غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (100)

{ ورفع أبويه على العرش } السرير الرفيع الذي كان يجلس عليه { وخروا له سجداً } لسائل أن يقول : السجود لا يجوز لغير الله فكيف سجدوا ليوسف ؟ وأيضاً تعظيم الأبوين تالي تعظيم الله سبحانه فمن أين جاز سجدة أبويه له ؟ والجواب عن ابن عباس في رواية عطاء أن المراد خرّوا لأجل وجدانه سجداً لله فكانت سجدة الشكر لله سبحانه ، وكذا التأويل في قوله : { والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } [ يوسف :4 ] أي أنها سجدت لله تعالى لأجل طلب مصلحتي وإعلاء منصبي . وأحسن من هذا أن يقال : إنهم جعلوا يوسف كالقبلة وسجدوا لله شكراً على لقائه ، أو يراد بالسجدة التواضع التام على ما كانت عادتهم في ذلك الزمان من التحية ، ولعلها ما كانت إلا انحناء دون تعفير الجبهة . واعترض على هذا الوجه بأن لفظ الخرور يأباه بأن الخرور قد يعني به المرور قال تعالى { لم يخروا عليها صماً وعمياناً } [ الفرقان : 73 ] أي لم يمروا . وقيل : الضمير عائد إلى إخوته فقط . ورد بأن قوله : { هذا تأويل رؤياي } من قبل ينبو عنه . وأجيب بأن التعبير لا يلزم أن يكون مطابقاً للرؤيا من كل الوجوه فيحتمل أن تكون السجدة في حق الإخوة التواضع التام ، وفي حق أبويه مجرد ذهابهما من كنعان إلى مصر ، ففيه تعظيم تام للولد . وقيل : إنما سجد الأبوان لئلا تحمل الأنفة إخوته على عدم السجود فيصير سبباً لثوران الفتن وإحياء الأحقاد والضغائن ، أو لعله تعالى أمر يعقوب بتلك السجدة لحكمة خفية لا يعرفها إلا الله تعالى ، ورضي بذلك يوسف موافقة لأمر الله ويؤيده ما روي عن ابن عباس أن يوسف لما رأى سجودهم له اقشعر جلده ولكن لم يقل شيئاً وكأن الأمر بتلك السجدة كان من تمام التشديد والبلية والله أعلم .

{ وقد أحسن بي } يقال : أحسن به وإليه بمعنى . { إذ أخرجني من السجن } لم يذكر إخراجه من البئر لأنه نوع تثريب للإخوة وقد قال : { لا تثريب عليكم } ولأنه لم يكن نعمة لأنه حينئذ صار عبداً وصار مبتلى بالمرأة ولأن هذا الإخراج أقرب وأشمل .

{ وجاء بكم من البدو } أي من البادية سمى المكان باسم المصدر لظهور الشخص فيه من بعيد ، وكان يعقوب وولده بأرض كنعان أهل مواش يتنقلون في المياه والصحارى . قال ابن الأنباري . بدا موضع معروف هنالك . روي عن ابن عباس أن يعقوب كان قد تحول إليه وسكن فيه ومنه قدم إلى يوسف ، على هذا كان يعقوب وولده أهل الحضر والبدو قصد هذا الموضع الذي يقال له بدا والمعنى جاء بكم من قصد بدا ذكره الواحدي في البسيط . قال الجبائي والكعبي والقاضي : إنه تعالى أخبر عن يوسف أنه أضاف الإحسان إلى الله ونسب النزغ إلى الشيطان وهو الإفساد والإغراء ، ففيه دليل على أن الخير من الله دون الشر .

وأجيب بأنه إنما راعى الأدب وإلا فليس فعل الشيطان إلا الوسوسة ، وأما صرف الداعية إلى الشر فلا يقدر عليه إلا الله فإن العاقل لا يريد ضرر نفسه . { إن ربي لطيف لما يشاء } فإذا أراد حصول أمر هيأ أسبابه وإن كان في غاية البعد عن الأوهام .

{ إنه هو العليم } بالوجه الذي تسهل به الصعاب { الحكيم } في أفعاله حتى تجيء على الوجه الأصوب والنحو الأصلح . يحكى أن يوسف أخذ بيد يعقوب وطاف به في خزائنه فأدخله خزائن الورق والذهب وخزائن الحلي والثياب والسلاح وغير ذلك ، فلما أدخله خزائن القراطيس قال : يا بني ما أعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت إليّ على ثمان مراحل ! قال : أمرني جبريل . قال : أو ما تسأله ؟ قال : أنت أبسط إليه مني فسأله قال جبريل : الله أمرني بذلك لقولك : { وأخاف أن يأكله الذئب }

[ يوسف : 13 ] قال : فهلا خفتني . ثم إن يعقوب أقام معه أربعاً وعشرين سنة ثم مات وأوصى أن يدفنه بالشام إلى جنب أبيه إسحق فمضى بنفسه ودفنه ثم عاد إلى مصر وعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة .

/خ102