بدأت هذه السورة بالإخبار بهلاك أبي لهب عدو الله ورسوله ، وعدم إغناء شيء عنه من ذلك مالا كان أو جاها أو غيرهما ، وتوعدته في الآخرة بنار موقدة يصلاها ويشوي بها ، وقرنت زوجته به في ذلك . واختصتها بلون من العذاب ، هو ما يكون حول عنقها من حبل تجدب به إلى النار ، زيادة في التنكيل بها لما كانت عليه من إيذاء الرسول ، والإساءة إلى دعوته .
1- هلكت يدا أبي لهب اللتان كان يؤذي بهما المسلمين ، وهلك معهما .
{ تبت يدا أبي لهب وتب } أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو بكر أحمد ابن الحسن الحيري ، أنبأنا حاجب بن أحمد الطوسي ، حدثنا محمد بن حماد ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : " صعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فقال : يا صباحاه ، قال : فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا له : ما لك ؟ قال : أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم ، أما كنتم تصدقوني ؟ قالوا : بلى ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تباً لك ، ألهذا دعوتنا جميعاً ؟ فأنزل الله عز وجل : { تبت يدا أبي لهب وتب } " .
{ تبت يدا أبي لهب وتب } أي : خابت وخسرت يدا أبي لهب ، أي هو ، أخبر عن يديه ، والمراد به نفسه على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله . وقال : اليد صلة ، كما يقال : يد الدهر ، ويد الرزايا والبلايا . وقيل : المراد بها ماله وملكه ، يقال : فلان قليل ذات اليد ، يعنون به المال ، والتباب : الخسار والهلاك . وأبو لهب : هو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم ، واسمه عبد العزى . قال مقاتل : كني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه . وقرأ ابن كثير { أبي لهب } ساكنة الهاء ، وهي مثل : نهر ونهر . واتفقوا في ذات لهب أنها مفتوحة الهاء لوفاق الفواصل . وتب أبو لهب يعني نفسه ، وقرأ عبد الله : " وقد تب " . وقال الفراء : الأول دعاء ، والثاني خبر ، كما يقال : أهلكه الله ، وقد فعل .
{ 1 - 5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ }
أبو لهب هو عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان شديد العداوة [ والأذية ] للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلا فيه دين ، ولا حمية للقرابة -قبحه الله- فذمه الله بهذا الذم العظيم ، الذي هو خزي عليه إلى يوم القيامة فقال : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } أي : خسرت يداه ، وشقى { وَتَبَّ } فلم يربح .
أبو لهب - [ واسمه عبد العزى بن عبد المطلب ] هو عم النبي [ ص ] وإنما سمي أبو لهب لإشراق وجهه ، وكان هو وامرأته " أم جميل " من أشد الناس إيذاء لرسول الله [ ص ] وللدعوة التي جاء بها . .
قال ابن إسحاق : " حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال : سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول : " إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله [ ص ] يتبع القبائل ، ووراءه رجل أحول ، وضيء الوجه ذو جمة ، يقف رسول الله [ ص ] على القبيلة فيقول : " يا بني فلان . إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به " وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان . هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقمس ، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تسمعوا له ، ولا تتبعوه . فقلت لأبي : من هذا ? قال عمه أبو لهب . [ ورواه الإمام أحمد والطبراني بهذا اللفظ ] .
فهذا نموذج من نماذج كيد أبي لهب للدعوة وللرسول [ ص ] ، وكانت زوجته أم جميل في عونه في هذه الحملة الدائبة الظالمة . [ وهي أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان ] .
ولقد اتخذ أبو لهب موقفه هذا من رسول الله [ ص ] منذ اليوم الأول للدعوة . أخرج البخاري - بإسناده - عن ابن عباس ، أن النبي [ ص ] خرج إلى البطحاء ، فصعد الجبل فنادى : " يا صباحاه " فاجتمعت إليه قريش ، فقال : أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ? أكنتم مصدقي ? قالوا : نعم . قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " . فقال أبو لهب . ألهذا جمعتنا ? تبا لك . فأنزل الله( تبت يدا أبي لهب وتب . . . )الخ . وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول : تبا لك سائر اليوم ! ألهذا جمعتنا ? ! فأنزل الله السورة .
ولما أجمع بنو هاشم بقيادة أبي طالب على حماية النبي [ ص ] ولو لم يكونوا على دينه ، تلبية لدافع العصبية القبلية ، خرج أبو لهب على إخوته ، وحالف عليهم قريشا ، وكان معهم في الصحيفة التي كتبوها بمقاطعة بني هاشم وتجويعهم كي يسلموا لهم محمدا [ ص ] .
وكان قد خطب بنتي رسول الله [ ص ] رقية وأم كلثوم لولديه قبل بعثة النبي [ ص ] فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما حتى يثقل كاهل محمد بهما !
وهكذا مضى هو وزوجته أم جميل يثيرانها حربا شعواء على النبي [ ص ] وعلى الدعوة ، لا هوادة فيها ولا هدنة . وكان بيت أبي لهب قريبا من بيت رسول الله [ ص ] فكان الأذى أشد . وقد روي أن أم جميل كانت تحمل الشوك فتضعه في طريق النبي ؛ وقيل : إن حمل الحطب كناية عن سعيها بالأذى والفتنة والوقيعة .
نزلت هذه السورة ترد على هذه الحرب المعلنة من أبي لهب وامرأته . وتولى الله - سبحانه - عن رسوله [ ص ] أمر المعركة !
( تبت يدا أبي لهب وتب ) . . والتباب الهلاك والبوار والقطع . ( وتبت )الأولى دعاء . ( وتب )الثانية تقرير لوقوع هذا الدعاء . ففي آية قصيرة واحدة في مطلع السورة تصدر الدعوة وتتحقق ، وتنتهي المعركة ويسدل الستار !
بسم الله الرحمن الرحيم { تبت } هلكت أو خسرت ، والتباب خسران يؤدي إلى الهلاك { يدا أبي لهب } نفسه ، كقوله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } وقيل : إنما خصتا ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه { وأنذر عشيرتك الأقربين } جمع أقاربه فأنذرهم فقال أبو لهب : تبا لك ، ألهذا دعوتنا ؟ وأخذ حجرا ليرميه به ، فنزلت . وقيل : المراد بهما دنياه وأخراه ، وإنما كناه ، والتكنية تكرمة لاشتهاره بكنيته ، ولأن اسمه عبد العزى ، فاستكره ذكره ، ولأنه لما كان من أصحاب النار كانت الكنية أوفق بحاله ، أو ليجانس قوله { ذات لهب } . وقرئ ( أبو لهب ) كما قيل :( علي بن أبو طالب ) . { وتب } إخبار بعد دعاء ، والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه ، كقوله :
جزاني جزاه الله شر جزائه جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
ويدل عليه أنه قرئ ( وقد تب ) ، أو الأول إخبار عما كسبت يداه ، والثاني عن عمل نفسه .
سميت هذه السورة في أكثر المصاحف { سورة تبت } وكذلك عنونها الترمذي في جامعه وفي أكثر كتب التفسير ، تسمية لها بأول كلمة فيها .
وسميت في بعض المصاحف وفي بعض التفاسير { سورة المسد } . واقتصر في الإتقان على هذين .
وسماها جمع من المفسرين { سورة أبي لهب } على تقدير : سورة ذكر أبي لهب . وعنونها أبو حيان في تفسيره { سورة اللهب } ولم أره لغيره .
وعنونها ابن العربي في أحكام القرآن سورة ما كان من أبي لهب وهو عنوان وليس باسم .
وعدت السادسة من السور نزولا ، نزلت بعد سورة الفاتحة وقبل سورة التكوير .
روي أن نزولها كان في السنة الرابعة من البعثة . وسبب نزولها على ما في الصحيحين عن ابن عباس قال صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فنادى " يا صباحاه " كلمة ينادى بها للإنذار من عدو يصبح القوم فاجتمعت إليه قريش فقال : إني نذير لكم من يدي عذاب شديد أرأيتم لو أني أخبرتكم أن العدو ممسيكم أو مصبحكم أكنتم تصدقوني? قالوا : ما جربنا عليك كذبا ، فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا? فنزلت تبت يدا أبي لهب . ووقع في الصحيحين من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين } ورهطك منهم المخلصين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا إلى آخر الحديث المتقدم .
ومعلوم أن آية { وأنذر عشيرتك الأقربين } من سورة الشعراء وهي متأخرة النزول عن سورة تبت ، وتأويل ذلك أن آية تشبه آية سورة الشعراء نزلت قبل سورة أبي لهب لما رواه أبو أسامة يبلغ ابن عباس لما نزلت { وأنذر عشيرتك الأقربين وقومك منهم المخلصين } ولم يقل من سورة الشعراء خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فتعين أن آية سورة الشعراء تشبه صدر الآية التي نزلت قبل نزول سورة أبي لهب .
زجر أبي لهب على قوله تبت لك ألهذا جمعتنا? ووعيده على ذلك ، ووعيد امرأته على انتصارها لزوجها ، وبغضها النبي صلى الله عليه وسلم .
افتتاح السورة بالتبات مشعر بأنها نزلت لتوبيخ ووعيد ، فذلك براعة استهلال مثل ما تفتتح أشعار الهجاء بما يؤذن بالذم والشتم ومنه قوله تعالى : { ويل للمطففين } [ المطففين : 1 ] إذ افتتحت السورة المشتملة على وعيد المطففين للفظ الويل ومن هذا القبيل قول عبد الرحمان بن الحكم من شعراء « الحماسة » :
لَحَا الله قَيْساً قَيسَ عَيلان إنها *** أضاعت ثُغور المسلمين وولَّتِ
وقول أبي تمام في طالعةِ هجاء :
النارُ والعارُ والمكروه والعطب
ومنه أخذ أبو بكر بن الخازن قوله في طالع قصيدة هناء بمولد :
مجشري فقد أنجز الإِقبال ما وعد
والتَّبُّ : الخسران والهلاك ، والكلام دعاء وتقريع لأبي لهب دافع الله به عن نبيئه بمثل اللفظ الذي شَتَم به أبو لهب محمداً صلى الله عليه وسلم جزاءً وفاقاً .
وإسناد التبّ إلى اليدين لِما روي من أن أبا لهب لما قال للنبيء : « تباً لك سائرَ اليوم ألهذا جمعتنا » أخذ بيده حجراً ليرميه به . وروي عن طارق المحاربي قال : « بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا برجل حديث السن يقول : أيها الناس قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا ، وإذا رجل خلفَه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول : « يا أيها الناس إنه كذاب فلا تصدقوه » . فقلت : من هذا ؟ فقالوا : هذا محمد يزعم أنه نبيء ، وهذا عمه أبو لهب ، فوقع الدعاء على يديه لأنهما سبب أذى النبي صلى الله عليه وسلم كما يقال للذي يتكلم بمكروه : « بفيك الحجارة أو بفيك الكثكث » .
قعود الذي أبياتهم يثمدونهم *** رمى الله في تلك الأكف الكوانع
ويقال بضد ذلك للذي يقول كلاماً حسناً : لا فُضَّ فُوك ، وقال أعرابي من بني أسد :
دَعَوْتُ لِمَا نابنِي مِسْوَراً *** فلبَّى فلبَّيْ يَديْ مِسْورِ
لأنه دعاه لِما نابه من العدوِّ للنَّصر ، والنصر يكون بعمل اليد بالضرب أو الطعن .
وأبو لهب : هو عبد العزى بن عبد المطلب وهو عمّ النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته أبو عتبة تكنية باسم ابنه ، وأمّا كنيته بأبي لهب في الآية فقيل : كان يكنّى بذلك في الجاهلية ( لحسنه وإشراقِ وجهه ) وأنه اشتهر بتلك الكنية كما اقتضاه حديث طارق المحاربي ، ومثله حديث عن ربيعة بن عباد الديلي في « مسند أحمد » ، فسماه القرآن بكنيته دون اسمه لأن في اسمه عبادة العزى ، وذلك لا يُقره القرآن ، أو لأنه كان بكنيته أشهر منه باسمه العَلَمِ ، أو لأن في كنيته ما يتأتى به التوجيه بكونه صائراً إلى النار ، وذلك كناية عن كونه جهنمياً ، لأن اللهب ألسنةُ النار إذا اشتعلت وزال عنها الدخان . والأبُ : يطلق على ملازم ما أضيف إليه كقولهم : « أبوها وَكيَّالها » وكما كني إبراهيم عليه السلام : أبا الضيفان وكنَّى النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الرحمان بن صَخْر الدَّوْسي : أبا هريرة لأنه حمل هِرَّةً في كم قميصه ، وكُني شهرُ رمضان : أبَا البَركات ، وكني الذئب : أبا جَعدةٍ والجعدة سخلة المعز لأنه يلازم طلبها لافتراسها ، فكانت كنية أبي لهب صالحة موافقة لحاله من استحقاقه لهب جهنم فصار هذا التوجيه كناية عن كونه جهنمياً لينتقل من جعل أبي لهب بمعنى ملازم اللهب إلى لازم تلك الملازمة في العرف ، وهو أنه من أهل جهنم وهو لزوم ادعائي مبني على التفاؤل بالأسماء ونحوها كما أشار إليه التفتزاني في مبحث العَلَمِيَّة من « شرح المفتاح » وأنشد قول الشاعر :
قصدت أبا المحاسن كي أراه *** لشوق كان يجذبني إليه
فلمــا أن رأيتُ رأيت فرداً *** ولم أر من بنيه ابنا لديه
وقد يكون أبو لهب كنيته الحطب كما أنبأ عنه ما روي عن أبي هريرة : " إن ابنة أبي لهب قالت للنبيء صلى الله عليه وسلم إن الناس يصيحون بي ويقولون إني ابنةُ حطب النار " الحديث .
وقرأ الجمهور لفظ { لهب } بفتح الهاء ، وقرأه ابن كثير بسكون الهاء وهو لغة لأنهم كثيراً ما يسكنون عين الكلمة المتحركة مع الفاء ، وقد يكون ذلك لأن { لهب } صار جزءَ عَلَم والعرب قد يغيرون بعض حركات الاسم إذا نقلوه إلى العلمية كما قالوا : شُمْس بضم الشين ، لشَمْس بن مالك الشاعر الذي ذكره تأبط شراً في قوله :
إنّي لمُهْدٍ من ثَنائِي فقاصد *** به لابن عَمِّ الصدقِ شُمْس بنِ مالك
قال أبو الفتح بن جنّيّ في كتاب « إعراب الحماسة » : « يجوز أن يكون ضم الشين على وجه تغيير الأعلام نحو مَعدِ يكرب . وتَهْلُك ومَوْهَب وغير ذلك مما غُيِّر عن حال نظائره لأجل العلمية الحادثة فيه اه .
وكما قالوا : أبو سُلْمى بضم السين كُنية والدِ زهير بن أبي سُلمى لأنهم نقلوا اسم سَلمى بفتح السين من أسماء النساء إلى جعله اسم رجل يكنى به لأنهم لا يكنون بأسماء النساء غالباً . ولذلك لم يسكن ابن كثير الهاء من قوله تعالى : { ذات لهب } وقراءةُ ابن كثير قراءة أهل مكة فلعل أهل مكة اشتهرت بينهم كنية أبي لهب بسكون الهاء تحقيقاً لكثرة دورانها على الألسنة في زمانه .
وجملة : { وتب } إما معطوفة على جملة : { تبت يدا أبي لهب } عطف الدعاء على الدعاء إذا كان إسناد التبات إلى اليدين لأنهما آلة الأذى بالرمي بالحجارة كما في خبر طارق المحاربي ، فأعيد الدعاء على جميعه إغلاظاً له في الشتم والتقريع ، وتفيدُ بذلك تأكيداً لجملة : { تبت يدا أبي لهب } لأنها بمعناها ، وإنما اختلفتا بالكلية والجزئية ، وذلك الاختلاف هو مقتضِي عطفها ، وإلا لكان التوكيد غير معطوف لأن التوكيد اللفظي لا يعطف بالواو كما تقدم في سورة الكافرون .
وإمّا أن تكون في موضع الحال ، والواو واوَ الحال ولا تكون دعاء إنما هي تحقيق لحصول ما دُعي عليه به كقول النابغة :
جَزَى ربُّه عني عديَّ بن حاتم *** جَزَاء الكلاب العاويات وقَدْ فَعَلْ
فيكون الكلام قبله مستعملاً في الذم والشماتة به أو لطلب الازدياد ، ويؤيد هذا الوجه قراءة عبد الله بن مسعود « وقد تَب » فيتمحض الكلام قبله لمعنى الذم والتحقير دون معنى طلب حصول التبات له ، وذلك كقول عبد الله بن رواحة حين خروجه إلى غزوة مُؤتة التي استشهد فيها :
حتَّى يقولوا إذا مَرُّوا على جَدثي *** أرْشَدَك اللَّهُ من غَازٍ وقَدْ رَشِدا
يعني ويقولوا : وقد رشدا ، فيصير قوله : أرشدك الله من غازٍ ، لمجرد الثناء والغبطة بما حصّله من الشهادة .