سورة { تبت يدا أبي لهب }{[1]}
الآية1 : قوله تعالى : { تبت يدا أبي لهب وتبّ } أي خسرت ، وخابت . كذلك قال أبو عوسجة ، يقال : تب يتب تبا وتبابا . ثم ما ذكر من قوله : { يدا أبي لهب } يحتمل حقيقة اليد ، ويحتمل أن يكون ذكر اليد على الصلة .
فإن كان على إرادة حقيقة اليد ، فهو يخرج على وجوه :
أحدها : ما ذكر أنه كثير الإحسان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإنفاق عليه ، والصنائع إليه . وكان يقول : إن كان الأمر لمحمد يومئذ فيكون لي عنده يد ، وإن كان لقريش فلي عندها يد ، فأخبر ، والله أعلم ، أنه خسر في ما طمع ، ورجا من اليد التي له عنده ، والإحسان الذي أحسن إليه ، إذ لم يصدقه ، ولم يؤمن به ، وخسر أيضا ما ادعى من اليد له عند قريش .
والثاني : يحتمل أن يكون من أبي لهب تخويف لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطش والأخذ باليد ، فأمن الله تعالى رسوله مما خوفه به حين{[24139]} قال : { تبت يدا أبي لهب وتب } أي خسرت يداه ، ولا يقدر على البطش .
والثالث : يحتمل أن تكون اليد كناية عن القوة في نفسه وماله في دفع العذاب عن نفسه{[24140]}لقولهم : { نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين } ( سبإ : 35 ) .
وذكر بعض أهل التأويل أنه لما نزل قوله : { وأنذر عشيرتك الأقربين } ( الشعراء : 214 ) جمع عشائره الأقرب فالأقرب منهم ، وقال : " إني لا أملك لكم من الله نفعا في الدنيا والآخرة إلا بعد أن تقولوا شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله " ، فقال أبو لهب عند ذلك : تبا لك يا محمد ، ألهذا دعوتنا ؟ فنزل عند ذلك { تبت يدا أبي لهب وتب } ( بنحوه : البخاري 4770 ) مجازاة له .
فهذا ، وإن لم يكن في فعله في القصة استعمال اليدين ، فيجوز أنه كان يصرف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، أو حين دعي إلى الإيمان بالله تعالى مد يده على التعجب من ذلك ، وقال : ألهذا دعوتنا ؟ فرد الله تعالى ذلك ، وعيره به .
وقد يجوز ، وإن ( لم ){[24141]}يظهر في الجواب مقدمة السؤال ، وإن لم يذكر ذلك في السؤال . ألا ترى إلى قوله تعالى : { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } ؟ ( البقرة : 222 ) فعلم بذلك أن السؤال إنما كان عن قربانهن في المحيض ، فكذلك الأول .
وإن كان ذكر اليد على الصلة ، فهو يخرج على وجهين :
أحدهما : ذكر اليد كناية عن العمل والفعل ، إلا أنه ذكر اليد لما باليد يقوم ، ويعمل ، كقوله تعالى : { بما قدمت أيديكم } ( آل عمران : 182 ) وقوله تعالى{[24142]} : { فبما كسبت أيديكم } ( الشورى : 30 ) ، وذلك على الكناية عما كان منه من الصنيع ، أو خسرت أعماله ، وبطلت .
والثاني : ذكر اليد على إرادة قدّام وأمام ، كقوله تعالى : { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } ( فصلت : 42 ) ، أي أمامه وخلفه ، فيكون معناه ما قدم من الأعمال .
ثم تخصيص أبي لهب بالذكر من بين سائر الكفرة يحتمل وجوها :
أحدها : خصه بالاسم ؛ لأنه كان من الفراعنة والأكابر ، وهو المقصود به ، والفراعنة قد يذكرون بأسمائهم لما هم المقصودون به ، وإن كان من دونهم يشاركونهم في ذلك ، كذكر فرعون وعاد وثمود وغيرهم .
والثاني : كان شديد الهيبة والخوف ، فذكره باسمه ، وخصه به ليعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يهابه ، ولا يخافه ، والله أعلم .
والثالث : أنه كثير الأيادي والصنائع بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلو كان الخطاب بهذا يعم الكفرة لكان يظن بما سبق منه من الأيادي أنه غير داخل تحت الخطاب ، فخصه بالذكر ليعلم أنه لا يغنيه من الله شيء .
ثم ذكره بالكنية يخرج على وجوه :
أحدها : يحتمل أن يكون بالكنية/ 656 ب/ عرف عند الناس ، وبها كان{[24143]}معروفا دون اسمه ، فذكره بالذي كان معروفا به .
والثاني : ما ذكر أن اسمه كان عبد العزى ، فلم يرد أن ينسبه إلى غيره ، وهو العزى ، فذكره بالكنية لهذا .
والثالث : أنه عيره بأشياء ، وخوفه بمواعيد . فلو ذكره باسمه ، فلعله يصرف ذلك الخطاب والوعيد الذي كان له إلى غيره لما شرك غيره في الاسم ، إذ{[24144]} كانوا يسمون أولادهم ، وينسبونهم إلى أصنامهم ، ولم يكن أحد شركه في كنية ، فلا يمكنه التحويل إلى غيره .
وقيل : ذكره بالكنية يخرج مخرج الوعيد له ، أي تصير النار كالابن ، وهو كالابن لها ، وذلك لأن هذه الكنى إنما تذكر في المتعارف على وجه التفاؤل ، كما يقال : أبو منصور ، على رجاء أن يولد له ابن يسميه{[24145]} منصورا .
ثم إن الله تعالى سمى النار في بعض الآيات ، أما للكافر كقوله : { فأمه هاوية } ( القارعة : 9 ) ، وفي بعضها مولى حين{[24146]} قال : { مولاكم وبئس المصير } ( الحديد : 15 ) ، فجائز أيضا أن تكون النار إذا قربت منه ، وانضمت إلى حجره ، أن تصير في التمثيل كالولد ، ويصير هو أبا لها ، فقال : { أبي لهب } على هذا الوجه من التأويل .
ووجه آخر ، وهو أن ذكر الكنية ، وإن كان يراد بها التعظيم ، فعند ذكر المواعيد والعقوبات يراد بها الاستخفاف والإهانة ، وهو على ما ذكر في البشارة أنها وإن كانت تذكر عندما يبشر ، ويبهج في الأغلب ، فعند ذكر العقوبة نذارة ، كقوله تعالى : { فبشرهم بعذاب أليم } ( آل عمران : 21 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.