تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (100)

وقوله تعالى : ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ) /258-أ/ يشبه أن يكون قوله ( آوى إليه أبويه ) هو ما ذكر من رفعه إياهما على العرش ، وخص بالذكر[ في الأصل وم : يذكر ] أبويه بالرفع على العرش .

فيحتمل أن يكون رفع أبويه وإخوته[ في الأصل وم : وإخوته ] جميعا لأنه لو لم يرفعهم ، وقد كان عفا عنهم لما أقروا بالخطإ وقال : ( لا تثريب عليكم اليوم )[ الآية : 92 ] لكان يقع عندهم أنه قد بقي شيء مما كان منهم إليه . لكنه خص أبويه بالذكر منهم ، ومجدهما ، على ما يخص الأشراف و الأعاظم نحو قوله : ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه )[ هود : 96و97 ] ونحوه .

ودل رفع أبويه على العرش على أن اتخاذ العرش والجلوس عليه لا بأس به ؛ إذ لو كان لا يحل ولا يباح ذلك لكان يوسف لا يتخذه ، ولا كان يعقوب عليه . دل ذلك منهما أن ذلك مباح ، لا بأس به ، والله أعلم

وقوله تعالى : ( وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) قال بعضهم من أهل التأويل : كانت تحيتهم يومئذ في ما بينهم السجود [ يسجد ][ من م ، ساقطة من الأصل ] بعضهم لبعض مكان ما يسلم بعضنا على بعض . وأما اليوم فهو غير مباح وإنما التحية في السلام . لكن السجود لدون الله ليس يكره لنفس السجود وإنما يكره ، وينهى عما في السجود ، وهو العبادة .

والتسفل لا يحل لأحد أن يجعل العبادة والتسفل له دون الله . وأما نفس السجود فإنه كالقيام والقعود وغيره من الأحوال يكون فيها المراد ، والله أعلم .

ويحتمل قوله : ( وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) أي خروا له خاضعين له ذليلين . وقال بعضهم : ( وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) أي خروا له سجدا شكرا له لما جمع بينهم ورفع ما كان بينهم وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما .

وقوله تعالى : ( وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ) أي حقق تلك الرؤيا التي رأيتها من قبل ، وجعلها صدقا . رأى يوسف رؤياه [ فتحققت ][ ساقطة من الأصل وم ] بعد حين ووقت وزمان طويل .

فهذا يدل أن الخطاب إذا قرع السمع يجوز أن يأتي بيانه[ في الأصل وم : بنائه ] من بعد حين وزمان ، ويجوز أن يكون مقرونا به . وليس في تأخر بيان الخطاب تلبيس ولا تشبيه على ما قال بعض الناس .

وقوله تعالى : ( وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ ) ولم يقل : سجنت ، وحبست وأمثاله مما كان ابتلاه الله به .

وقوله تعالى : ( وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ ) قيل : من البادية لأنهم كانوا أهل بادية أصحاب المواشي .

وقوله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ) قال بعضهم : نزغ أي فرق ؛ بعدما فرق بيني وبين إخوتي . وكان النزغ الإفساد على ما ذكره أهل التأويل أي بعدما أفسد الشيطان بيني وبين إخوتي . وأضاف ذلك إلى الشيطان لما كان قال لهم : ( لا تثريب عليكم اليوم )[ الآية : 92 ] حين أقروا له بالفضل والخطإ في فعلهم .

وقوله تعالى : ( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ) لطيف هو اسم لشيئين :

[ أحدهما : ][ ساقطة من الأصل وم ] اسم البر والعطف . يقال : فلان لطيف أي بار عاطف .

الثاني : يقال : لطيف أي عليم بما يلطف من الأشياء ، ويصغر كما يعلم بما يعظم ، ويجسم ، أو يقال : لطيف أي يعلم المستور من الأمور الخفية على الخلق كما يعلم الظاهرة منها والبادية ، لا يخفى عليه شيء ( فإنه يعلم السر وأخفى )[ طه : 7 ] .

يقال : إنه عظيم ولطيف ليعلم أن ليس يفهم من عظمه ما يفهم من عظم الخلق ؛ إذ لا يجوز في [ أحد من ][ ساقطة من الأصل وم ] الخلق أن يكون عظيما لطيفا ويجوز في الله ليعلم أن ما يفهم من هذا غير ما يفهم من الآخر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) بما كان ، ويكون ، وما ظهر ، وما بطن ، وما يسر ، وما يعلن ، وبكل شيء عليم : بعواقب الأمور وبدايتها ( الحكيم ) حكم بعلم ووضع كل شيء موضعه ، لم يحكم بجهل ولا غفلة ولا سفه على ما يحكم الخلق . تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

ثلاث آيات في سورة يوسف على المعتزلة : قوله : ( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن )[ الآية : 33 ] أخبر أنه لو لم يصرف عنه[ في الأصل وم : عني ] كيدهن مال إليهن ، وهم يقولون قد صرف عن كل أحد السوء والكيد ، لكن لم يصرف عنه .

كذلك قوله : ( إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي )[ الآية : 53 ] أخبر [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] إذا رحمه امتنع عن السوء والأمر به وهم يقولون إنه وإن رحمه[ في الأصل وم : رحم ] لا يمتنع عن السوء ولا الأمر به .

وكذلك قوله : ( نصيب برحمتنا من نشاء )[ الآية : 56 ] وهم يقولون : ليس له أن يصيب أحدا دون أحد من رحمته ، ولا أن يخص أحد بذلك .