمر كررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ، كل ذلك لا يجيبك ، قال عمر فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس ، وخشيت أن ينزل في قرآن ، فما لبثت أن سمعت صارخا يصرخ بي فقلت : لقد خشيت ان يكون نزل في قرآن ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه ، فقال : لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، ثم قرأ : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } " . أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو عمر بكر بن محمد المزني ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة ، حدثنا الحسين بن الفضل البجلي ، حدثنا أنس ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، حدثنا عفان قال : " نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم : { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } إلى آخر الآية ، مرجعه من الحديبية وأصحابه مخالطهم الحزن والكآبة ، فقال : نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعاً ، فلما تلاها نبي الله صلى الله عليه وسلم قال رجل من القوم : هنيئاً مريئاً قد بين الله ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله الآية التي بعدها : { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار } حتى ختم الآية .

قوله تعالى : { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } اختلفوا في هذا الفتح : وروي عن أبي جعفر الرازي عن قتادة عن أنس : أنه فتح مكة ، وقال قتادة : فتح خيبر . والأكثرون على أنه صلح الحديبية . ومعنى الفتح فتح المنغلق ، والصلح مع المشركين بالحديبية كان متعذراً حتى فتحه الله عز وجل . وروى شعبة عن قتادة عن أنس : { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } قال : صلح الحديبية .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحاً ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان ، يوم الحديبية كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة ، والحديبية بئر ، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها : غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا " . وقال الشعبي في قوله :{ إنا فتحنا لك فتحاً مبينا } ، قال : فتح الحديبية ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأطعموا نخل خيبر ، وبلغ الهدي محله ، وظهرت الروم على فارس ، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس . قال الزهري : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم ، أسلم في ثلاث سنين خلق كثير ، وكثر بهم سواد الإسلام . قوله عز وجل : { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } أي : قضينا لك قضاءً بيناً . وقال الضحاك : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً بغير قتال ، وكان الصلح في قوله :{ ليغفر } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الفتح وهي مدنية

{ 1-3 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا }

هذا الفتح المذكور هو صلح الحديبية ، حين صد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء معتمرا في قصة طويلة ، صار آخر أمرها أن صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين ، وعلى أن يعتمر من العام المقبل ، وعلى أن من أراد أن يدخل في عهد قريش وحلفهم دخل ، ومن أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده فعل .

وبسبب ذلك لما أمن الناس بعضهم بعضا ، اتسعت دائرة الدعوة لدين الله عز وجل ، وصار كل مؤمن بأي محل كان من تلك الأقطار ، يتمكن من ذلك ، وأمكن الحريص على الوقوف على حقيقة الإسلام ، فدخل الناس في تلك المدة في دين الله أفواجا ، فلذلك سماه الله فتحا ، ووصفه بأنه فتح مبين أي : ظاهر جلي ، وذلك لأن المقصود في فتح بلدان المشركين إعزاز دين الله ، وانتصار المسلمين ، وهذا حصل بذلك{[789]}  الفتح ، ورتب الله على هذا الفتح عدة أمور ، فقال :


[789]:في ب: به.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية

قال الإمام أحمد{[1]} حدثنا وَكِيع ، حدثنا شُعْبَة ، عن معاوية بن قرة قال : سمعت عبد الله بن مغفل يقول : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسيره سورة الفتح على راحلته فرجَّع فيها - قال معاوية : لولا أني أكره أن يجتمع الناس علينا لحكيت لكم قراءته ، أخرجاه من حديث شعبة به{[2]} .

نزلت هذه السورة الكريمة لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة ، حين صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام ليقضي عمرته فيه ، وحالوا بينه وبين ذلك ، ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة ، وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل ، فأجابهم إلى ذلك على تكره من جماعة من الصحابة ، منهم عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، كما سيأتي تفصيله في موضعه من تفسير هذه السورة إن شاء الله . فلما نحر هديه حيث أحصر ، ورجع ، أنزل الله ، عز وجل ، هذه السورة فيما كان من أمره وأمرهم ، وجعل ذلك الصلح فتحًا باعتبار ما فيه من المصلحة ، وما آل الأمر إليه ، كما روى عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، وغيره أنه قال : إنكم تعدون الفتح فتح مكة ، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية .

وقال الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية {[3]} .

وقال{[4]} البخاري : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحًا ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة ، والحديبية بئر . فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ، ثم تمضمض ودعا ، ثم صبه فيها ، فتركناها غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركائبنا {[5]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو نوح ، حدثنا مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه {[6]} ، عن عمر بن الخطاب قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، قال : فسألته عن شيء - ثلاث مرات – فلم يرد علي ، قال : فقلت لنفسي : ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ، نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فلم يرد عليك ؟ قال : فركبت راحلتي فتقدمت مخافة أن يكون نزل في شيء ، قال : فإذا أنا بمناد ينادي : يا عمر ، أين عمر ؟ قال : فرجعت وأنا أظن أنه نزل في شيء ، قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " نزلت{[7]} علي الليلة {[8]} سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا . لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } .

ورواه البخاري ، والترمذي ، والنسائي من طرق ، عن مالك ، رحمه الله{[9]} ، وقال علي بن المديني : هذا إسناد مديني [ جيد ]{[10]} لم نجده إلا عندهم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم : { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } مرجعه من الحديبية ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على الأرض " ، ثم قرأها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : هنيئا مريئا يا نبي الله ، لقد بين الله ، عز وجل ، ماذا يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه : { لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ } حتى بلغ : { فَوْزًا عَظِيمًا } [ الفتح : 5 ] ، أخرجاه في الصحيحين من رواية قتادة به{[11]} .

وقال{[12]} الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا مُجَمِّعُ بن يعقوب ، قال : سمعت أبي يحدث عن عمه عبد الرحمن بن أبي يزيد الأنصاري عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري - وكان أحد{[13]} القراء الذين قرءوا القرآن - قال : شهدنا الحديبية فلما انصرفنا عنها إذا الناس ينفرون الأباعر ، فقال الناس بعضهم لبعض : ما للناس ؟ قالوا : أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجنا مع الناس نوجف ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته عند كراع الغميم ، فاجتمع الناس عليه ، فقرأ عليهم : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } ، قال : فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي رسول الله ، وفتح هو ؟ قال : " إي والذي نفس محمد بيده ، إنه لفتح " . فقسمت خيبر على أهل الحديبية لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديبية ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهما ، وكان الجيش ألفا وخمسمائة فارس ، فأعطى الفارس سهمين ، وأعطى الراجل سهما .

رواه أبو داود في الجهاد عن محمد بن عيسى ، عن مجمع بن يعقوب ، به{[14]} .

وقال{[15]} ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، حدثنا أبو بحر ، حدثنا شعبة ، حدثنا جامع بن شداد ، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول{[16]} : لما أقبلنا من الحديبية أعرسنا فنمنا ، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت ، فاستيقظنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم ، قال : فقلنا : " امضوا " {[17]} . فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال : " افعلوا ما كنتم تفعلون وكذلك [ يفعل ] {[18]} من نام أو نسي " . قال : وفقدنا ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبنها ، فوجدناها قد تعلق خطامها بشجرة ، فأتيته بها فركبها {[19]} ، فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي ، قال : وكان إذا أتاه [ الوحي ]{[20]} اشتد عليه ، فلما سري عنه أخبرنا أنه أنزل عليه : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } .

وقد رواه أحمد وأبو داود ، والنسائي من غير وجه ، عن جامع بن شداد به {[21]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة ، قال : سمعت المغيرة بن شعبة{[22]} يقول : كان النبي {[23]} صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه ، فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : " أفلا أكون عبدًا شكورًا " .

أخرجاه{[24]} وبقية الجماعة إلا أبا داود من حديث زياد به{[25]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا ابن وهب ، حدثني أبو صخر ، عن ابن قسيط ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه{[26]} .

فقالت له عائشة : يا رسول الله ، أتصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : " يا عائشة ، أفلا أكون عبدا شكورا ؟ " .

أخرجه مسلم في الصحيح من رواية عبد الله بن وهب ، به{[27]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا عبد الله بن عون الخراز - وكان ثقة بمكة - حدثنا محمد بن بشر{[28]} حدثنا مسعر ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه - أو قال ساقاه - فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أكون عبدًا شكورًا ؟ " غريب من هذا الوجه {[29]} .

فقوله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } أي : بينا ظاهرا ، والمراد به صلح الحديبية فإنه حصل بسببه خير جزيل ، وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض{[26760]} ، وتكلم المؤمن مع الكافر ، وانتشر العلم النافع والإيمان .


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).
[3]:في د: "وأديت".
[4]:في د: "إنهم قالوا".
[5]:في د: "تكفروهما".
[6]:تفسير الطبري (11/228).
[7]:في د: "ومال".
[8]:في د: "أن يعذب".
[9]:في د: "اللهم إني أعوذ بك".
[10]:في د: "لا يحتسبون".
[11]:في د: "وجلس".
[12]:في د: "فإذا هو بسمكة".
[13]:في د: "الغالبة".
[14]:في د: "وضربوهما".
[15]:في ف، أ: "زاكية".
[16]:في ف: "قد بلغت مني" وهو خطأ.
[17]:في إسناده عاصم وقد تكلم فيه وشيخه مجهول. ورواه البخاري في صحيحه برقم (4569) ومسلم في صحيحه برقم (763) من طريق كريب عن ابن عباس بنحوه.
[18]:صحيح البخاري برقم (4725).
[19]:في جـ، ر، أ، و: "بيضاء".
[20]:في ت، ف، أ: "فذكره بنحوه".
[21]:في ت، ف، أ: "عن".
[22]:في ت: "قال: فأصاب".
[23]:في أ: "وسباق".
[24]:صحيح البخاري برقم (4727).
[25]:في أ: "فقال وقال".
[26]:في ت: "هل على الأرض"، وفي ف: "هل في الناس".
[27]:في ت: "فبينما".
[28]:في ف، أ: "يريان".
[29]:في و: "طريق أخرى: قال عبد بن حميد في تفسيره: أنبأنا".
[26760]:- (1) في م: "بعضا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مّبِيناً * لّيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخّرَ وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مّسْتَقِيماً * وَيَنصُرَكَ اللّهُ نَصْراً عَزِيزاً } .

يعني بقوله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا يقول : إنا حكمنا لك يا محمد حكما لمن سمعه أو بلغه على من خالفك وناصبك من كفار قومك ، وقضينا لك عليهم بالنصر والظفر ، لتشكر ربك ، وتحمده على نعمته بقضائه لك عليهم ، وفتحه ما فتح لك ، ولتسبحه وتستغفره ، فيغفر لك بفعالك ذلك ربك ، ما تقدّم من ذنبك قبل فتحه لك ما فتح ، وما تأخّر بعد فتحه لك ذلك ما شكرته واستغفرته .

وإنما اخترنا هذا القول في تأويل هذه الآية لدلالة قول الله عزّ وجلّ إذَا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالفَتْح ، ورأيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أفْوَاجا ، فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كانَ تَوّابا على صحته ، إذ أمره تعالى ذكره أن يسبح بحمد ربه إذا جاءه نصر الله وفتح مكة ، وأن يستغفره ، وأعلمه أنه توّاب على من فعل ذلك ، ففي ذلك بيان واضح أن قوله تعالى ذكره : لَيَغْفِرَ لَكَ الله ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخّرَ إنما هو خبر من الله جلّ ثناؤه نبيه عليه الصلاة والسلام عن جزائه له على شكره له ، على النعمة التي أنعم بها عليه من إظهاره له ما فتح ، لأن جزاء الله تعالى عباده على أعمالهم دون غيرها .

وبعد ففي صحة الخبر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم حتى ترِم قدماه ، فقيل له : يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : «أفَلا أكُونُ عَبْدا شَكُورا ؟ » ، الدلالة الواضحة على أن الذي قلنا من ذلك هو الصحيح من القول ، وأن الله تبارك وتعالى ، إنما وعد نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم غفران ذنوبه المتقدمة ، فتح ما فتح عليه ، وبعده على شكره له ، على نعمه التي أنعمها عليه . وكذلك كان يقول صلى الله عليه وسلم : «إنّي لأَسْتَغْفِرُ اللّهَ وأتُوبُ إلَيْهِ فِي كُلّ يَوْمٍ مِئَةَ مَرّةٍ » ولو كان القول في ذلك أنه من خبر الله تعالى نبيه أنه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر على غير الوجه الذي ذكرنا ، لم يكن لأمره إياه بالاستغفار بعد هذه الآية ، ولا لاستغفار نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ربه جلّ جلاله من ذنوبه بعدها معنى يعقل ، إذ الاستغفار معناه : طلب العبد من ربه عزّ وجلّ غفران ذنوبه ، فإذا لم يكن ذنوب تغفر لم يكن لمسألته إياه غفرانها معنى ، لأنه من المحال أن يقال : اللهمّ اغفر لي ذنبا لم أعمله . وقد تأوّل ذلك بعضهم بمعنى : ليغفر لك ما تقدّم من ذنبك قبل الرسالة ، وما تأخر إلى الوقت الذي قال : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخّرَ . وأما الفتح الذي وعد الله جلّ ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم هذه العدة على شكره إياه عليه ، فإنه فيما ذُكر الهدنة التي جرت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش بالحديبية .

وذُكر أن هذه السورة أُنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفة عن الحديبية بعد الهدنة التي جرَت بينه وبين قومه . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا قال : قضينا لك قضاءً مبينا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا والفتح : القضاء .

ذكر الرواية عمن قال : هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي ذكرت :

حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا داود ، عن عامر إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا قال : الحديبية .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا قال : نحرُه بالحديبية وحَلْقُه .

حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا أبو بحر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا جامع بن شدّاد ، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول : لما أقبلنا من الحُديبية أعرسنا فنمنا ، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت ، فاستيقظنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم ، قال : فقلنا أيقظوه ، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «افْعَلُوا كمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ ، فكذلك من نام أو نسي » قال : وفقدنا ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجدناها قد تعلّق خطامها بشجرة ، فأتيته بها ، فركب فبينا نحن نسير ، إذ أتاه الوحي ، قال : وكان إذا أتاه اشتدّ عليه فلما سري عنه أخبرنا أنه أُنزل عليه : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا .

حدثنا أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت أبي يحدّث عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال : لما رجعنا من غزوة الحديبية ، وقد حيل بيننا وبين نسكنا ، قال : فنحن بين الحزن والكآبة ، قال : فأنزل الله عزّ وجلّ : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخّرَ ، وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ، ويَهْدِيَكَ صِرَاطا مُسْتَقِيما ، أو كما شاء الله ، فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَليّ آيَةٌ أحَبّ إليّ مِنَ الدّنْيا جَمِيعا » .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، في قوله : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا قال : نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم مرجعه من الحديبية ، وقد حيل بينهم وبين نسكهم ، فنحر الهدي بالحديبية ، وأصحابه مخالطو الكآبة والحزن ، فقال : «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَليّ آيَةٌ أحَبّ إليّ مِنَ الدّنْيا جَمِيعا » ، فَقَرأ إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا . لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخّرَ . . . إلى قوله : عَزِيزا فقال أصحابه هنيئا لك يا رسول الله قد بين الله لنا ماذا يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ، فأنزل الله هذه الآية بعدها لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنات جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارَ خالِدِينَ فِيها . . . إلى قوله : وكانَ ذلكَ عِنْدَ اللّهِ فَوْزا عَظِيما .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا همام ، قال : حدثنا قتادة ، عن أنس ، قال : أُنزلت هذه الآية ، فذكر نحوه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بنحوه ، غير أنه قال في حديثه : فَقال رجل من القوم : هنيئا لك مريئا يا رسول الله ، وقال أيضا : فبين الله ماذا يفعل بنبيه عليه الصلاة والسلام ، وماذا يفعل بهم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : «نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخّرَ مرجعه من الحديبية ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لَقَدْ نَزَلَتْ عَليّ آيَةٌ أحَبّ إليّ مِمّا عَلى الأرْضِ » ، ثم قرأها عليهم ، فقالوا : هنيئا مريئا يا نبيّ الله ، قد بين الله تعالى ذكره لك ماذا يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه : لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ . . . إلى قوله : فَوْزا عَظِيما » .

حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، قال : لما نزلت هذه الآية إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأخّرَ ، وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ، ويَهْدِيَكَ صِرَاطا مُسْتَقِيما قالوا : هنيئا مريئا لك يا رسول الله ، فماذا لنا ؟ فنزلت لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ خالِدِينَ فِيها ، وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئاتِهِمْ .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت قتادة يحدّث عن أنس في هذه الآية إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا قال : الحديبية .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : ما كنا نعدّ فتح مكة إلا يوم الحديبية .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن عبد العزيز بن سياه ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي وائل ، قال : تكلم سهل بن حنيف يوم صفّين ، فقال : يا أيها الناس اتهموا أنفسكم ، لقد رأيتنا يوم الحديبية ، يعني الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين ، ولو نرى قتالاً لقاتلنا ، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ألسنا على حقّ وهم على باطل ؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : «بَلى » ، قال : ففيم نُعطَى الدنية في ديننا ، ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال : «يا بْنَ الخَطّابِ ، إنّي رَسُولُ الله ، وَلَنْ يُضَيّعَنِي أبَدا » ، قال : فرجع وهو متغيظ ، فلم يصبر حتى أتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ألسنا على حقّ وهم على باطل ؟ أليس قتلانا في الجنة ، وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى ، قال : ففيم نعطَى الدنية في ديننا ، ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم ؟ فقال : يا بن الخطاب إنه رسول الله ، لن يضيعه الله أبدا ، قال : فنزلت سورة الفتح ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر ، فأقرأه إياها ، فقال : يا رسول الله ، أوَ فَتْح هو ؟ قال : «نَعَمْ » .

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان عن جابر ، قال : ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : تعدّون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحا ، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة مِئة ، والحديبية : بئر .

حدثني موسى بن سهل الرملي ، حدثنا محمد بن عيسى ، قال : حدثنا مُجَمع بن يعقوب الأنصاريّ ، قال : سمعت أبي يحدّث عن عمه عبد الرحمن بن يزيد ، عن عمه مجمّع بن جارية الأنصاريّ ، وكان أحد القرّاء الذين قرأوا القرآن ، قال : شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما انصرفنا عنها ، إذا الناس يهزّون الأباعر ، فقال بعض الناس لبعض : ما للناس ، قالوا : أُوحِي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا ، لَيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ فقال رجل : أوَ فتحٌ هو يا رسول الله ؟ قال : «نَعَمْ » ، «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّهُ لَفَتْحٌ » ، قال : فقُسّمَت خيبر على أهل الحديبية ، لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديبية ، وكان الجيش ألفا وخمس مئة ، فيهم ثلاث مئة فارس ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهما ، فأعطى الفارس سهمين ، وأعطى الراجل سهما .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبيّ ، قال : نزلت إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحا مُبِينا بالحديبية ، وأصاب في تلك الغزوة ما لم يصبه في غزوة ، أصاب أن بُويع بيعة الرضوان ، وغُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ، وظهرت الروم على فارس ، وبلغ الهَدْىُ مَحِله ، وأُطعموا نخل خيبر ، وفرح المؤمنون بتصديق النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وبظهور الروم على فارس .

وقوله تعالى : وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بإظهاره إياك على عدوّك ، ورفعه ذكرك في الدنيا ، وغفرانه ذنوبك في الاَخرة ويَهْدِيَكَ صِرَاطا مُسْتَقِيما يقول : ويرشدك طريقك من الدين لا اعوجاج فيه ، يستقيم بك إلى رضا ربك وَيَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْرا عَزِيزا يقول : وينصرك على سائر أعدائك ، ومن ناوأك نصرا ، لا يغلبه غالب ، ولا يدفعه دافع ، للبأس الذي يؤيدك الله به ، وبالظفر الذي يمدّك به .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا} (1)

مقدمة السورة:

مدنية نزلت في مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية وآيها تسع وعشرون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } وعد بفتح مكة ، والتعبير عنه بالماضي لتحققه أو بما اتفق له في تلك السنة كفتح خيبر وفدك ، أو إخبار عن صلح الحديبية وإنما سماه فتحا لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوا الصلح وتسبب لفتح مكة ، وفرغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائر العرب فغزاهم وفتح مواضع وأدخل في الإسلام خلقا عظيما ، وظهر له في الحديبية آية عظيمة وهي أنه نزح ماؤها بالكلية فتمضمض ثم مجه فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه ، أو فتح الروم فإنهم غلبوا الفرس في تلك السنة . وقد عرفت كونه فتحا للرسول صلى الله عليه وسلم في سورة " الروم " . وقيل الفتح بمعنى القضاء أي قضينا لك أن تدخل مكة من قابل .