سورة{[1]} الفتح مدنية{[2]} عند ابن عباس ، وقال المسور بن{[3]} مخرمة نزلت بين مكة والمدينة{[4]} .
قوله : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } إلى قوله : { وساءت {[63725]} مصيرا } الآيات [ 1-6 ] .
المعنى : إنا حكمنا لك يا محمد حكما ظاهرا لمن سمعه أو {[63726]} بلغه أنك الغالب الظافر {[63727]} .
وقال قتادة معناه : إنا قضينا لك يا محمد قضاء بينا {[63728]} .
روى عطاء والضحاك عن ابن عباس أن الله جل ذكره لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول : { وما {[63729]} أدري ما يفعل بي ولا بكم {[63730]} } . فلما {[63731]} قالها شمت المشركون وكتبوا إلى {[63732]} اليهود بذلك ، وقالوا كيف نتبع من لا يدري ما يفعل به ولا بمن اتبعه ، فاشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } . . . . الآية {[63733]} .
فأخبره بما يكون من أمره وما كان ، وبعاقبة المؤمنين به . والفتح : يراد به ما فتح عليه من الغنائم وأخذ القرى بالحرب وغير الحرب فقوله : { إنا فتحنا لك } منة من الله على نبيه صلى الله عليه وسلم {[63734]} ، فجعل المنة سبيلا للمغفرة ؛ لأن كل ما يفعله العبد من خير ، فالله الموفق له ، ثم الله يتفضل بالمجازاة على ذلك الفعل ، وهو وفق إليه ، وأعان عليه ، فكل من عنده لا إله إلا هو ، فالحسنة من العبد منة من الله عليه إذ وفقه لها ، ثم يجازيه على ذلك تفضلا بعد تفضل ومنة بعد منة ، وقد قيل : إن التقدير : إنا فتحنا لك فتحا مبينا تستغفر عنده ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر . فيكون الغفران من الله جزاء للإستغفار منه عند إثيان الفتح ، أعلمه تعالى أنه إذا جاء الفتح واستغفر غفر له ( ودليل هذا القول قوله : { إذا جاء نصر الله والفتح . . . . . فسبح بحمد ربك واستغفره } {[63735]} {[63736]} .
والفتح في اللغة : الظفر بالمكان بالقرية أو بالمدينة ، بحرب أو بغير حرب ، عنوة أو صلحا {[63737]} .
قال أنس : {[63738]} : نزلت ، { إنا فتحنا لك } بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم {[63739]} : لقد نزلت علي آية أحب إلي من جميع الدنيا لو كانت باقية لي غير فانية ، لأن الدنيا لا قدر لها فيقدر بها الأمر العظيم الجليل ثم تلا : { إنا فتحنا لك فتحا {[63740]} مبينا } الآية .
فقال رجل من المسلمين : هنيئا مريئا هذا لك يا رسول الله فماذا لنا ؟ فأنزل الله : { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار } الآية {[63741]} .
وهذه الآية نزلت في فتح الحديبية ، والحديبية بير ، وكان في فتحها آية من الله ، وذلك / أن النبي صلى الله عليه وسلم {[63742]} ورد هذه البير وقد نزف ماؤها ، فتمضمض صلى الله عليه وسلم وتفل فيها ، فأقبل الماء حتى شرب كل من كان معه ، ولم يكن بينه وبين المشركين حرب الاتراع {[63743]} ، ثم فتح له .
وقيل معناه : إنا فتحنا لك فتحا مبينا باجتناب الكبائر ليغفر لك الصغائر .
وقيل معناه : إنا فتحنا لك بالهداية إلى الإسلام ، ولام {[63744]} { ليغفر لك الله } : لام قسم عند أبي حاتم والمعنى : " ليغفرن لك الله " {[63745]} .
وقال ابن كيسان {[63746]} وغيره : هي لام كي {[63747]} ، فالمعنى : وقع الفتح لك يا محمد لتقع لك المغفرة .
قال مجاهد : ما تقدم من ذنبك قبل النبوة ، وما تأخر بعد النبوة {[63748]} .
قال الشعبي : " وما تأخر " : يعني إلى أن يموت {[63749]} ، وقد غلط {[63750]} قوم فظنوا أن الفتح هنا فتح مكة ، والصحيح أنه فتح الحديبية {[63751]} كذلك قال ابن عباس والبراء {[63752]} بن عازب وأنس بن مالك .
قال الطبري الفتح هنا : الهدنة التي جرت بين النبي عليه السلام وبين مشركي قريش بالحديبية ونزلت هذه السورة {[63753]} في منصرف النبي عليه السلام {[63754]} عن {[63755]} الحديبية [ بعد الهدنة التي جرت بينه وبين قومه .
قال أنس : لما رجعنا من غزوة الحديبية ] {[63756]} وقد حيل بيننا وبين منسكنا {[63757]} قال : / فنحن بين الحزن والكآبة قال فأنزل الله جل ذكره عليه {[63758]} : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } إلى { مستقيما } فقال النبي صلى الله عليه وسلم {[63759]} : " لقد أنزلت [ علي ] {[63760]} آية أحب إلي من الدنيا جميعا {[63761]} .
وغزوة الحديبية هي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة ، والحديبية بئر .
وفي الحديبية {[63762]} كانت بيعة الرضوان ، فأهلوا بذي الحليفة وأهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم البدن هو وطائفة من أصحابه وليس معهم من السلاح إلا السيوف فصدهم {[63763]} المشركون عن البيت فمضى لقتالهم ، فبركت به ناقته فقال الناس خلأت {[63764]} ، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ، فتخلف عن ذلك ، وأراد أن يبعث بالهدي الذي كان معهم ، فمنعوه ، وجرت بينه وبين قريش مراسلات وقصة فيها طول {[63765]} ، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم {[63766]} عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى قريش فكلمهم بما أمره به رسول عليه السلام فأرسلت معه قريش سهيل بن {[63767]} عمرو ليصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم {[63768]} ، وكان {[63769]} بمكة ناس كثير من المسلمين فدعوا عثمان ليطوف بالبيت ، فقال : ما كانت لأطوف بالبيت حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم – فصالح النبي صلى الله عليه وسلم قريشا وكتب بينهم وبينه كتاب على أن يرجع النبي وأصحابه من مكانهم ، فإذا كان العام القابل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم {[63770]} وعثمان {[63771]} ويخلى {[63772]} بينه وبين الكعبة ثلاثة أيام لا يرد عنها ، وعلى ألا يدخلها هو ولا أحد من أصحابه إلا بالسلاح ، وكتبوا مع ذلك شروطا كثيرة ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم {[63773]} بالكتاب إلى قريش مع عثمان ، وبقي {[63774]} سهيل بن عمرو {[63775]} عند النبي عليه السلام ، فوقع {[63776]} بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم {[63777]} والمشركين بعض قتال ورمى بعضهم بعضا بالنبل {[63778]} والحجارة ، فحبس المشركون عثمان ، وحبس المسلمون سهيلا فعند ذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى البيعة ، وأراد قتالهم فبايعه المسلمون تحت الشجرة على الموت ، وهي بيعة الرضوان ، إذا كانت بالحديبية ، وهي بير {[63779]} ، بايعوه وهم ألف وست مائة تحت شجرة {[63780]} ، وقيل : كانوا ألفا وأربعة مائة بايعوه على الموت ، وقيل : بايعوه على ألا يفروا . قال جابر : فبايعناه على ألا نفر {[63781]} وكانت الشجرة سرة وكان المسلمون ألفا وستة مائة فيهم مائة فارس ، فلما رأى المشركون ذلك خافوا وبعثوا بمن كان عندهم من المسلمين وطلبوا الصلح فتركهم رسول الله والمسلمون على كآبة والمشركون خائفون .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن ينحروا بدنهم فتوقفوا حتى نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فنحروا/هديهم وحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم {[63782]} وحلقت طائفة من أصحابه ، وقصرت طائفة فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم {[63783]} : اللهم اغفر للمحلقين [ قالوا ] {[63784]} : والمقصرين يا رسول الله [ فأعادها ] {[63785]} ثلاث مرات ، ثم قال في الرابعة وللمقصرين {[63786]} ، {[63787]} . وعند ذلك أنزل الله على رسوله عليه السلام : { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم {[63788]} ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم } في آيات فيها ذكر صد المشركين الهدي ، وأخبر {[63789]} تعالى لأي شيء كف {[63790]} أيدي {[63791]} المؤمنين عن {[63792]} المشركين فقال : { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم } .
يعني : ولولا أن تقتلوا من كان بمكة من المؤمنين لأطلق أيديكم أيها المؤمنون على من بمكة من الكفار ، ولكن منعتم {[63793]} من ذلك لئلا تأثموا وأنتم لا تعلمون . وذكر حمية {[63794]} الكفار وذكر تصديق رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتدخلوا المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ، وذلك في العام المقبل على ما قاضاهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأما قوله : { فجعل من دون ذلك فتحا قريبا } {[63795]} .
فقيل {[63796]} هو دخول النبي صلى الله عليه وسلم {[63797]} وأصحابه في العام المقبل مكة آمنا وأصحابه معه للعمرة .
وقيل هو فتح خيبر . وفي فتح خيبر نزلت : { وأثابهم فتحا قريبا } ، ولا اختلاف {[63798]} في ذلك .
وكان فتح خيبر عند مالك على رأس ست سنين من الهجرة بعد منصرفهم من الحديبية ، وهو الفتح الذي أثاب الله فيه أهل بيعة الرضوان ، فلم يغز خيبر غيرهم {[63799]} .
وقال غير مالك : فتحت خيبر في أول {[63800]} سنة من الهجرة {[63801]} وكانت مدة/الصلح الذي صالحهم عليه النبي عليه السلام : سنتين يأمن {[63802]} بعضهم بعضا . ولما صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم {[63803]} ، على ذلك قال رجل من المسلمين : فمن أتاهم من يا رسول الله فهم أحق به . قال : نعم ، وأبعده الله وأسحقه ومن أتانا منهم لم نقبله ، قال : نعم ، فإنه من أراد فراقهم وخلاف دينهم جعل الله له فرجا ومخرجا ، وخرجت أم كلثوم {[63804]} مهاجرة إلى رسول الله {[63805]} صلى الله عليه وسلم وهي عاتق لم تتزوج ، فقبل النبي عليه السلام هجرتها ولم يردها إلى المشركين .
وأقبل أبو جندل بن {[63806]} سهيل بن عمرو في الحديد مقيدا قد أسلم ، وكان والده سهيل والمشركون قد قيدوه وحبسوه ؛ لأنه أسلم ، واجتنب {[63807]} الطريق وأخذ الجبال حتى هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ففرح به المسلمون وتلقوه {[63808]} وآووه فناشدهم والده سهيل إلا ردوا عليه ابنه ، فرده عليه النبي صلى الله عليه وسلم {[63809]} وقال : إن يعلم الله {[63810]} من نفسه الصدق ينجه ، فرجع {[63811]} سهيل يضرب وجه أبي جندل ولده بعصا {[63812]} شوك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم {[63813]} : هبه لي أو أجره من العذاب ، فقال : " والله لا أفعل فأجاره {[63814]} مكرز ابن {[63815]} حفص وأخذ بيده وأدخله فسطاطه {[63816]} وظهر من آيات النبي صلى الله عليه وسلم {[63817]} علامات معجزات {[63818]} في تلك الغزاة ، من ذلك : أن الناس قالوا ليس لنا ماء ، فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم سهما من {[63819]} كنانته فأمر به فوضع في قعر قليب {[63820]} ليس فيه ماء ، فروى الناس حتى ضربوا بعطن {[63821]} ، ومن ذلك أن الناس شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم {[63822]} للناس : أبسطوا أبضاعكم {[63823]} وعيالكم ، ففعلوا ، ثم قال : من كان عنده بقية من زاد أو طعام لينشره {[63824]} ودعا لهم ، ثم قال : قربوا أوعيتكم ، فأخذوا ما شاء الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتيه أحد من عند المشركين قد أسلم ، فيطلبه {[63825]} المشركون ، إلا دفعه إليهم ولا يمضي أحد من عند المسلمين إلى المشركين مرتدا إلا تركه المسلمون لهم ، فعلى ذلك وقع الصلح/فوفى {[63826]} بما عاهدهم عليه ، فخرج قوم أسلموا من مكة ، وانعزلوا في موضع يقطعون الطريق على عير قريش ، وخرج أبو جندل من مكة {[63827]} هاربا ومعه نفر ممن أسلم فلحقوا بأولئك الذين يقطعون الطريق على عير {[63828]} قريش ، ولم يأت منهم أحد النبي صلى الله عليه وسلم {[63829]}خوفا أن يردهم إلى المشركين ، فكان أبو جندل يصلي بهم ، وكان من لطف الله للمسلمين {[63830]} أنه صعب على المشركين ذلك ، فوجهوا إلى النبي {[63831]} يسألونه أن يوجه في القوم ليقدموا {[63832]}عليه ، وقالوا : إنا لا نسألكم في ردهم إلينا ، ومن خرج إليك منا فأمسكه ، ولا ترده بلا حرج عليك ، فكتب {[63833]} رسول الله صلى الله عليه وسلم {[63834]} إلى أبي جندل وأصحابه أن يقدموا عليه ، وأمر من اتبعهم من المسلمين أن يرجعوا إلى بلدانهم وأهليهم ، وألا يعرضوا لأحد مر بهم من قريش ففعلوا .
معناه : يرفع ذكرك في الدنيا وينصرك على عدوك ، ويغفر لك ذنوبك {[63835]} في الآخرة .
وقوله : { ويهديك صراطا مستقيما } أي : يرشدك دينا لا اعوجاج {[63836]} فيه فيستقيم {[63837]} بك إلى رضا ربك وإلى طريق الجنة .