تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّٗاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ} (100)

{ ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم100 } .

المفردات :

العرش : سرير الملك .

البدو : البادية . وأصل البدو : المبسوط من الأرض ، سمي بذلك ؛ لأن ما فيه يبدو للناظر ؛ لعدم ما يواريه .

نزغ : أفسد وأغرى . وأصله : من نزغ الرائض الدابة ؛ إذا همزها وحملها على الجري .

التفسير :

100 { ورفع أبويه على العرش . . . } .

أي : أصعد أبويه على السرير الذي يجلس عليه ؛ لتدبير أمور الملك ؛ تكرمة لهما ؛ زيادة عما فعله بإخوته .

{ وخروا له سجدا } .

أي : أهوى أبواه وإخوته ساجدين له ؛ سجود تحية لا سجود عبادة .

قال القرطبي : وأجمع المفسرون : أن ذلك السجود على أيّ وجه كان ؛ فإنما كان تحية لا عباده ، وعلى إثر هذا السجود ؛ ذكّر يوسف أباه برؤياه في صباه .

{ وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل } . أي : هذا السجود منكم هو العاقبة التي آلت إليها رؤياي التي رأيتها من قبل في صغري : { إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } .

{ قد جعلها ربي حقا } . أي : أمرا واقعا لا ريب فيه ، وقد رأيتموه الآن رأي العين ؛ فإخوتي مثال الكواكب الأحد عشر ، وأبي وأمي مثال الشمس والقمر .

{ وقد أحسن بي } . ربي إحسانا عظيما .

{ إذ أخرجني من السجن } . معززا مكرما إلى عرش الملك والسيادة .

ولم يذكر نعمة خروجه من الجب ؛ حتى لا يجرح شعور إخوته .

{ وجاء بكم من البدو } . معطوف على ما قبله ؛ تعدادا لنعم الله عليه . أي : وقد أحسن بي ربي حيث أخرجني من السجن ، وأحسن بي أيضا ؛ حيث يسر لي جمع الشمل ، وقدوم أسرتي من البادية ، وشظف العيش إلى الحاظرة ؛ حيث تعيش في رغد واستقرار وأمان .

قال الزمخشري : كانوا أصحاب خيام ومواش يتنقلون في الحياة والمناجع . اه .

{ من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } .

أي : أفسد بيننا ، وحمل بعضنا على بعض . أحال يوسف ذنب إخوته على الشيطان ؛ تكرما منه وتأدبا .

{ إن ربي لطيف لما يشاء } .

أي : لطيف التدبير لما يشاؤه ، حتى يجئ على وجه الحكمة والصواب ، فإذا أراد أمرا ؛ هيأ له أسبابه وقدره ويسره ، وإن كان في غاية البعد عما يخطر بالبال ، فمن ذا الذي كان يدور بخلده أن الإلقاء في الجب يعقبه الرق ، ويتلو الرق فتنة العشق ، ومن أجله يزج في غيابات السجن ، ثم إلى السيادة والملك .

{ إنه هو العليم } . بمصالح عباده ؛ فلا تخفى عليه مبادئ الأمور وغايتها ، { الحكيم } . الذي يجعل الأمور على وجه الحكمة والمصلحة ؛ فيجازي الذين أحسنوا بالحسنى ، ويجعل العاقبة للمتقين .