المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة مكية نزلت بعد سورة إبراهيم ، وآياتها 112 آية ، وهي تبين قرب الساعة ، مع غفلة المشركين عنها . وقد ادعوا أن الرسول لا يكون بشرا ، وقالوا مرة عن القرآن سحر ، ومرة شعر ، ومرة أضغاث أحلام . والنذر بين أيديهم قائمة ، وما كان الرسل إلا رجالا مثل محمد صلي الله عليه وسلم وأن السابقين قبلهم كذبوا كما كذبت قريش فدمر فقصم الله قراهم ، وهو القادر علي الإهلاك والإبقاء ، وله كل ما في السماوات والأرض ، والملائكة في معارجهم يسبحون الله تعالي ولا يفترون ، وإن صلاح السماوات والأرض دليل علي أن منشيءهما واحد ، فلو شاركه أحد لفسدتا ، والرسل جميعا جاءت بعبادة الله وحده ليس له ولد . ولا يقول أحد إن إلها آخر مع الله وإلا فجزاؤه جهنم . وبين سبحانه شأن عظمة خلقه وعجائب التكوين في السماوات والأرض ، وبين حال المشركين والكافرين ، ونبه سبحانه وتعالي إلي حفظ الله تعالي للناس ، وأشار سبحانه إلي ما يكون مكن جزاء يوم القيامة للكافرين . وذكر قصة موسى وهارون مع فرعون ، وقصة إبراهيم مع قومه وإنعامه عليه بالذرية الطيبة ، وذكر سبحانه قصة لوط وقومه وهلاكهم ، وقصة نوح عليه السلام وكفر قومه ، وإبادتهم إلا من آمن ، ثم أشار سبحانه وتعالي إلي قصص سليمان ، وداود ، وأيوب ، وإسماعيل ، وإدريس ، وذي الكفل ، وذي النون ، وزكريا ، ومريم وابنها عيسى ، وتحدث عن يأجوج ومأجوج ، وبين سبحانه العمل الصالح وثمرته ، وما يجازى به الذين اتقوا وأحسنوا وحالهم يوم القيامة ، ورحمة الله في الرسالة المحمدية ، وإنذار الله للمشركين ، وأن الأمر له يحكم وهو خير الحاكمين .

1- دنا للمشركين وقت حسابهم يوم القيامة ، وهم غافلون عن هوله ، معرضون عن الإيمان به .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأنبياء مكية وآياتها اثنتا عشرة ومائة

قوله تعالى : { اقترب للناس } قيل : " اللام " بمعنى من ، يعني : اقترب من الناس { حسابهم } يعني : وقت محاسبة الله إياهم على أعمالهم ، يعني يوم القيامة ، نزلت في منكري البعث ، { وهم في غفلة معرضون } عن التأهب له .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الأنبياء

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين .

وبعد : فهذا تفسير تحليلي لسورة ( الأنبياء ) وأسأل الله –تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده وشفيعا لنا يوم نلقاه . ( يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم ) .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

المؤلف

دحمد سيد طنطاوي

تمهيد بين يدي السورة

1- سورة الأنبياء ، من السور المكية . وعدد آياتها اثنتا عشرة ومائة عند الكوفيين .

وعند غيرهم إحدى إحدى عشرة آية ومائة . وكان نزولها بعد سورة إبراهيم .

قال الآلوسي : وهي سورة عظيمة ، فيها موعظة فخيمة ، فقد أخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية ، وابن عساكر ، عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب فأكرمه عامر ، وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه الرجل فقال : إني استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم واديا ما في العرب واد أفضل منه . وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك .

فقال عامر : لا حاجة لي في ذلك ، فقد نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا .

ثم قرأ : [ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون . . ]( {[1]} ) .

2- وعندما نقرأ هذه السورة الكريمة بتدبر وتأمل ، نراها في مطلعها تسوق لنا ما يهز القلوب ، ويحملها على الاستعداد لاستقبال يوم القيامة بالإيمان والعمل الصالح ، ويزجرها عن الغفلة والإعراض .

قال –تعالى- : [ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون . ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون . . ] .

3- ثم تحكي السورة بعد ذلك ألوانا من الشبهات التي أثارها المشركون حول الرسول صلى الله عليه وسلم وحول دعوته ، وردت عليهم بما يبطل شبهاتهم وأقوالهم ، فقال –تعالى- : [ بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه ، بل هو شاعر ، فليأتنا بآية كما أرسل الأولون* ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون* وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون* وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ] .

4- ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك أدلة متعددة على وحدانية الله –تعالى- وعلى شمول قدرته . منها قوله –عز وجل- : [ أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون* لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون* لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ] .

وقوله –سبحانه- : [ أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ، وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون* وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم* وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون* وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ] .

5- وبعد أن ذكرت السورة ألوانا من نعم الله على خلقه ، وحكت جانبا من تصرفات المشركين السيئة مع النبي صلى الله عليه وسلم أتبعت ذلك بتسليته صلى الله عليه وسلم عما قالوه في شأنه .

قال –تعالى- : [ ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ] .

6- ثم عرضت السورة الكريمة جانبا من قصص بعض الأنبياء ، تارة على سبيل الإجمال ، وتارة بشيء من التفصيل ، فتحدثت عن موسى وهارون ، وعن إبراهيم ولوط ، وعن إسحاق ويعقوب ، وعن نوح وأيوب ، وعن داود وسليمان ، وعن إسماعيل وإدريس ، وعن يونس وزكريا .

وفي نهاية حديثها عنهم –صلوات الله وسلامه عليهم- عقبت بالمقصود الأساسي من رسالتهم ، وهو دعوة الناس جميعا إلى إخلاص العبادة لله –تعالى- ، وأنهم جميعا قد جاءوا برسالة واحدة في جوهرها ، فقال –تعالى- : [ إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ] .

7- ثم تحدثت في أواخرها عن أشراط الساعة ، وعن أهوالها ، وعن أحوال الناس فيها .

قال –تعالى- : [ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون* واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ، يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين ] .

8- ثم ختم –سبحانه- سورة الأنبياء بالحديث عن سنة من سننه التي لا تتخلف ، وعن رسالة نبيه صلى الله عليه وسلم وعن موقفه من أعدائه ، فقال –تعالى- :

[ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون* إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين* وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين* قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون* فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء ، وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون* إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون* وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين* قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون ] .

وبعد : فهذا عرض إجمالي لسورة الأنبياء ، ومنه نرى أنها قد أقامت ألوانا من الأدلة على وحدانية الله –تعالى- ، وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن يوم القيامة حق . . .

كما حكت شبهات المشركين وردت عليها بما يبطلها ، كما ساقت نماذج متعددة من قصص الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام .

ونسأل الله –تعالى- أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

د . محمد سيد طنطاوي

قوله - سبحانه - : { اقترب } من القرب الذى هو ضد البعد .

والمعنى : قرب الزمن الذى يحاسب فيه الناس على أعمالهم فى الدنيا ، والحال أن الكافرين منهم فى غفلة تامة عن هذا الحساب ، وفى إعراض مستمر عن الاستعداد له بالإيمان والعمل الصالح .

قال الإمام ابن كثير : هذا تنبيه من الله - عز وجل - على اقتراب الساعة ودنوها ، وأن الناس فى غفلة عنها ، أى لا يعملون لها ، ولا يستعدون من أجلها .

قال - تعالى - : { أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ . . . } وقال : { اقتربت الساعة وانشق القمر وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } وعبر سبحانه - بالقرب مع أنه قد مضى على نزول هذه الآية وأمثالها أكثر من أربعة عشر قرنا ، لأن كل آت وإن طالت أوقات استقباله وترقبه ، قريب الوقوع ، ولأن ذلك الوقت وإن كان كبيرا فى عرف الناس ، إلا أنه عند الله - تعالى - قليل ، كما قال - سبحانه - : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } وقال - تعالى - : { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً } وقال - تعالى - : { اقترب لِلنَّاسِ . . . } بلفظ العموم ، مع أن ما بعده من ألفاظ الغفلة والإعراض يشعر بأن المراد بهم الكافرون ، للتنبيه على أن الحساب سيشمل الجميع ، إلا أنه بالنسبة للكافرين سيكون حسابا عسيرا .

قال صاحب الكشاف : وصفهم بالغفلة مع الإعراض ، على معنى : أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون فى عاقبتهم ، ولا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم ، مع اقتضاء عقولهم أنه لا بد من جزاء للمحسن والمسىء . وإذا قرعت لهم العصا ، ونبهوا عن سنة الغفلة ، وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر ، أعرضوا وسدوا أسماعهم ونفروا .

وفى التعبير عن اقتراب يوم القيامة باقتراب الحساب ، زيادة فى الترهيب والتخويف ، وفى الحض على الاستعداد لهذا اليوم ، لأنه يوم يحاسب فيه الناس على أعمالهم فى الدنيا حسابا دقيقا ، ولن تملك فيه نفس لنفس شيئا ، وإنما يجازى فيه كل إنسان بحسب عمله .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأنبياء مكية وآياتها اثنتا عشرة ومائة

هذه السورة ، مكية تعالج الموضوع الرئيسي الذي تعالجه السور المكية . . موضوع العقيدة . . تعالجه في ميادينه الكبيرة : ميادين التوحيد ، والرسالة والبعث .

وسياق السورة يعالج ذلك الموضوع بعرض النواميس الكونية الكبرى وربط العقيدة بها . فالعقيدة جزء من بناء هذا الكون ، يسير على نواميسه الكبرى ؛ وهي تقوم على الحق الذي قامت عليه السماوات والأرض ، وعلى الجد الذي تدبر به السموات والأرض ، وليست لعبا ولا باطلا ، كما أن هذا الكون لم يخلق لعبا ، ولم يشب خلقه باطل : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ) . .

ومن ثم يجول بالناس . . بقلوبهم وأبصارهم وأفكارهم . . بين مجالي الكون الكبرى : السماء والأرض . الرواسي والفجاج . الليل والنهار . الشمس والقمر . . . موجها أنظارهم إلى وحدة النواميس التي تحكمها وتصرفها ، وإلى دلالة هذه الوحدة على وحدة الخالق المدبر ، والمالك الذي لا شريك له في الملك ، كما أنه لا شريك له في الخلق . . ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) . .

ثم يوجه مداركهم إلى وحدة النواميس التي تحكم الحياة في هذه الأرض ، وإلى وحدة مصدر الحياة : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي )وإلى وحدة النهاية التي ينتهي إليها الأحياء : ( كل نفس ذائقة الموت ) . . وإلى وحدة المصير الذي إليه ينتهون : ( وإلينا ترجعون ) . .

والعقيدة وثيقة الارتباط بتلك النواميس الكونية الكبرى . فهي واحدة كذلك وإن تعدد الرسل على مدار الزمان : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) . . وقد اقتضت مشيئة الله أن يكون الرسل كلهم من البشر : ( وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ) . .

وكما أن العقيدة وثيقة الارتباط بنواميس الكون الكبرى ، فكذلك ملابسات هذه العقيدة في الأرض . فالسنة التي لا تتخلف أن يغلب الحق في النهاية وأن يزهق الباطل ، لأن الحق قاعدة كونية وغلبته سنة إلهية : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) . . وأن يحل الهلاك بالظالمين المكذبين ، وينجي الله الرسل والمؤمنين : ( ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين ) . . وأن يرث الأرض عباد الله الصالحون : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) . .

ومن ثم يستعرض السياق أمة الرسل الواحدة في سلسلة طويلة استعراضا سريعا . يطول بعض الشيء عند عرض حلقة من قصة إبراهيم - عليه السلام - وعند الإشارة إلى داود وسليمان . ويقصر عند الإشارة إلى قصص نوح ، وموسى ، وهارون ، ولوط ، وإسماعيل ، وإدريس ، وذي الكفل ، وذي النون ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى عليهم السلام .

وفي هذا الاستعراض تتجلى المعاني التي سبقت في سياق السورة . تتجلى . في صورة وقائع في حياة الرسل والدعوات ، بعدما تجلت في صورة قواعد عامة ونواميس .

كذلك يتضمن سياق السورة بعض مشاهد القيامة ؛ وتتمثل فيها تلك المعاني نفسها في صورة واقع يوم القيامة .

وهكذا تتجمع الإيقاعات المنوعة في السورة على هدف واحد ، هو استجاشة القلب البشري لإدراك الحق الأصيل في العقيدة التي جاء بها خاتم الرسل [ ص ] فلا يتلقاها الناس غافلين معرضين لاهين كما يصفهم في مطلع السورة : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون . ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون . لاهية قلوبهم . . . ) .

إن هذه الرسالة حق وجد . كما أن هذا الكون حق وجد . فلا مجال للهو في استقبال الرسالة ؛ ولا مجال لطلب الآيات الخارقة ؛ وآيات الله في الكون وسنن الكون كله . توحي بأنه الخالق القادر الواحد ، والرسالة من لدن ذلك الخالق القادر الواحد .

نظم هذه السورة من ناحية بنائه اللفظي وإيقاعه الموسيقي هو نظم التقرير ، الذي يتناسق مع موضوعها ، ومع جو السياق في عرض هذا الموضوع . . يبدو هذا واضحا بموازنته بنظم سورتي مريم وطه مثلا . فهناك الإيقاع الرخي الذي يناسب جوهما . وهنا الإيقاع المستقر الذي يناسب موضوع السورة وجوها . .

ويزيد هذا وضوحا بموازنة نظم قصة إبراهيم - عليه السلام - في مريم ونظمها هنا . وكذلك بالتأمل في الحلقة التي أخذت منها هنا الحلقة التي أخذت منها هناك . ففي سورة مريم أخذت حلقة الحوار الرخي بين إبراهيم وأبيه . أما هنا فجاءت حلقة تحطيم الأصنام ، وإلقاء إبراهيم في النار . ليتم التناسق في الموضوع والجو والنظم والإيقاع .

والسياق في هذه السورة يمضي في أشواط أربعة :

الأول : ويبدأ بمطلع قوي الضربات ، يهز القلوب هزا ، وهو يلفتها إلى الخطر القريب المحدق ، وهي عنه غافلة لاهية : اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون . . . الخ .

ثم يهزها هزة أخرى بمشهد من مصارع الغابرين ، الذين كانوا عن آيات ربهم غافلين ، فعاشوا سادرين في الغي ظالمين : ( وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين . فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون . لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون . قالوا : يا ويلنا ! إنا كنا ظالمين . فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين ) . .

ثم يربط بين الحق والجد في الدعوة ، والحق والجد في نظام الكون . وبين عقيدة التوحيد ونواميس الوجود . وبين وحدة الخالق المدبر ووحدة الرسالة والعقيدة . ووحدة مصدر الحياة ونهايتها ومصيرها على النحو الذي أسلفناه .

فأما الشوط الثاني فيرجع بالحديث إلى الكفار الذين يواجهون الرسول [ ص ] بالسخرية والاستهزاء ، بينما الأمر جد وحق ، وكل ما حولهم يوحي باليقظة والاهتمام . وهم يستعجلون العذاب والعذاب منهم قريب . . وهنا يعرض مشهدا من مشاهد القيامة . ويلفتهم إلى ما أصاب المستهزئين بالرسل قبلهم . ويقرر أن ليس لهم من الله من عاصم . ويوجه قلوبهم إلى تأمل يد القدرة وهي تنقص الأرض من أطرافها ، وتزوي رقعتها وتطويها ، فلعل هذا أن يوقظهم من غفلتهم التي جاءتهم من طول النعمة وامتداد الرخاء . .

وينتهي هذا الشوط بتوجيه الرسول [ ص ] إلى بيان وظيفته : ( قل : إنما أنذركم بالوحي ) وإلى الخطر الذي يتهددهم في غفلتهم : ( ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون )حتى تنصب الموازين القسط وهم في غفلتهم سادرون .

ويتضمن الشوط الثالث استعراض أمة النبيين ، وفيها تتجلى وحدة الرسالة والعقيدة . كما تتجلى رحمة الله بعباده الصالحين وإيحاؤه لهم وأخذ المكذبين .

أما الشوط الرابع والأخير فيعرض النهاية والمصير ، في مشهد من مشاهد القيامة المثيرة : ويتضمن ختام السورة بمثل ما بدأت : إيقاعا قويا ، وإنذارا صريحا ، وتخلية بينهم وبين مصيرهم المحتوم . .

والآن نأخذ في دراسة الشوط الأول بالتفصيل . .

( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون . ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون . لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا . هل هذا إلا بشر مثلكم . أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ? قال : ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم . بل قالوا : أضغاث أحلام ، بل افتراه ، بل هو شاعر ، فليأتنا بآية كما أرسل الأولون . ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها . . أفهم يؤمنون ? وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون . وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام ، وما كانوا خالدين . ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين ) . .

مطلع قوي يهز الغافلين هزا . والحساب يقترب وهم في غفلة . والآيات تعرض وهم معرضون عن الهدى . والموقف جد وهم لا يشعرون بالموقف وخطورته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأنبياء مكية وآيها مائة واثنتا عشرة آية .

{ بسم الله الرحمن الرحيم } { اقترب للناس حسابهم } بالإضافة إلى ما مضى أو ما عند الله لقوله تعالى { إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا } وقوله { ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون } أو لأن كل ما هو آت قريب وإنما البعيد ما انقرض ومضى ، واللام صلة ل { اقترب } أو تأكيد للإضافة وأصله اقترب حساب الناس ثم اقترب للناس الحساب ثم اقترب للناس حسابهم ، وخص الناس بالكفار لتقييدهم بقوله : { وهم في غفلة } أي في غفلة عن الحساب . { معرضون } عن التفكر فيه وهما خبران للضمير ، ويجوز أن يكون الظرف حالا من المستكن في { معرضون } .