الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة تبت( {[1]} ) مكية( {[2]} )

نزلت هذه السورة في أبي لهب عم النبي ، وفي زوجته أم جميل أخت أبي سفيان وعمة معاوية ، وكان النبي قد زوج ابنته أم كلثوم من عتيبة ابن أبي لهب ، وزوج ابنته رقية من أبي عمه -أبي لهب- عتبة .

فلما نزلت { تبت يدا أبي } أمر أبو لهب وامرأته أم جميل ابنيهما عتيبة وعتبة بطلاق ابنتي رسول الله أم كلثوم ورقية فطلقاهما( {[78002]} ) وأتى عتبة إلى النبي فجفا عليه وشق قميصه ، فدعا النبي بأن يسلط الله عليه كلبه ، فمضى طلبه ، فمضى إلى الشام فقتله الأسد( {[78003]} ) فتزوج عثمان رقية وتوفيت عنده ، ثم تزوج أم كلثوم فتوفيت عنده ، ثم تزوج أم كلثوم عنده( {[78004]} ) ، وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب ، وكان لعبد المطلب عشرة من البنين منهم عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو لهب وامرأته من أشد قريش عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم .

وقيل : عتيبة هو الذي أكله الأسد بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتيبة أسلم وأبلى( {[78005]} ) .

وقوله تعالى : { تبت يدا أبي لهب وتب } ، ( {[78006]} ) . إلى آخرها . أي : خسرت يدا أبي لهب ، وقد خسر . فالأول [ دعاء ]( {[78007]} ) . والثاني [ خبر ]( {[78008]} ) ، ما يقول : [ أهلكه ]( {[78009]} ) الله وقد هلك( {[78010]} ) وفي قراءة عبد الله : " وقد تب " ( {[78011]} ) ووقع الإخبار والدعاء عن( {[78012]} ) اليدين على طريف المجاز ، والمراد صاحبهما ، يدل على ذلك وقوله { وتب } ولم يقل : وتبتا( {[78013]} ) .

وقيل : هو حقيقة ، وذلك أن أبا لهب أراد أن [ يرمي ] ( {[78014]} ) رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله من ذلك ، ونزلت : { تبت يدا أبي لهب وتب } ، فالأولى( {[78015]} ) على الحقيقة لليدين( {[78016]} ) ، والثانية( {[78017]} ) لأبي لهب ، لأنه إذا خسرت يداه فقد خسر هو .

( قال ابن زيد( {[78018]} ) : التب : الخسران( {[78019]} ) ) قال ابن زيد : قال أبو لهب للنبي صلى الله عليه وسلم : وماذا أعطى –يا محمد- إن آمنت بربك ؟ قال : كما يعطى المسلمون . قال [ فمالي ] ( {[78020]} ) عليكم( {[78021]} ) فضل  ! قال : تبا وأي شيء [ تبتغي ] ( {[78022]} ) ؟ قال : تبا لهذا من دين ، ( تبا ) ( {[78023]} ) أن أكون أنا وهؤلاء سواءً ، فأنزل الله { تبت يدا أبي لهب وتب }( {[78024]} ) ، فعلى هذا يكون مجازا ، والمراد به عين أبي لهب لا يداه .

وروي أن النبي خص( {[78025]} ) . عشيرته بالدعوة إذا نزل عليه : { وأنذر عشيرتك الأقربين }( {[78026]} ) فجمعه ودعاهم وأنذرهم ، فقال له أبو لهب : تبا لك ساءلا اليوم ألهذا دعوتنا ، فأنزل الله { تبت يدا أبي لهب وتب }( {[78027]} ) .

قال ابن عباس : صعد النبي ذات يوم [ الصفا ] ( {[78028]} ) ، فقال : يا صباحاه( {[78029]} ) ، فاجتمعت إليه قريش فقالوا : مالك ؟ فقال : أرأيتكم إن ( أخبرتكم ) ( {[78030]} ) أن العدو [ مصبحكم ] ( {[78031]} ) ) أو ممسيكم ، أما كنتم تصدقونني ؟ قالوا : بلى . قال : نذير لكم( {[78032]} ) . بين يدي عذاب شديد . قال( {[78033]} ) [ أبو ] ( {[78034]} ) لهب : تبا لك : ألهذا دعوتنا ؟ فأنزل الله : { تبت يدا أبي لهب وتب } إلى آخر( {[78035]} ) السورة( {[78036]} ) .

وكان اسم أبي لهب : عبد العزى ، فذلك ذكر بكنيته في القرآن( {[78037]} ) .


[1]:أ: إذ.
[2]:حكاه في المحرر 16/262.
[78002]:انظر: في هذا الزواج والطلاق: السيرة لابن هشام 2/306-307 والدلائل لأبي نعيم 456-457 والدر 666-667.
[78003]:الأسد يسمى أيضا كلبا، في اللسان (كلب) "الكلب كل سبع عقور" وانظر: هذه القصة في الدلائل لأبي نعيم: 454-457 وتفسير ابن كثير 4/266.
[78004]:انظر: المحبر: 53، ولسيرة لابن هشام 2/306-307.
[78005]:هو قول ابن سعد الطبقات 4/60 وانظر: الإصابة 4/216.
[78006]:تمام الآية: ﴿... أبي لهب وتب﴾.
[78007]:ساقط من م.
[78008]:م: خبير.
[78009]:م: اهلكهم.
[78010]:انظر: جامع البيان 30/336 وإعراب ابن خالويه: 221-222.
[78011]:جامع البيان 30/336 وتفسير القرطبي 20/236 وحكاها عن أبي أيضا.
[78012]:أ: على.
[78013]:هذا القول والذي يليه ذكرهما النحاس في إعرابه 5/305 والماوردي في تفسيره: 4/539.
[78014]:م: يرى.
[78015]:أ، ث: فالأول.
[78016]:ث: اليدين.
[78017]:ث: والثاني.
[78018]:ث: النب.
[78019]:ساقط من أ، وانظر: جامع البيان 30/336.
[78020]:م، ث: مالي.
[78021]:أ، ث: عليهم.
[78022]:م: تتبع.
[78023]:ساقط من أ.
[78024]:انظر: جامع البيان 30/336.
[78025]:أ: حظى. الشعراء: 213.
[78026]:الشعراء: 213.
[78027]:هو قول ابن عباس في تفسير الماوردي 4/538.
[78028]:زيادة من "أ" تناسب السياق.
[78029]:ث: يا صباحاه.
[78030]:مكررة في ث.
[78031]:م: يصبحكم.
[78032]:أ: لكم نذير.
[78033]:أ: فقال.
[78034]:م: أبي.
[78035]:ساقط من أ، ث.
[78036]:الحديث أخرجه البخاري، في كتاب التفسير، سورة (تبت يدا أبي لهب)، ح: 4971، والطبري في جامع البيان 30/336-337 ولفظه أقرب إلى ما أورده مكي.
[78037]:انظر: جامع البيان 30/337 والأحكام للجصاص 3/477 وتفسير الماوردي.