الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (100)

و{ العرش } : سريرُ المُلْك ، و{ خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا } [ يوسف : 100 ] أي : سجودَ تَحِيَّةٍ ، فقيل : كان كالسُّجُود المعهودِ عندنا من وَضْعِ الوجْهِ بالأرض ،

وقيل : بل دون ذلك كالرُّكوعِ البالغ ونحوه ممَّا كان سيرةَ تحيَّاتهم للملوكِ في ذلك الزمَانِ ، وأجمع المفسِّرون ؛ أنه كان سجُودَ تحيَّة لا سُجُودَ عبادةٍ ، وقال الحسنُ : الضمير في «له » للَّه عزَّ وجلَّ ، ورُدَّ هذا القولُ على الحَسَنِ .

وقوله عزَّ وجلَّ : { وَقَالَ يا أبت هذا تَأْوِيلُ رؤياي مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا } : المعنى : قال يوسُفُ ليعقوبَ ، هذا السجودُ الذي كانَ منْكُم هو ما آلَتْ إِليه رؤياي قديماً في الأحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشمْس والقمر ، { قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا } ثم أخذ عليه السلام يعدِّد نعم اللَّه عَلَيْه ، وقال : وقد أخرجني من السجن ، وترك ذكر إِخراجه من الجُبِّ ؛ لأنَّ في ذكره تجْدِيدَ فعْلِ إِخوته وخِزْيِهِم ، وتَحْرِيكَ تِلْكَ الغوائِلِ ، وتخبيثَ النفوسِ ، ووجْه آخر أنه خَرَجَ مِنَ الجُبِّ إِلى الرِّقِّ ، ومن السِّجْنِ إِلى المُلْكِ ، فالنعمةَ هنا أَوضَحُ ، { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ } فأجابهم أي من الأمور أنْ يفعله . { إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم } .

قال ( ع ) : ولا وَجْه في ترك تعريفِ يُوسُفَ أباه بحاله مُنْذُ خَرَجَ من السِّجْنِ إِلى العِزِّ إِلا الوَحْيُ مِنَ اللَّه تعالَى ؛ لَمَّا أَراد أَن يمتحن به يَعْقُوب وبنيه ، وأراد من صورة جمعهم ، لا إله إِلا هو .

وقال النَّقَّاش : كان ذلك الوحْيُ في الجُبِّ ، وهو قوله سبحانه : { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ يوسف : 15 ] ، وهذا محتمل .