محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

111- سورة المسد

ويقال سورة أبي لهب ، مكية ، وآيها خمس .

{ تبت يدا أبا لهب وتب } أي خسرت يداه وخسر هو ، واليدان كناية عن الذات والنفس لما بينهما من اللزوم في الجملة ، أو مجاز من باب إطلاق الجزء على الكل ، وجملة { وتب } مؤكدة لما قبلها ، أو المراد بالأولى خسرانه فيما كسبه وعمله بيديه حيث لم يفده ولم ينفعه ، وما بعده عبارة عن خسرانه في نفسه وذاته ؛ لأن سعي المرء لإصلاح نفسه وعمله ، فأخبر بأنه محروم منهما ، كما تشير له الآيتان بعد ، أعني هلاك عمله وهلاك نفسه . وقال ابن جرير{[7574]} كان بعض أهل العربية يقول : قوله { تبت يدا أبي لهب } ، دعاء عليه من الله ، وأما قوله :{ وتب } ، فإنه خبر ، أي عما سيحقق له في الدنيا والآخرة ، وعبر عنه بالماضي لتحققه .

وأبو لهب أحد عمومة النبي صلى الله عليه وسلم ، واسمه عبد العزى ، وقد اشتهر بكنيته ، وعرف بها لولد له يقال له : لهب ، أو لتلهب وجنتيه وإشراقهما ، مع الإشارة إلى أنه من أهل النار ، وأن مآله إلى نار ذات لهب ، فوافقت حاله كنيته فحسن ذكره بها .

قال الرواة : كان أبو لهب من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأذية له ، وبغضة له ، وازدراء به ، وتنقصا له ولدعوته ، ومات على كفره بعد وقعة بدر ، ولم يحضرها ؛ بل أرسل عنه بديلا ، فلما بلغه ما جرى لقريش مات غما ، وقد روى الشيخان{[7575]} عن ابن عباس قال :لما نزلت{[7576]} { وأنذر عشيرتك الأقربين } صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ونادى : " يا بني فهر ، يا بني عدي " ( لبطون من قريش ) حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولا ، لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش فقال : " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي " ؟ قالوا : نعم ، ما جربنا عليك إلا صدقا . قال : " فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد " . فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت هذه السورة .

وروى الإمام أحمد {[7577]} عن ربيعة بن عباد الديلي قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول : " يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " والناس مجتمعون عليه ، ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غدرتين يقول : إنه صابىء كاذب ، يتبعه حيث ذهب . فسألت عنه فقالوا : هذا عمه أبو لهب . وفي رواية له : " يتبعه من خلفه يقول : يا بني فلان ، هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تسمعوا له ، ولا تتبعوه "


[7574]:انظر الصفحة رقم 336 من الجزء الثلاثين (طبعة الحلبي الثانية).
[7575]:أخرجه البخاري في 65- كتاب التفسير 111- سورة المسد حديثنا يوسف بن موسى حديث رقم 739. وأخرجه مسلم في 1- كتاب الإيمان حديث رقم 355 (طبعتنا).
[7576]:26 / الشعراء / 214.
[7577]:اخرجه بالصفحة رقم 341 من الجزء الرابع.