الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وآياتها خمس .

التباب : الهلاك . ومنه قولهم : أشابة أم تابة ؟ أي : هالكة من الهرم والتعجيز . والمعنى : هلكت يداه ؛ لأنه فيما يروى : أخذ حجراً ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { وَتَبَّ } وهلك كله . أو جعلت يداه هالكتين . والمراد : هلاك جملته ، كقوله تعالى : { بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } [ الحج : 10 ] ومعنى : { وَتَبَّ } : وكان ذلك وحصل ، كقوله :

جَزَانِي جَزَاهُ اللَّهُ شَرَّ جَزَائِه *** جَزَاءَ الْكلاَبِ الْعَاوِيَاتِ وَقَدْ فَعَلْ

ويدلّ عليه قراءة ابن مسعود : «وقد تب » ، وروي : أنه لما نزل { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين } [ الشعراء : 214 ] رقى الصفا وقال : يا صباحاه ، فاستجمع إليه الناس من كل أوب . فقال : " يا بني عبد المطلب ، با بني فهر ، إن أخبرتكم أنّ بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقيَّ " ؟ قالوا : نعم ؛ قال : " فإني نذير لكم بين يدي الساعة " ؛ فقال أبو لهب : تباً لك ، ألهذا دعوتنا ؟ فنزلت .

فإن قلت : لم كناه ، والتكنية تكرمة ؟ قلت : فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أن يكون مشتهراً بالكنية دون الاسم ، فقد يكون الرجل معروفاً بأحدهما ، ولذلك تجري الكنية على الاسم ، أو الاسم على الكنية عطف بيان ، فلما أريد تشهيره بدعوة السوء ، وأن تبقى سمة له ، ذكر الأشهر من علميه ، ويؤيد ذلك قراءة من قرأ «يدا أبو لهب » ، كما قيل : علي بن أبو طالب . ومعاوية بن أبو سفيان ؛ لئلا يغير منه شيء فيشكل على السامع ، ولفليتة بن قاسم أمير مكة ابنان ، أحدهما : عبد الله ، بالجرّ ، والآخر عبد الله ، بالنصب . كان بمكة رجل يقال له : عبد الله ، بجرّة الدال ، لا يعرف إلاّ هكذا . والثاني : أنه كان اسمه عبد العزّى ، فعدّل عنه إلى كنيته . والثالث : أنه لما كان من أهل النار ، ومآله إلى نار ذات لهب ، وافقت حاله كنيته ؛ فكان جديراً بأن يذكر بها . ويقال : أبو لهب ، كما يقال : أبو الشر ، للشرير . وأبو الخير ، للخير ، وكما كنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا المهلب : أبا صفرة ، بصفرة في وجهه . وقيل : كنى بذلك لتهلب وجنتيه وإشراقهما ، فيجوز أن يذكر بذلك تهكماً به ، وبافتخاره بذلك . وقرىء : «أبي لهب » بالسكون . وهو من تغيير الأعلام ، كقولهم : شمس بن مالك بالضم .