المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (100)

100- وسار الركب داخل مصر حتى بلغ دار يوسف ، فدخلوها وصدَّر يوسف أبويه ، فأجلسهما على سرير ، وغمر يعقوب وأهله شعور بجليل ما هيأ اللَّه لهم على يدي يوسف ، إذ جمع به شمل الأسرة بعد الشتات ونقلها إلى مكان عظيم من العزة والتكريم ، فحيَّوه تحية مألوفة تعارف الناس عليها في القديم للرؤساء والحاكمين ، وأظهروا الخضوع لحكمه ، فأثار ذلك في نفس يوسف ذكرى حلمه وهو صغير ، فقال لأبيه : هذا تفسير ما قصصت عليك من قبل من رؤيا ، حين رأيت في المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين لي ، قد حققه ربي ، وقد أكرمني وأحسن إلىَّ ، فأظهر براءتي ، وخلصني من السجن ، وأتى بكم من البادية لنلتقي من بعد أن أفسد الشيطان بيني وبين إخوتي ، وأغراهم بي ، وما كان لهذا كله أن يتم بغير صنع اللَّه ، فهو رفيق التدبير والتسخير لتنفيذ ما يريد ، وهو المحيط علما بكل شيء ، البالغ حكمه في كل تصرف وقضاء .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (100)

قوله تعالى : { ورفع أبويه على العرش } أي : على السرير ، أجلسهما . والرفع : هو النقل إلى العلو . { وخروا له سجداً } يعني : يعقوب وخالته وإخوته . وكانت تحية الناس يومئذ السجود ، ولم يرد بالسجود وضع الجباه على الأرض ، وإنما هو الانحناء والتواضع . وقيل : وضعوا الجباه على الأرض وكان ذلك على طريق التحية والتعظيم ، لا على طريق العبادة . وكان ذلك جائزا في الأمم السالفة فنسخ في هذه الشريعة . وروي عن ابن عباس أنه قال : معناه : خروا لله عز وجل سجدا بين يدي يوسف . والأول أصح . { وقال } يوسف عند ذلك : { يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً } ، وهو قوله : { إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } { وقد أحسن بي } ربي ، أي : أنعم علي ، { إذ أخرجني من السجن } ، ولم يقل من الجب مع كونه أشد بلاء من السجن ، استعمالا للكرم ، لكيلا يخجل إخوته بعدما قال لهم : { لا تثريب عليكم اليوم } ، ولأن نعمة الله عليه في إخراجه من السجن أعظم ، لأنه بعد الخروج من الجب صار إلى العبودية والرق ، وبعد الخروج من السجن صار إلى الملك ، ولأنو وقوعه في البئر كان لحسد إخوته ، وفي السجن مكافأة من الله تعالى لزلة كانت منه . { وجاء بكم من البدو } ، والبدو بسيط من الأرض يسكنه أهل المواشي بماشيتهم ، وكانوا أهل بادية ومواشي ، يقال بدا يبدو إذا صار إلى البادية { من بعد أن نزغ } أفسد ، { الشيطان بيني وبين إخوتي } بالحسد { إن ربي لطيف } ، أي : ذو لطف { لما يشاء } وقيل : معناه بمن يشاء . وحقيقة اللطيف : الذي يوصل الإحسان إلى غيره بالرفق { إنه هو العليم الحكيم } . قال أهل التاريخ : أقام يعقوب بمصر عند يوسف أربعا وعشرين سنة في أغبط حال وأهنأ عيش ، ثم مات بمصر ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفنه عند أبيه إسحاق ، ففعل يوسف ذلك ، ومضى به حتى دفنه بالشام ، ثم انصرف إلى مصر .

قال سعيد بن جبير : نقل يعقوب عليه السلام في تابوت من ساج إلى بيت المقدس ، فوافق ذلك اليوم الذي مات فيه العيص فدفنا في قبر واحد ، وكانا ولدا في بطن واحد ، وكان عمرهما مائة وسبعا وأربعين سنة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (100)

{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ } أي : على سرير الملك ، ومجلس العزيز ، { وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا } أي : أبوه ، وأمه وإخوته ، سجودا على وجه التعظيم والتبجيل والإكرام ، { وَقَالَ } لما رأى هذه الحال ، ورأى سجودهم له : { يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ } حين رأي أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين ، فهذا وقوعها الذي آلت إليه ووصلت { قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا } فلم يجعلها أضغاث أحلام .

{ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي } إحسانا جسيما { إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ } وهذا من لطفه وحسن خطابه عليه السلام ، حيث ذكر حاله في السجن ، ولم يذكر حاله في الجب ، لتمام عفوه عن إخوته ، وأنه لا يذكر ذلك الذنب ، وأن إتيانكم من البادية من إحسان الله إلي .

فلم يقل : جاء بكم من الجوع والنصب ، ولا قال : " أحسن بكم " بل قال { أَحْسَنَ بِي } جعل الإحسان عائدا إليه ، فتبارك من يختص برحمته من يشاء من عباده ، ويهب لهم من لدنه رحمة إنه هو الوهاب . { مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي } فلم يقل " نزغ الشيطان إخوتي " بل كأن الذنب والجهل ، صدر من الطرفين ، فالحمد لله الذي أخزى الشيطان ودحره ، وجمعنا بعد تلك الفرقة الشاقة .

{ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ } يوصل بره وإحسانه إلى العبد من حيث لا يشعر ، ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها ، { إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ } الذي يعلم ظواهر الأمور وبواطنها ، وسرائر العباد وضمائرهم ، { الْحَكِيمُ } في وضعه الأشياء مواضعها ، وسوقه الأمور إلى أوقاتها المقدرة لها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (100)

والمراد بالعرش في قوله { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش } السرير الذي يجلس عليه .

أى : وأجلس يوسف أبويه معه على السرير الذي يجلس عليه ، تكريماً لهما ، وإعلاء من شأنهما .

{ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } أى : وخر يعقوب وأسرته ساجدين من أجل يوسف ، وكان ذلك جائزا في شريعتهم على أنه لون من التحية ، وليس المقصود به السجود الشرعى لأنه لا يكون إلا الله - تعالى - .

{ وَقَالَ } يوسف متحدثاً بنعمة الله { ياأبت هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً . . . }

أى : وقال يوسف لأبيه : هذا السجود الذي سجدتموه لى الآن ، هو تفسير رؤياى التي رأيتها في صغرى ، فقد جعل ربى هذه الرؤيا حقاً ، وأرانى تأويلها وتفسيرها بعد أن مضى عليها الزمن الطويل .

قالوا : وكان بين الرؤيا وبين ظهور تأويلها أربعون سنة .

والمراد بهذه الرؤيا ما أشار إليه القرآن في مطلع هذه السورة في قوله { ياأبت إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } ثم قال يوسف لأبيه أيضاً : { وَقَدْ أَحْسَنَ بي } ربى - عز وجل - { إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السجن } بعد أن مكثت بين جدرانه بضع سنين .

وعدى فعل الإِحسان بالباء مع أن الأصل فيه أن يتعدى بإلى ، لتضمنه معنى اللطف ولم يذكر نعمة إخراجه من الجب ، حتى لا يجرح شعور إخوته الذين سبق أن قال لهم : { لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليوم يَغْفِرُ الله لَكُمْ } وقوله { وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ البدو } معطوف على ما قبله تعدادا لنعم الله - تعالى - .

أى : وقد أحسن بى ربى حيث أخرجنى من السجن ، وأحسن بى أيضاً حيث يسر لكم أموركم ، وجمعنى بكم في مصر ، بعد أن كنتم مقيمين في البادية في أرض كنعان بفلسطين .

وقوله { مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشيطان بَيْنِي وَبَيْنَ إخوتي } أى جمعنى بكم من بعد أن أفسد الشيطان بينى وبين إخوتى ، حيث حملهم على أن يلقوا بى في الجب .

وأصل { نَّزغَ } من النزغ بمعنى النخس والدفع . يقال : نزغ الراكب دابته إذا نخسها ودفعها لتسرع في سيرها .

وأسند النزغ إلى الشيطان ، لأنه هو الموسوس به ، والدافع إليه ، ولأن في ذلك ستراً على إخوته وتأدباً معهم .

وقوله { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم } تذييل قصد به الثناء على الله - تعالى - بما هو أهله .

أى : إن ربى وخالقى ، لطيف التدبير لما يشاء تدبيره من أمور عباده ، رفيق بهم في جميع شئونهم من حيث لا يعلمون .

إنه - سبحانه - هو العليم بأحوال خلقه علماً تاماً ، الحكيم في جميع أقواله وأفعاله

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (100)

ويذكر رؤياه ويرى تأويلها بين يديه في سجود إخوته له - وقد رفع أبويه على السرير الذي يجلس عليه - كما رأى الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين :

( ورفع أبويه على العرش ، وخروا له سجدا ، وقال : يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ) . .

ثم يذكر نعمة الله عليه :

( وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ) . .

ويذكر لطف الله في تدبيره لتحقيق مشيئته :

( إن ربي لطيف لما يشاء ) . .

يحقق مشيئته بلطف ودقة خفية لا يحسها الناس ولا يشعرون بها :

( إنه هو العليم الحكيم ) . .

ذات التعبير الذي قاله يعقوب وهو يقص عليه رؤياه في مطلع القصة :

( إن ربك عليم حكيم ) . .

ليتوافق البدء والختام حتى في العبارات .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (100)

وقوله : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : يعني السرير ، أي : أجلسهما معه على سريره .

{ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا } أي : سجد له أبواه وإخوته الباقون ، وكانوا أحد عشر رجلا { وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ } أي : التي كان قصها على أبيه { إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [ يوسف : 4 ]

وقد كان هذا سائغا في شرائعهم إذا سلَّموا على الكبير يسجدون له ، ولم يزل هذا جائزًا من لدن آدم إلى شريعة عيسى ، عليه السلام ، فحرم هذا في هذه الملة ، وجُعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه وتعالى .

هذا مضمون قول قتادة وغيره .

وفي الحديث أن معاذا قدم الشام ، فوجدهم يسجدون لأساقفتهم ، فلما رجع سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ما هذا يا معاذ ؟ " فقال : إني رأيتهم يسجدون لأساقفتهم ، وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول الله فقال : " لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد ، لأمرت الزوجة{[15302]} أن تسجد لزوجها من عِظم{[15303]} حقه عليها " {[15304]} وفي حديث آخر : أن سلمان لقي النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طُرُق المدينة ، وكان سلمان حديث عهد بالإسلام ، فسجد للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لا تسجد لي يا سلمان ، واسجد للحي الذي لا يموت " {[15305]} .

والغرض أن هذا كان جائزا في شريعتهم ؛ ولهذا خروا له سُجَّدًا ، فعندها قال يوسف : { يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا } أي : هذا ما آل إليه الأمر ، فإن التأويل يطلق على ما يصير إليه الأمر ، كما قال تعالى : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ } [ الأعراف : 53 ] أي : يوم القيامة يأتيهم ما وعدوا من خير وشر .

وقوله : { قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا } أي : صحيحة صِدْقا ، يذكر نعم الله عليه ، { وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ } أي : البادية .

قال ابن جُرَيْج وغيره : كانوا أهل بادية وماشية . وقال : كانوا يسكنون بالعَربَات من أرض فلسطين ، من غور الشام . قال : وبعض يقول : كانوا بالأولاج من ناحية شعب أسفل من حسمَى ، وكانوا أصحاب بادية وشاء{[15306]} وإبل .

{ مِنْ بَعْدِ أَنْ نزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي } [ ثم قال ]{[15307]} { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ } أي : إذا أراد أمرا قيض له أسبابا ويسره وقدره ، { إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ } بمصالح عباده { الْحَكِيمُ } في أفعاله وأقواله ، وقضائه وقدره ، وما يختاره ويريده .

قال أبو عثمان النهدي ، عن سليمان{[15308]} كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة .

قال عبد الله بن شداد : وإليها{[15309]} ينتهي أقصى الرؤيا . رواه ابن جرير .

وقال أيضا : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، حدثنا هشام ، عن الحسن قال : كان منذ{[15310]} فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ، ثمانون سنة ، لم يفارق في الحزن قلبه ، ودموعه تجري على خديه ، وما على وجه الأرض عبد أحب إلى الله من يعقوب{[15311]} .

وقال هُشَيْم ، عن يونس ، عن الحسن : ثلاث وثمانون سنة .

وقال مبارك بن فضالة ، عن الحسن : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، فغاب عن أبيه ثمانين{[15312]} سنة ، وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة ، فمات وله عشرون ومائة سنة .

وقال قتادة : كان بينهما خمس وثلاثون سنة .

وقال محمد بن إسحاق : ذُكر - والله أعلم - أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثماني عشرة سنة - قال : وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين{[15313]} سنة أو نحوها ، وأن يعقوب ، عليه السلام ، بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة ، ثم قبضه الله إليه .

وقال أبو إسحاق السَّبِيعي ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال : دخل بنو إسرائيل مصر ، وهم ثلاثة وستون إنسانا ، وخرجوا منها وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا .

وقال أبو إسحاق ، عن مسروق : دخلوا وهم ثلثمائة وتسعون من بين رجل وامرأة . والله{[15314]} أعلم .

وقال موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القُرَظي ، عن عبد الله بن شداد : اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر . وهم ستة وثمانون إنسانا ، صغيرهم وكبيرهم ، وذكرهم وأنثاهم ، وخرجوا منها وهم ستمائة ألف ونيف .


[15302]:- في ت ، أ : "المرأة"
[15303]:- في ت : "عظيم".
[15304]:- رواه أحمد في المسند (4/381) وابن ماجه في السنن برقم (1853) من حديث معاذ رضي الله عنه ، وصححه ابن حبان.
[15305]:- رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/103) من طريق شهر بن حوشب ، عن سلمان رضي الله عنه ، وسيأتي عند تفسير الآية : 58 من سورة الفرقان.
[15306]:- في أ : "وماشية".
[15307]:- زيادة من ت ، أ.
[15308]:- في أ : "عن سلمان قال".
[15309]:- في ت : "وإليه".
[15310]:- في ت : "مذ".
[15311]:- تفسير الطبري (1/273).
[15312]:- في أ : "ثمانون".
[15313]:- في أ : أربعون".
[15314]:- في ت ، أ : "فالله".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (100)

وقوله : وَرَفَعَ أبَوَيْهِ على العَرْشِ يعني : على السرير . كما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : وَرَفَعَ أبَوَيْهِ على العَرْشِ قال : السرير .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن يزيد الواسطيّ ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : العرش : السرير .

قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَرَفَعَ أبَوَيْهِ على العَرْشِ قال : السرير .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وحدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَرَفَعَ أبَوَيْهِ على العَرْشِ قال : سريره .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : عَلى العَرْشِ قال : على السرير .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَرَفَعَ أبَوَيْهِ على العَرْشِ يقول : رفع أبويه على السرير .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : قال سفيان : وَرَفَعَ أبَوَيْهِ على العَرْشِ قال : على السرير .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَرَفَعَ أبَوَيْهِ على العَرْشِ قال : مجلسه .

حدثني ابن عبد الرحيم البرقيّ ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سألت زيد بن أسلم ، عن قول الله تعالى : وَرَفَعَ أبَوَيْهِ على العَرْشِ فقلت : أبلغك أنها خالته ، قال : قال ذلك بعض أهل العلم ، يقولون : إن أمه ماتت قبل ذلك وإن هذه خالته .

وقوله : وخَرّوا لَهُ سُجّدا يقول : وخرّ يعقوبُ وولده وأمه ليوسف سجدا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وخَرّوا لَهُ سُجّدا يقول : رفع أبويه على السرير ، وسجدا له ، وسجد له إخوته .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : تَحَمّلَ يعني يعقوب بأهله حتى قدموا على يوسف فلما اجتمع إلى يعقوب بنوه دخلوا على يوسف فلما رأوه وقعوا له سجودا ، وكانت تلك تحية الملوك في ذلك الزمان أبوه وأمه وإخوته .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَخَرّوا لَهُ سُجّدا وكانت تحية من قبلكم ، كان بها يحييّ بعضهم بعضا ، فأعطى الله هذه الأمة السلام ، تحية أهل الجنة ، كرامة من الله تبارك وتعالى عَجّلَها لهم ونعمة منه .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَخَرّوا لَهُ سُجّدا قال : وكانت تحية الناس يومئذٍ أن يسجد بعضهم لبعض .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، قال : قال سفيان : وَخَرّوا لَهُ سُجّدا قال : كانت تحية فيهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : وَخَرّوا لَهُ سُجّدا أبواه وإخوته ، كانت تلك تحيتهم كما تصنع ناس اليوم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربيّ ، عن جويبر ، عن الضحاك : وَخَرّوا لَهُ سُجّدا قال : تحية بينهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَخَرّوا لَهُ سُجّدا قال : قال ذلك السجود تشرفه ، كما سجدت الملائكة لاَدم تشرفة ليس بسجود عبادة .

وإنما عنى من ذكر بقوله : إن السجود كان تحية بينهم ، أن ذلك كان منهم على الخُلُق لا على وجه العبادة من بعضهم لبعض . ومما يدلّ على أن ذلك لم يزل من أخلاق الناس قديما على غير وجه العبادة من بعضهم لبعض ، قول أعشى بني ثعلبة :

فَلَمّا أتانا بُعَيْدَ الكَرَى *** سَجَدْنا لَهُ وَرَفَعْنا العَمَارَا

وقوله : يا أبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبّي حَقّا يقول جلّ ثناؤه : قال يوسف لأبيه : يا أبت هذا السجود الذي سجدت أنت وأمي وإخوتي لي تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ يقول : ما آلت إليه رؤياي التي كنت رأيتها . وهي رؤياه التي كان رآها قبل صنيع إخوته ما صنعوا ، أن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدون . قَدْ جَعَلَها رَبّي حَقّا يقول : قد حققها ربي لمجيء تأويلها على الصحة .

وقد اختلف أهل العلم في قدر المدّة التي كانت بين رؤيا يوسف وبين تأويلها فقال بعضهم : كانت مدة ذلك أربعين سنة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، قال : حدثنا أبو عثمان ، عن سلمان الفارسيّ ، قال : كان بين رؤيا يوسف إلى أن رأى تأويلها أربعون سنة .

حدثني يعقوب بن برهان ويعقوب بن إبراهيم ، قالا : حدثنا ابن عُليَة ، قال : حدثنا سليمان التيميّ ، عن أبي عثمان النهديّ ، قال : قال عثمان : كانت بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويله ، قال : فذكر أربعين سنة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن التيميّ ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن شدّاد ، قال : رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عاما .

قال : حدثنا سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، مثله .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ضرار ، عن عبد الله بن شداد أنه سمع قوما يتنازعون في رؤيا رآها بعضهم وهو يصلي ، فلما انصرف سألهم عنها ، فكتموه فقال : أما إنه جاء تأويل رؤيا يوسف بعد أربعين عاما .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن ضرار بن مرّة أبي سنان ، عن عبد الله بن شدّاد ، قال : كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل وجرير ، عن أبي سنان ، قال : سمعت عبد الله بن شدّاد قوما يتنازعون في رؤيا ، فذكر نحو حديث أبي السائب ، عن ابن فُضَيل .

حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : رأى تأويل رؤياه بعد أربعين عاما .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن شداد ، قال : وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنة ، وإليها تنتهي أقصى الرؤيا .

قال : حدثنا معاذ بن معاذ ، قال : حدثنا سليمان التيميّ ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة .

قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سليمان التيميّ ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كان بين رؤيا يوسف وبين عبارتها أربعون سنة .

قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، قال : حدثنا هشيم ، عن سليمان التيميّ ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كان بين رؤيا يوسف وبين أن رأى تأويلها أربعون سنة .

قال : حدثنا عمرو بن محمد العنقزيّ ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن شدّاد ، قال : كان بين رؤيا يوسف وبين تعبيرها أربعون سنة .

وقال آخرون : كانت مدة ذلك ثمانين سنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، قال : حدثنا هشام ، عن الحسن ، قال : كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ثمانون سنة لم يفارق الحزن قلبه ، ودموعه تجري على خدّيه ، وما على وجه الأرض يومئذٍ عبد أحبّ إلى الله من يعقوب .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن أبي جعفر جسر بن فَرْقَد ، قال : كان بين أن فقد يعقوب يوسف إلى يومَ رُدّ عليه ثمانون سنة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حسن بن عليّ ، عن فضيل بن عياض ، قال : سمعت أنه كان بين فراق يوسف حجر يعقوب إلى أن التقيا ثمانون سنة .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا داود بن مهران ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن يونس ، عن الحسن ، قال : أُلقي يوسف في الجبّ وهو ابن سبع عشرة سنة ، وكان بين ذلك وبين لقائه يعقوب ثمانون سنة ، وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة ، ومات وهو ابن عشرين ومئة سنة .

قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، قال : حدثنا هشيم ، عن يونس ، عن الحسن ، نحوه ، غير أنه قال : ثلاث وثمانون سنة .

قال : حدثنا داود بن مهران ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن يونس ، عن الحسن ، قال : ألقي يوسف في الجبّ وهو ابن سبع عشرة سنة ، وكان في العبودية وفي السجن وفي الملك ثمانين سنة ، ثم جمع الله عزّ وجلّ شمله وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، قال : أُلقي يوسف في الجبّ وهو ابن سبع عشرة ، فغاب عن أبيه ثمانين سنة ، ثم عاش بعدما جمع الله له شمله ، ورأى تأويل رؤياه ثلاثا وعشرين سنة ، فمات وهو ابن عشرين ومئة سنة .

حدثنا مجاهد ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا هشيم ، عن الحسن ، قال : غاب يوسف عن أبيه في الجبّ وفي السجن حتى التقيا ثمانين عاما ، فما جفت عينا يعقوب ، وما على الأرض أحد أكرم على الله من يعقوب .

وقال آخرون : كانت مدة ذلك ثمان عشرة سنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ذُكر لي والله أعلم أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثمان عشرة سنة ، قال : وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها ، وأن يعقوب بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة ، ثم قبضه الله إليه .

وقوله : وَقَدْ أحْسَنَ بِي إذْ أخْرَجَنِي مِنَ السّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ البَدْوِ يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن قيل يوسف : وقد أحسن الله بي في إخراجه إياي من السجن الذي كنت فيه محبوسا ، وفي مجيئه بكم من البدو . وذلك أن مسكن يعقوب وولده فيما ذُكر كان ببادية فِلَسْطين كذلك .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان منزل يعقوب وولده فيما ذَكر لي بعض أهل العلم بالعَرَبات من أرض فلسطين ثغور الشام ، وبعض يقول بالأولاج من ناحية الشعب ، وكان صاحبَ بادية له إبل وشاء .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أخبرنا شيخ لنا أن يعقوب كان ببادية فلسطين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَقَدْ أحْسَنَ بِي إذْ أخْرَجَنِي مِنَ السّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ البَدْوِ وكان يعقوب وبنوه أرض كنعان أهل مواش وبرية .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : وَجاء بِكُمْ مِنَ البَدوِ وقال : كانوا أهل بادية وماشية .

والبدو مصدر من قول القائل : بدا فلان : إذا صار بالبادية يبدو بدوا . وذُكر أن يعقوب دخل مصر هو ومن معه من أولاده وأهاليهم وأبنائهم يوم دخلوها وهم أقلّ من مئة ، وخرجوا منها يوم خرجوا منها وهم زيادة على ستّ مئة ألف . ذكر الرواية بذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن الحباب وعمرو بن محمد ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن عبد الله بن شدّاد ، قال : اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر وهم ستة وثمانون إنسانا ، صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم ، وخرجوا من مصر يوم أخرجهم فرعون وهم ستّ مئة ألف ونيف .

قال : حدثنا عمرو ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : خرج أهل يوسف من مصر وهم ستّ مئة ألف وسبعون ألفا ، فقال فرعون : إن هؤلاء لشرذمة قليلون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن إسرائيل والمسعودي ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن ابن مسعود ، قال : دخل بنو إسرائيل مصر وهم ثلاث وستون إنسانا ، وخرجوا منها وهم ستّ مئة ألف . قال إسرائيل في حديثه . ستّ مئة ألف وسبعون ألفا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مسروق ، قال : دخل أهل يوسف مصر وهم ثلاث مئة وتسعون من بين رجل وامرأة .

وقوله : مِنْ بَعْدِ أنْ نَزَغَ الشّيْطانُ بَيْنِي وبينَ إخْوَتي يعني : من بعد أن أفسد ما بيني وبينهم وجهل بعضنا على بعض ، يقال منه : نَزَغَ الشيطان بين فلان وفلان ، يَنْزَغُ نَزْغا ونُزُوغا .

وقوله : إنّ رَبّي لَطِيفٌ لَما يَشاءُ يقول : إن ربي ذو لطف وصنع لما يشاء ، ومن لطفه وصنعه أنه أخرجني من السجن وجاء بأهلي من البدو بعد الذي كان بيني وبينهم من بُعد الدار وبعد ما كنت فيه من العبودة والرقّ والإسار . كالذي :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ رَبّي لَطِيفٌ لِمَا يَشاءُ لطف بيوسف وصنع له حتى أخرجه من السجن ، وجاء بأهله من البدو ، ونزع من قلبه نزغ الشيطان وتحريشه على إخوته .

وقوله : إنّهُ هُوَ العَلِيمُ بمصالح خلقه ، وغير ذلك لا يخفى عليه مبادي الأمور وعواقبها . الحَكيمُ في تدبيره .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (100)

{ ورفع أبويه على العرش وخرّوا له سجّداً } تحية وتكرمة له فإن السجود كان عندهم يجري مجراها . وقيل معناه خروا لأجله سجدا لله شكرا . وقيل الضمير لله تعالى والواو لأبويه وإخوته والرفع مؤخر عن الخرور وإن قدم لفظا للإهتمام بتعظيمه لهما . { وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل } التي رأيتها أيام الصبا . { وقد جعلها ربي حقا } صدقا . { وقد أحسن بي إذا أخرجني من السجن } ولم يذكر الجب لئلا يكون تثريبا عليهم . { وجاء بكم من البدو } من البادية لأنهم كانوا أصحاب المواشي وأهل البدو . { من بعد أن نزع الشيطان بيني وبين إخوتي } أفسد بيننا وحرش ، من نزغ الرائض الدابة إذا نخسها وحملها على الجري . { إن ربي لطيف لما يشاء } لطيف التدبير له إذا ما من صعب إلا وتنفذ فيه مشيئته ويتسهل دونها . { إنه هو العليم } بوجود المصالح والتدابير . { الحكيم } الذي يفعل كل شيء في وقته وعلى وجه يقتضي الحكمة . روي : أن يوسف طاف بأبيه عليهما الصلاة السلام في خزائنه فلما أدخله خزانة القراطيس قال : يا بني ما أعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت إلى على ثمان مراحل قال : أمرني جبريل عليه السلام قال : أو ما تسأله قال : أنت أبسط مني إليه فاسأله فقال جبريل : الله أمرني بذلك . لقولك : { وأخاف أن يأكله الذئب } قال فهلا خفتني .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (100)

العرش : سرير للقعود فيكون مرتفعاً على سوق ، وفيه سعة تمكن الجالس من الاتّكاء . والسجود : وضع الجبهة على الأرض تعظيماً للذات أو لصورتها أو لذِكرها ، قال الأعشى :

فلما أتانا بُعيد الكَرى *** سَجدنا له ورفَعْنا العَمَار{[253]}

وفعله قاصر فيعدى إلى مفعوله باللام كما في الآية .

والخرور : الهوي والسقوط من علو إلى الأرض .

والذين خروا سُجداً هم أبواه وإخوته كما يدل له قوله : { هذا تأويل رؤياي } وهم أحد عشر وهم : رأوبين ، وشمعون ، ولاوي ، ويهوذا ، ويساكر ، وربولون ، وجاد ، وأشير ، ودان ، ونفتالي ، وبنيامين . و { الشمس } ، و { القمر } ، تعبيرهما أبواه يعقوب عليه السلام وراحيل .

وكان السجود تحية الملوك وأضرابهم ، ولم يكن يومئذٍ ممنوعاً في الشرائع وإنما منعه الإسلام لغير الله تحقيقاً لمعنى مساواة الناس في العبودية والمخلوقية . ولذلك فلا يعدّ قبوله السجودَ من أبيه عقوقاً لأنه لا غضاضة عليهما منه إذ هو عادتهم .

والأحسن أن تكون جملة { وخروا } حالية لأن التحية كانت قبل أن يرفع أبويه على العرش ، على أن الواو لا تفيد ترتيباً .

و { سجدا } حال مبيّنة لأن الخرور يقع بكيفيات كثيرة .

والإشارة في قوله : { هذا تأويل رؤياي } إشارة إلى سجود أبويه وإخوته له هو مصداق رؤياه الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً سُجداً له .

وتأويل الرؤيا تقدم عند قوله : { نبئنا بتأويله } [ سورة يوسف : 36 ] .

ومعنى قد جعلها ربي حقا } أنها كانت من الأخبار الرمزية التي يكاشِف بها العقل الحوادث المغيبة عن الحس ، أي ولم يجعلها باطلاً من أضعاث الأحلام الناشئة عن غلبة الأخلاط الغذائية أو الانحرافات الدماغية .

ومعنى { أحسن بي } أحسن إليّ . يقال : أحسن به وأحسن إليه ، من غير تضمين معنى فعل آخر . وقيل : هو بتضمين أحسن معنى لطف . وباء { بي } للملابسة أي جعل إحسانه ملابساً لي ، وخصّ من إحسان الله إليه دون مطلق الحضور للامتيار أو الزيادة إحسانين هما يوم أخرجه من السجن ومجيء عشيرته من البادية .

فإن { إذْ } ظرف زمان لفعل { أحسن } فهي بإضافتها إلى ذلك الفعل اقتضت وقوع إحسان غير معدود ، فإن ذلك الوقت كان زمنَ ثبوت براءته من الإثم الذي رمته به امرأة العزيز وتلك منة ، وزمنَ خلاصه من السجن فإن السجن عذاب النفس بالانفصال عن الأصدقاء والأحبّة ، وبخلطة من لا يشاكلونه ، وبشْغله عن خلوة نفسه بتلقي الآداب الإلهية ، وكان أيضاً زمن إقبال الملك عليه . وأما مجيء أهله فزوال ألم نفساني بوحشته في الانفراد عن قرابته وشوقه إلى لقائهم ، فأفصح بذكر خروجه من السجن ، ومجيء أهله من البدوِ إلى حيث هو مكين قويّ .

وأشار إلى مصائبه السابقة من الإبقاء في الجبّ ، ومشاهدة مكر إخوته به بقوله : { من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } ، فكلمة { بعد } اقتضت أن ذلك شيء انقضى أثره . وقد ألم به إجمالاً اقتصاراً على شكر النعمة وإعراضاً عن التذكير بتلك الحوادث المكدرة للصلة بينه وبين إخوته فمرّ بها مرّ الكرام وباعدها عنهم بقدر الإمكان إذ ناطها بنزغ الشيطان .

والمجيء في قوله : { وجاء بكم من البدو } نعمة ، فأسنده إلى الله تعالى وهو مجيئهم بقصد الاستيطان حيث هو .

والبَدْو : ضد الحضر ، سمي بَدواً لأن سكانه بادُون ، أي ظَاهرون لكل واردٍ ، إذ لا تحجبهم جدران ولا تغلق عليهم أبواب . وذكر { من البدو } إظهار لتمام النعمة ، لأن انتقال أهل البادية إلى المدينة ارتقاء في الحضارة .

والنزغ : مجاز في إدخال الفساد في النفس . شُبه بنزغ الراكب الدابّة وهو نخسها . وتقدم عند قوله تعالى : { وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ } في سورة الأعراف ( 200 ) .

وجملة إن ربي لطيف لما يشاء } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لقصد الاهتمام بها وتعليم مضمونها .

واللطف : تدبير الملائم . وهو يتعدّى باللام على تقدير لطيف لأجل ما يشاء اللطف به ، ويتعدى بالباء قال تعالى : { الله لطيف بعباده } [ الشورى : 19 ] . وقد تقدم تحقيق معنى اللطف عند قوله تعالى : { وهو اللطيف الخبير } في سورة الأنعام ( 103 ) .

وجملة { إنه هو العليم الحكيم } مستأنفة أيضاً أو تعليل لجملة { إن ربي لطيف لما يشاء } . وحرف التوكيد للاهتمام ، وتوسيط ضمير الفصل للتقوية .

وتفسير { العليم } تقدم عند قوله تعالى : { إنك أنت العليم الحكيم } في سورة البقرة ( 32 ) . و{ الحكيم } تقدم عند قوله : { فاعلموا أن الله عزيز حكيم } أواسط سورة البقرة ( 209 ) .


[253]:العمار – بفتح العين المهملة وتخفيف الميم- هو الريحان أو الآس كانوا يحملونه عند تحية الملوك، قال النابغة: يحيون بالريحان يوم السباسب -