المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

31- فلما سمعت باغتيابهن وسوء كلامهن فيها ، دعتهن إلى بيتها ، وأعدت لهن ما يتكئن عليه من الوسائد والنمارق ، وأعطت كل واحدة منهن سكيناً ، بعد أن حضرن وجلسن متكئات ، وقُدِّم لهن الطعام ليأكلن بالسكاكين ما تناله منه أيديهن . وقالت ليوسف : اخرج عليهن ، فلما ظهر ورأينه أعظمنه وأخذهن حسنُه الرائع وجماله البارع ، فجرحن أيديهن من فرط الدهشة والذهول ، وهن يأكلنْ طعامهن ، قلن متعجبات مندهشات : تنزيهاً لله ، ما هذا الذي نراه بشراً ؛ لأن البشر لا يكون على هذا الحسن والجمال والصفاء والنقاء ، ما هذا إلا ملك كثير المحاسن طيب الشمائل ، سخي الصفات .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

قوله تعالى : { فلما سمعت } ، راعيل ، { بمكرهن } ، بقولهن وحديثهن ، قاله قتادة والسدي . قال ابن إسحاق إنما قلن ذلك مكرا بها لتريهن يوسف ، وكان يوصف لهن حسنه وجماله . وقيل : إنها أفشت إليهن سرها واستكتمتهن فأفشين ذلك ، فلذلك سماه مكرا . { أرسلت إليهن } ، قال وهب : اتخذت مأدبة ، ودعت أربعين امرأة ، منهم هؤلاء اللاتي عيرنها . { وأعتدت } ، أي : أعدت ، { لهن متكئا } ، أي : ما يتكأ عليه . وقال ابن عباس و سعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد : متكأ أي : طعاما ، سماه متكأ لأن أهل الطعام إذا جلسوا يتكؤون على الوسائد ، فسمى الطعام متكأ على الاستعارة . يقال : اتكأنا عند فلان أي : طعمنا . ويقال : المتكأ ما اتكأت عليه لشرب أو لحديث أو لطعام ، ويقرأ في الشواذ متكأ بسكون التاء . واختلفوا في معناه : فقال ابن عباس : هو الأترج . ويروى عن مجاهد مثله . وقيل هو الأترج بالحبشة . وقال الضحاك : هو الربا ورد . وقال عكرمة : هو كل شيء يقطع بالسكين . وقال أبو زيد الأنصاري : كل ما يجز بالسكين فهو عند العرب متك ، والمتك والبتك بالميم والباء : القطع ، فزينت المأدبة بألوان الفواكه والأطعمة ، ووضعت الوسائد ودعت النسوة . { وآتت } : أعطت ، { كل واحدة منهن سكينا } ، فكن يأكلن اللحم حزا بالسكين . { وقالت } ، ليوسف ، { اخرج عليهن } ، وذلك أنها كانت أجلسته في مجلس آخر ، فخرج عليهن يوسف . قال عكرمة : كان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم . وروي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت ليلة أسري بي إلى السماء يوسف كالقمر ليلة البدر " . قال إسحاق بن أبي فروة : كان يوسف إذا سار في أزقة مصر يرى تلألأ وجهه على الجدران . { فلما رأينه أكبرنه } ، أعظمنه ، قال أبو العالية : هالهن أمره وبهتن . وقيل : أكبرنه أي : حضن لأجله من جماله . ولا يصح . { وقطعن } ، أي : حززن بالسكاكين التي معهن ، { أيديهن } ، وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج ، ولم يجدن الألم لشغل قلوبهن بيوسف . قال مجاهد : فما أحسسن إلا بالدم . وقال قتادة أبن أيديهن حتى ألقينها . والأصح كان قطعا بلا إبانة . وقال وهب : ماتت جماعة منهن . { وقلن حاش لله ما هذا بشراً } ، أي : معاذ الله أن يكون هذا بشرا . قرأ أبو عمرو : حاشى لله ، بإثبات الياء في الوصل ، على الأصل . وقرأ الآخرون بحذف الياء لكثرة ورودها على الألسن ، واتباع الكتاب . وقوله : { ما هذا بشراً } نصبت بنزع حرف الصفة ، أي : ببشر ، { إن هذا } ، أي : ما هذا ، { إلا ملك } ، من الملائكة ، { كريم } ، على الله .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

وهنا تحكى السورة الكريمة كيف قابلت تلك المرأة الداهية الجريئة ، مكر بنات جنسها وطبقتها بمكر أشد من مكرهن بها فقال - تعالى - :

{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } أى : فاغتيابهن لها . وسوء مقالتهن فيها ، وسمى ذلك مكرا لشبهه به في الإِخفاء والخداع .

أو قصدن بما قلنه - كما سبق أن أشرنا - إثارتها ، لكى تطلعهن على فتاها الذي راودته عن نفسه ، ليعرفن السر في هذه المراودة ، وعلى هذا يكون المكر على حقيقته . ومثل هذا المكر ليس غريبا على النساء في مثل هذه الأحوال .

وقوله : { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ . . } الخ بيان لما فعلته معهن .

أى : أرسلت إلى النسوة اللائى وصفنها بأنها في ضلال مبين ، ودعتهن إلى الحضور إليها في دراها لتناول الطعام .

{ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً } أى : وهيأت لهن في مجلس طعامها ، ما يتكئن عليه من الوسائد والنمارق وما يشبه ذلك .

فالمتكأ : اسم مفعول من الإتكاء ، وهو الميل إلى أحد الجانبين في الجلوس كما جرت بذلك عادة المترفين عند تناول الطعام ، وعندما يريدون إطالة المكث مع انتصاب قليل في النصف الأعلى من الجسم والاستراحة بعد الأكل .

أخرج ابن شيبة عن جابر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يأكل الرجل بشماله ، وأن يأكل متكئا .

{ وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً } أى : وأعطت كل واحدة من هؤلاء النسوة سكينا ليقطعن به ما يأكلن من لحم وفاكهة .

ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن الحضارة المادية في مصر في ذلك الوقت كانت قد بلغت شأوا بعيدا ، وأن الترف في القصور كان عظيما ، فإن استعمال السكاكين في الأكل قبل هذه الآلاف من السنين له قيمته في تصوير الترف والحضارة المادية .

وهنا نجد المرأة الجريئة الماكرة ، تقول ليوسف - عليه السلام - كما حكى القرآن عنها : { اخرج عَلَيْهِنَّ } أى ابرز لهن ، وادخل عليهن ، وهن على تلك الحالة من الأكل والاتكاء وتقطيع ما يحتاج إلى تقطيع الطعام . .

وهى ترمى من وراء خروجه عليهن إلى إطلاعهن عليه حتى يعذرنها في حبها له وقد كان لهذه المفاجأة من يوسف لهن وهن مشغولات بما يقطعنه ويأكلنه ، أثرها الشديد في نفوسهن ، وهذا ما حكاه القرآن الكريم في قوله : { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هذا بَشَراً إِنْ هاذآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } .

والجملة الكريمة معطوفة على كلام محذوف دل عليه السياق ، والتقدير : قالت امرأة العزيز ليوسف اخرج عليهن ، فخرج عليهن وهن على تلك الحالة فلما رأينه أكبرنه ، أى : أعظمنه ، ودهشن لهيئته ، وجمال طلعته وحسن شمائله .

{ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } أى : جرحن أيديهن وخدشنها بالسكاكين التي في أيديهن دون أن يشعرن بذلك ، لشدة دهشتهن المفاجئة بهيئة يوسف . .

{ وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هذا بَشَراً } وحاش فعل ماض ، واللام في " لله " للتعليل ، والمراد بهذه الجملة الكريمة التعبير عن عجيب صنع الله في خلقه أى : وقلن عندما فوجئن بخروج يوسف عليهن : تنزه الله - تعالى - تنزيها كبيرا عن صفات العجز ، ونتعجب تعجبا شديدا من قدرته - سبحانه - على خلق هذا الجمال البديع ، وما هذا الذي نراه أمامنا بشرا كسائر البشر ، لتفرقه في الحسن عنهم ، وإنما هو ملك كريم من الملائكة المقربين تمثل في هذه الصورة البديعة التي تخلب الألباب .

ووصفوه بذلك بناء على ما ركز في الطباع من تشبيه ما هو مفرط في الجمال والعفة بالملك وتشبيه ما هو شديد القبح والسوء بالشيطان .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

وهنا كذلك يقع ما لا يمكن وقوعه إلا في مثل هذه الأوساط . ويكشف السياق عن مشهد من صنع تلك المرأة الجريئة ، التي تعرف كيف تواجه نساء طبقتها بمكر كمكرهن وكيد من كيدهن :

( فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن ، وأعتدت لهن متكأ ، وآتت كل واحدة منهن سكينا ، وقالت : اخرج عليهن . فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن ، وقلن : حاش لله ! ما هذا بشرا . إن هذا إلا ملك كريم . قالت : فذلكن الذي لمتنني فيه . ولقد راودته عن نفسه فاستعصم . ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين ) . .

لقد أقامت لهن مأدبة في قصرها . وندرك من هذا أنهن كن من نساء الطبقة الراقية . فهن اللواتي يدعين إلى المآدب في القصور . وهن اللواتي يؤخذن بهذه الوسائل الناعمة المظهر . ويبدو أنهن كن يأكلن وهن متكئات على الوسائد والحشايا على عادة الشرق في ذلك الزمان . فأعدت لهن هذا المتكأ . وآتت كل واحدة منهن سكينا تستعملها في الطعام - ويؤخذ من هذا أن الحضارة المادية في مصر كانت قد بلغت شأوا بعيدا ، وأن الترف في القصور كان عظيما . فإن استعمال السكاكين في الأكل قبل هذه الآلاف من السنين له قيمته في تصوير الترف والحضارة المادية . وبينما هن منشغلات بتقطيع اللحم أو تقشير الفاكهة ، فاجأتهن بيوسف :

( وقالت : اخرج عليهن ) . .

( فلما رأينه أكبرنه ) . .

بهتن لطلعته ، ودهشن .

( وقطعن أيديهن ) . .

وجرحن أيديهن بالسكاكين للدهشة المفاجئة .

( وقلن حاش لله ! ) . .

وهي كلمة تنزيه تقال في هذا الموضع تعبيرا عن الدهشة بصنع الله . .

( ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ) .

وهذه التعبيرات دليل - كما قلنا في تقديم السورة - على تسرب شيء من ديانات التوحيد في ذلك الزمان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } قال بعضهم : بقولهن . وقال محمد بن إسحاق : بل{[15145]} بَلَغهُنَّ حُسْنُ يوسف ، فأحببن أن يرينه ، فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته ومشاهدته ، فعند ذلك { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } أي : دعتهن إلى منزلها لتضيفهن { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً }

قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والحسن ، والسدي ، وغيرهم : هو المجلس المعد ، فيه مفارش ومخاد وطعام ، فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج{[15146]} ونحوه . ولهذا قال تعالى : { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا } وكان هذا مكيدة منها ، ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته ، { وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر ، { فَلَمَّا } خرج و { رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } أي : أعظمن شأنه ، وأجللن قدره ؛ وجعلن يقطعن أيديهن دَهَشا برؤيته ، وهن يظنن أنهن يقطعن الأترج{[15147]} بالسكاكين ، والمراد : أنهن حززن أيديهن بها ، قاله غير واحد .

وعن مجاهد ، وقتادة : قطعن أيديهن حتى ألقينها ، فالله{[15148]} أعلم .

وقد ذكر عن زيد بن أسلم أنها قالت لهن بعدما أكلن وطابت أنفسهن ، ثم وضعت بين أيديهن أترجا{[15149]} وآتت كل واحدة منهن سكينا : هل لكن في النظر إلى يوسف ؟ قلن : نعم . فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن{[15150]} فلما رأينه جعلن يقطعن أيديهن ، ثم أمرته أن يرجع فرجع ليرينه مقبلا ومدبرا ، وهن يحززن في أيديهن ، فلما أحسسن بالألم جعلن يولولن ، فقالت : أنتن من نظرة واحدة فعلتن هكذا ، فكيف ألام أنا ؟ فقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ، ثم قلن لها : وما نرى عليك من لوم بعد الذي رأينا ، لأنهن لم يرين في البشر شبهه ولا قريبا منه ، فإنه ، صلوات الله عليه وسلم{[15151]} كان قد أعطي شطر الحسن ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بيوسف ، عليه السلام ، في السماء الثالثة ، قال : " فإذا هو قد أعطي شطر الحسن " {[15152]} وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطي يوسف وأمه شطر الحسن " {[15153]} وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن .

وقال أبو إسحاق أيضا ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : كان وجه يوسف مثل البرق ، وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتتن به .

ورواه الحسن البصري مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا ، وأعطى الناس الثلثين - أو قال : أعطي يوسف وأمه الثلثين والناس الثلث " {[15154]} وقال سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عن ربيعة الجُرَشي قال : قسم الحسن نصفين ، فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن . والنصف الآخر بين سائر الخلق .

وقال الإمام أبو القاسم السهيلي : معناه : أن يوسف كان على النصف من حسن آدم ، عليه السلام ، فإن الله خلق آدم بيده على أكمل صورة وأحسنها ، ولم يكن في ذريته من يوازيه في جماله ، وكان يوسف قد أعطي شطر حسنه .

فلهذا قال هؤلاء النسوة عند رؤيته : { حَاشَ لِلَّهِ } قال مجاهد وغير واحد : معاذ الله ، { مَا هَذَا بَشَرًا } وقرأ بعضهم : " ما هذا بِشِرىً " أي : بمشترى .

{ إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق بأن يحبّ لجماله وكماله .

{ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ } أي : فامتنع . قال بعضهم : لما رأين جماله الظاهر ، أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن ، وهي{[15155]} العفة مع هذا الجمال ، ثم قالت تتوعد{[15156]} { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ } فعند ذلك استعاذ يوسف ، عليه السلام ، من شرهن وكيدهن ، وقال : { رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } أي : من الفاحشة ، { وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } أي : إن وكلتني إلى نفسي ، فليس لي من نفسي قدرة ، ولا أملك لها ضرا ولا نفعا إلا بحولك وقوتك ، أنت المستعان وعليك التكلان ، فلا تكلني إلى نفسي .

{ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } وذلك أن يوسف ، عليه السلام ، عَصَمه الله عصمة عظيمة ، وحماه فامتنع منها أشد الامتناع ، واختار السجن على ذلك ، وهذا في غاية مقامات الكمال : أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته ، وهي امرأة عزيز مصر ، وهي مع هذا في{[15157]} غاية الجمال والمال ، والرياسة ويمتنع من ذلك ، ويختار السجن على ذلك ، خوفا من الله ورجاء ثوابه .

ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله{[15158]} ورجل قلبه معلق بالمسجد{[15159]} إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا{[15160]} عليه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب ، فقال : إني أخاف الله " {[15161]}


[15145]:- في ت ، أ : "قيل".
[15146]:- في ت ، أ : "أترنج".
[15147]:- في : "الأترج".
[15148]:- في أ : "والله".
[15149]:- في أ : "أترنجا".
[15150]:- في أ : "عليهن".
[15151]:- في ت ، أ : "وسلامه".
[15152]:- رواه مسلم في صحيحه برقم (162) من حديث أنس رضي الله عنه.
[15153]:- رواه الطبري في تفسيره (16/80) والحاكم في المستدرك (2/570) وابن عدي في الكامل (5/385) من طريق عفان عن حماد بن سلمة به ، وقال الحاكم : "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". قال ابن عدي : "وهذا الحديث ما أعلم رفعه أحد غير عفان ، وغيره أوقفه عن حماد بن سلمة ، وعفان أشهر وأوثق وأصدق من أن يقال فيه شيء مما ينسب إلى الضعف".
[15154]:-) رواه الطبري في تفسيره (16/80).
[15155]:- في ت : "عليهن وهو".
[15156]:- في ت ، أ : "تتوعده".
[15157]:- في ت : "إلى".
[15158]:- في ت : "في طاعة الله عز وجل".
[15159]:- في ت ، أ : "في المسجد".
[15160]:- في ت ، أ : "وتفرقا".
[15161]:- صحيح البخاري برقم (1423) وصحيح مسلم برقم (1031) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئاً وَآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مّنْهُنّ سِكّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنّ فَلَمّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطّعْنَ أَيْدِيَهُنّ وَقُلْنَ حَاشَ للّهِ مَا هََذَا بَشَراً إِنْ هََذَآ إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : فلما سمعت امرأة العزيز بمكر النسوة اللاتي قلن في المدينة ما ذكره الله عزّ وجلّ عنهنّ . وكان مكرهنّ ما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ } ، يقول : بقولهنّ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما أظهر النساء ذلك من قولهنّ : تراود عبدها مكرا بها لتريهنّ يوسف ، وكان يوصف لهنّ بحسنه وجماله ، { فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ أرْسَلَتْ إلَيْهِنّ وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا } .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنّ } ، أي : بحديثهنّ ، { أرْسَلَتْ إلَيْهِنّ } ، يقول : أرسلت إلى النسوة اللاتي تحدّثن بشأنها وشأن يوسف .

{ وأعْتَدَتْ } : أفعلت من العتاد ، وهو العدّة ، ومعناه : أعدّت لهنّ متكئا ، يعني : مجلسا للطعام ، وما يتكئن عليه من النمارق والوسائد ، وهو مفتعل من قول القائل : اتكأت ، يقال : ألقِ له مُتّكَئا ، يعني : ما يتكىء عليه .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن اليمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سيعد : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا } ، قال : طعاما وشرابا ومتكئا .

قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، قال : يتكئن عليه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية . عن عليّ ، عن ابن عباس : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكأً } ، قال : مجلسا .

قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن أنه كان يقرأ : { مُتّكَأً } ، ويقول : هو المجلس ، والطعام .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن يزيد : من قرأ : { مُتكَأً } ، خفيفة ، يعني : طعاما ، ومن قرأ : { مُتّكَأً } ، يعني : المتكأ .

فهذا الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه من تأويل هذه الكلمة ، هو معنى الكلمة وتأويل المتكأ ، وأنها أعدّت للنسوة مجلسا فيه متكأً ، وطعام ، وشراب ، وأترجّ . ثم فسّر بعضهم المتكأ بأنه الطعام على وجه الخبر عن الذين أعدّ من أجله المتكأ ، وبعضهم عن الخبر عن الأترجّ ، إذ كان في الكلام : { وآتت كلّ واحدة منهن سكينا } ، لأن السكين إنما تعدّ للأترجّ وما أشبهه مما يقطع به . وبعضهم على : البزماورد .

حدثني هارون بن حاتم المقرىء ، قال : حدثنا هشيم بن الزبرقان ، عن أبي روق عن الضحاك ، في قوله : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا } ، قال : البزماورد .

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى : المتكأ : هو النّمرق يتكأ عليه . وقال : زعم قوم أنه الأترجّ ، قال : وهذا أبطل باطل في الأرض ، لكن عسى أن يكون مع المتكإ أترجّ يأكلونه . وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام قول أبي عبيدة ، ثم قال : والفقهاء أعلم بالتأويل منه . ثم قال : ولعله بعض ما ذهب من كلام العرب ، فإن الكسائي كان يقول : قد ذهب من كلام العرب شيء كثير انقرض أهله . والقول في أن الفقهاء أعلم بالتأويل من أبي عبيدة ، كما قال أبو عبيدة ، لا شكّ فيه ، غير أن أبا عبيدة لم يبعد من الصواب في هذا القول ، بل القول كما قال من أن من قال للمتكإ هو الأترجّ إنما بين المعدّ في المجلس الذي فيه المتكأ والذي من أجله أعطين السكاكين ، لأن السكاكين معلوم أنها لا تعدّ للمتكإ إلا لتخريقه ، ولم يُعْطَين السكاكين لذلك . ومما يبين صحة ذلك القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ، من أن المتكإ هو : المجلس .

ثم رُوي عن مجاهد ، عنه ، ما :

حدثني به سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكّينا } ، قال : أعطتهنّ أترجّا ، وأعطت كل واحدة منهنّ سكينا .

فبين ابن عباس في رواية مجاهد هذه ما أعطت النسوة ، وأعرض عن ذكر بيان معنى المتكإ ، إذا كان معلوما معناه .

ذكر من قال في تأويل المتكإ ما ذكرنا :

حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَئا } ، قال : التُّرُنْج .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن عوف ، قال : حُدثت عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : { مُتْكا } ، مخففة ، ويقول : هو الأترجّ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، قال : الطعام .

حدثني يعقوب والحسن بن محمد ، قالا : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، قال : طعاما .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، مثله .

حدثنا ابن بشار وابن وكيع ، قالا : حدثنا غندر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، قال : طعاما .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبيرة نحوه .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : من قرأ : { مُتّكَأً } ، فهو : الطعام ، ومن قرأها : { مُتّكا } ، فخففها ، فهو : الأترجّ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { مُتّكَأً } ، قال : طعاما .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد . وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أبو خالد القرشي ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : من قرأ : { مُتْكأً } ، خفيفة ، فهو : الأترجّ .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، قال : سمعت بعضهم يقول : الأترجّ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، أي : طعاما .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

قال : حدثنا يزيد ، عن أبي رجاء ، عن عكرمة ، في قوله : { مُتّكَأً } ، قال : طعاما .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، يعني : الأترجّ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، والمتكأ : الطعام .

قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، قال : الطعام .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ، قال : طعاما .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سلمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { مُتّكَأً } ، فهو كلّ شيء يجزّ بالسكين .

قال الله تعالى ذكره مخبرا عن امرأة العزيز والنسوة اللاتي تحدّثن بشأنها في المدينة : { وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكّينا } ، يعني بذلك جلّ ثناؤه : وأعطت كل واحدة من النسوة اللاتي حضرنها سكينا لتقطع به من الطعام ما تقطع به ، وذلك ما ذكرت أنها آتتهنّ ، إما من الأترجّ ، وإما من البزماورد ، أو غير ذلك مما يقطع بالسكين . كما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ : { وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكّينا } ، وأترجّا يأكلنه .

حدثنا سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكينا } ، قال : أعطتهن أترجّا ، وأعطت كل واحدة منهنّ سكينا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنُهْنّ سِكّينا } ، ليحتززن به من طعامهنّ .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وآتَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ سِكّينا } : وأعطتهنّ ترنجا وعسلاً ، فكنّ يحززن الترنج بالسكين ، ويأكلن بالعسل .

قال أبو جعفر : وفي هذه الكلمة بيان صحة ما قلنا واخترنا في قوله : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } ؛ وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن إيتاء امرأة العزيز النسوة السكاكين ، وترك ماله آتتهنّ السكاكين ، إذا كان معلوما أن السكاكين لاتدفع إلى من دعي إلى مجلس إلا لقطع ما يؤكل إذا قطع بها ، فاستغني بفهم السامع بذكر إيتائها صواحباتها السكاكين عن ذكر ماله آتتهنّ ذلك ، فكذلك استغني بذكر اعتدادها لهنّ المتكأ عن ذكر ما يعتدّ له المتكأ مما يحضر المجالس من الأطعمة والأشربة والفواكه وصنوف الالتهاء لفهم السامعين بالمراد من ذلك ، ودلالة قوله : { وأعْتَدَتْ لَهُنّ مُتّكَأً } عليه . فأما نفس المتكأ ، فهو ما وصفنا خاصة دون غيره .

وقوله : { وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنّ فَلَمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ } ، يقول تعالى ذكره : وقالت امرأة العزيز ليوسف : { اخْرُجْ عَلَيْهِنّ } ، فخرج عليهنّ يوسف ، { فَلَمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ } ، يقول جلّ ثناؤه : فلما رأين يوسف أعظمنه وأجللنه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { أكْبَرْنَهُ } : أعظمنه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح . قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { فَلَمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ } ، أي : أعظمنه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السديّ : { وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنّ } ، ليوسف ، { فَلَمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ } : عظمنه .

حدثنا إسماعيل بن سيف العجلي ، قال : حدثنا عليّ بن عابس ، قال : سمعت السديّ يقول في قوله : { فَلَمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ } ، قال : أعظمنه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { اخْرُجْ عَلَيْهِنّ } ، فخرج ، { فَلَمّا رأيْنَهُ } ، أعظمنه ، وبهتن .

حدثنا إسماعيل بن سيف ، قال : حدثنا عبد الصمد بن عليّ الهاشميّ ، عن أبيه ، عن جدّه ، في قوله : { فَلَمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ } ، قال : حِضْنَ .

حدثنا عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { فَلَمّا رأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ } ، يقول : أعظمنه .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

قال أبو جعفر : وهذا القول ، أعني القول الذي رُوي عن عبد الصمد ، عن أبيه ، عن جده ، في معنى : أكْبَرْنَهُ أنه حِضْنَ ، إن لم يكن عنى به أنهنّ حضن من إجلالهنّ يوسف وإعظامهنّ لما كان الله قسم له من البهاء والجمال ، ولما يجد من مثل ذلك النساء عند معايَنتهنّ إياه ، فقول لا معنى له لأن تأويل ذلك : فلما رأين يوسف أكبرنه ، فالهاء التي في أكبرنه من ذكر يوسف ، ولا شكّ أن من المحال أن يَحِضْن يوسف ، ولكن الخبر إن كان صحيحا عن ابن عباس على ما رُوي ، فخليق أن يكون كان معناه في ذلك أنهن حضن لما أكبرن من حُسن يوسف وجماله في أنفسهن ، ووجدن ما يجد النساء من مثل ذلك . وقد زعم بعض الرواة أن بعض الناس أنشده في " أكبرن " ، بمعنى : " حضن " ، بيتا لا أحسب أن له أصلاً ، لأنه ليس بالمعروف عند الرواة ، وذلك :

نَأْتِي النّسَاءَ على أطْهارِهِنّ وَلا *** نَأْتِي النّساءَ إذَا أكْبَرْنَ إكْبارا

وزعم أن معناه : إذا حضن .

وقوله : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } ، اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : أنهن حززن بالسكين في أيديهن ، وهن يحسبن أنهنّ يقطعن الأترجّ .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } ، حزّا حزّا بالسكين .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } ، قال : حزّا حزّا بالسكاكين .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : وثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } ، قال : حزّا حزّا بالسكين .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } ، قال : جعل النسوة يحززن أيديهنّ ، يحسبن أنهن يقطعن الأترجّ .

حدثنا إسماعيل بن سيف ، قال : حدثنا عليّ بن عابس ، قال : سمعت السديّ يقول : كانت في أيديهن سكاكين مع الأترجّ ، فقطعن أيديهن ، وسالت الدماء ، فقلن : نحن نلومك على حبّ هذا الرجل ، ونحن قد قطّعنا أيدينا ، وسالت الدماء .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : جعلن يَحِززن أيديهن بالسكين ، ولا يحسبن إلا أنهن يحززن الترنج ، قد ذهبت عقولهنّ مما رأين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } : وحززن أيديهن .

حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا ابن كدينة ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : جعلن يقطعن أيديهن ، وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترجّ .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } ، قال : جعلن يحززن أيديهن ، ولا يشعرن بذلك .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قالت ليوسف : اخرج عليهنّ فخرج عليهن ، فلما رأينه أكبرنه ، وغلبت عقولهن عجبا حين رأينه ، فجعلن يقطعن أيديهن بالسكاكين التي معهن ما يعقلن شيئا مما يصنعن ، { وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هَذَا بَشَرا } .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنهن قطعن أيديهن حتى أبنّها ، وهن لا يشعرن .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : { قطّعن أيديهن } ، حتى ألقينها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وَقَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ } ، قال : قطعن أيديهن حتى ألقينها .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أخبر عنهن أنهن قطعن أيديهن ، وهن لا يشعرن لإعظام يوسف ، وجائز أن يكون ذلك كان قطعا بإبانة ، وجائز أن يكون كان قطع حزّ وخدش ، ولا قول في ذلك أصوب من التسليم لظاهر التنزيل .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص عن عبد الله ، مثله .

وبه عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : قسم ليوسف وأمه ثلثُ الحسن .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : أعطي يوسف وأمه ثلثَ حسن الخلق .

حدثني أحمد بن ثابت ، وعبد الله بن الرازيان ، قالا : حدثنا عفان ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا ثابت ، عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : «أُعْطِيَ يُوسُفُ وأُمّهُ شَطْرَ الحُسْنِ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي معاذ ، عن يونس ، عن الحسن ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «أُعْطِيَ يُوسُفُ وأُمّهُ ثُلُثَ حُسْنِ أهْلِ الدّنْيا ، وأُعْطِيَ النّاسُ الثّلُثَيْنِ » ، أو قال : «أُعْطِيَ يُوسُفُ وأُمّهُ الثّلُثَيْنِ ، وأُعْطِيَ النّاسُ الثّلُثَ » .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ربيعة الجرشي ، قال : قسم الحسن نصفين ، فأعطي يوسف وأمه سارّة نصف الحسن ، والنصف الآخر بين سائر الخلق .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ربيعة الجرشي ، قال : قسم الحسن نصفين : فقسم ليوسف وأمه النصف ، والنصف لسائر الناس .

حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ربيعة الجرشي ، قال : قسم الحسن نصفين ، فجعل ليوسف وسارّة النصف ، وجعل لسائر الخلق نصف .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عيسى بن يزيد ، عن الحسن : أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الدنيا ، وأعطي الناس الثلثين .

وقوله : { وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ } ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك :

فقرأته عامة قرأة الكوفيين : { حاشَ لِلّهِ } ، بفتح الشين وحذف الياء . وقرأه بعض البصريين بإثبات الياء : { حاشى لله } . وفيه لغات لم يقرأ بها : { حاشَى اللّهِ } ، كما قال الشاعر :

حاشَى أبي ثَوْبانَ إنّ بهِ *** ضَنّا عَنِ المَلْحاةِ والشّتْمِ

وذُكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ بهذه اللغة : { حاشْ اللّهَ } ، بتسكين السين والألف يجمع بين الساكنين . وأما القراءة فإنما هي بإحدى اللغتين الأوليين ، فمن قرأ : { حاشَ لِلّهِ } ، بفتح الشين وإسقاط الياء ، فإنه أراد لغة من قال : { حاشى لله } ، بإثبات الياء ، ولكنه حذف الياء لكثرتها على ألسن العرب ، كما حذفت العرب الألف من قولهم : لا أب لغيرك ، ولا أب لشانيك ، وهم يعنون : لا أبا لغيرك ، ولا أبا لشانيك .

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يزعم أن لقولهم : «حاشى لله » ، موضعين في الكلام : أحدهما : التنزيه ، والآخر : الاستثناء ، وهو في هذا الموضع عندنا بمعنى : التنزيه لله ، كأنه قيل : معاذ الله .

وأما القول في قراءة ذلك ، فإنه يقال للقارىء ، في قراءته بأيّ القراءتين شاء ، إن شاء بقراءة الكوفيين ، وإن شاء بقراءة البصريين ، وهو : { حاشَ لِلّهِ } ، و{ حاشَى لِلّهِ } ؛ لأنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان بمعنى واحد ، وما عدا ذلك فلغات لا تجوز القراءة بها ، لأنا لا نعلم قارئا قرأ بها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ } ، قال : معاذ الله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { حاشَ لِلّهِ } : معاذ الله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ } : معاذ الله .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { حاشَ لِلّهِ } : معاذ الله .

قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن عمرو ، عن الحسن : { حَاشَ لِلّهِ } : معاذ الله .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا يحيى ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وقوله : { ما هَذَا بَشَرا } ، يقول : قلن : ما هذا بشرا ، لأنهنّ لم يرين في حسن صورته من البشر أحدا ، فقلن : لو كان من البشر لكان كبعض ما رأينا من صورة البشر ، ولكنه من الملائكة لا من البشر . كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَقُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما هَذَا بَشَرا } : ما هكذا تكون البشر .

وبهذه القراءة قرأ عامة قرأة الأمصار . وقد :

حُدثت عن يحيى بن زياد الفراء ، قال : ثني دعامة بن رجاء التيمي ، وكان غرّا ، عن أبي الحويرث الحنفي أنه قرأ : { ما هَذَا بِشِرًى } ، أي : ما هذا بمشترًى ، يريد بذلك أنهن أنكرن أن يكون مثله مستعبدا يشتري ويباع . وهذه القراءة لا أستجيز القراءة بها لإجماع قرأة الأمصار على خلافها . وقد بيّنا أن ما أجمعت عليه فغير جائز خلافها فيه . وأما نصب البشر ، فمن لغة أهل الحجاز إذا أسقطوا الباء من الخبر نصبوه ، فقالوا : ما عمرو قائما . وأما أهل نجد ، فإن من لغتهم رفعه ، يقولون : ما عمرو قائم ، ومنه قول بعضهم حيث يقول :

لَشَتّانَ ما أنْوِي وَينْوِي بنُو أبي *** جميعا ، فما هَذَانِ مُسْتَوِيانِ

تَمّنْوا لِيَ المْوتَ الذي يَشْعَبُ الفَتى *** وكُلّ فَتى والمَوْتُ يَلْتَقِيانِ

وأما القرآن ، فجاء بالنصب في كل ذلك ، لأنه نزل بلغة أهل الحجاز .

وقوله : { إنْ هَذَا إلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } ، يقول : قلن ما هذا إلا ملَك من الملائكة . كما :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { إنْ هَذَا إلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } ، قال : قلن : ملَك من الملائكة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

{ فلما سمعت بمكرهنّ } باغتيابهن ، وإنما سماه مكرا لأنهن أخفينه كما يخفي الماكر مكره ، أو قلن ذلك لتريهن يوسف أو لأنها استكتمتهن سرها فأفشينه عليها . { أرسلت إليهن } تدعوهن قيل دعت أربعين امرأة فيهن الخمس المذكورات . { وأعتدت لهن متّكأً } ما يتكئن عليه من الوسائد . { وآتت كل واحدة منهن سكّينا } حتى يتكئن والسكاكين بأيدهن فإذا خرج عليهن يبهتن ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيدهن فيقطعنها فيبكتن بالحجة ، أو يهاب يوسف مكرها إذا خرج وحده على أربعين امرأة في أيديهن الخناجر . وقيل متكأ طعاما أو مجلس طعام فإنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب ترفا ولذلك نهى عنه . قال جميل :

فظللنا بنعمة واتكأنا *** وشربنا الحلال منن قُللِه

وقيل المتكأ طعام يحز حزا كأن القاطع يتكئ عليه بالسكين . وقرئ " متكا " بحذف الهمزة و " متكاء " بإشباع الفتحة كمنتزاح و " متكا " وهو الأترج أو ما يقطع من متك الشيء إذا بتكه و{ متكأ } من تكىء يتكأ إذا اتكأ . { وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه } عظمنه وهبن حسنه الفائق . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " رأيت يوسف ليلة المعراج كالقمر ليلة البدر " وقيل كان يرى تلألؤ وجهه على الجدران . وقيل أكبرن بمعنى حضن من أكبرت المرأة إذا حاضت لأنها تدخل الكبر بالحيض ، والهاء ضمير للمصدر أو ليوسف عليه الصلاة والسلام على حذف اللام أي حضن له من شدة الشبق كما قال المتنبي :

خف الله واستُر ذا الجمال ببرقعٍ *** فإن لحت حاضت في الخُدور العواتق { وقطّعن أيديهُن } جرحنها بالسكاكين من فرط الدهشة . { وقلن حاش لله } تنزيها له من صفات العجز وتعجبا من قدرته على خلق مثله ، وأصله " حاشا " كما قرأ أبو عمرو في الدرج فحذفت ألفه الأخيرة تخفيفا وهو حرف يفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء فوضع الاستثناء فوضع موضع التنزيه واللام للبيان كما في قولك سقيا لك وقرئ حاشا الله بغير لام بمعنى براءة الله وحاشا لله بالتنوين على تنزيله منزلة المصدر وقيل حاشا فاعل من الحشا الذي هو الناحية وفاعله ضمير يوسف أي صار في ناحية لله مما يتوهم فيه { ما هذا بشرا } لأن هذا الجمال غير معهود للبشر وهو على لغة الحجاز في إعمال ما عمل ليس لمشاركتها في نفي الحال وقرئ بشر بالرفع على لغة تميم وبشرى أي بعبد مشترى لئيم { إن هذا إلا ملك كريم } فإن الجمع بين الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة من خواص الملائكة ، أو لأن جماله فوق جمال البشر ولا يفوقه فيه إلا الملك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

وقوله تعالى : { فلما سمعت بمكرهن } الآية ، إنما سمي قولهن مكراً من حيث أظهرن إنكار منكر وقصدن إثارة غيظها عليهن ، وقيل : { مكرهن } أنهن أفشين ذلك عنها وقد كانت أطلعتهن على ذلك واستكتمتهن إياه ، وهذا لا يكون مكراً إلا بأن يظهرن لها خلاف ذلك ويقصدن بالإفشاء أذاها .

ومعنى { أرسلت إليهن } أي ليحضرن ، و { أعتدت } معناه : أعدت ويسرت ، و { متكأ } ما يتكأ عليه من فرش ووسائد ، وعبر بذلك عن مجلس أعد لكرامة ، ومعلوم أن هذا النوع من الكرامات لا يخلو من الطعام والشراب ، فلذلك فسر مجاهد وعكرمة «المتكأ » بالطعام ؛ قال ابن عباس : { متكأ } معناه مجلساً ، ذكره الزهراوي . وقال القتبي : يقال : اتكأنا عند فلان أي أكلنا .

وقوله : { وآتت كل واحدة منهن سكيناً } يقتضي أنه كان في جملة الطعام ما يقطع بالسكاكين ، فقيل كان لحماً ، وكانوا لا ينتهسون اللحم وإنما كانوا يأكلونه حزاً بالسكاكين ؛ وقيل : كان أترجاً{[6658]} ، وقيل : كان زماورد{[6659]} ، وهو من نحو الأترج موجود في تلك البلاد ، وقيل : هو مصنوع من سكر ولوز وأخلاط .

وقرأ ابن عباس ومجاهد والجحدري وابن عمر وقتادة والضحاك والكلبي وأبان بن تغلب «تُكاً » بضم الميم وتنوين الكاف . واختلف في معناه ، فقيل : هو الأترنج ، وقيل : هو اسم يعم ما يقطع بالسكين من الفواكه كالأترنج والتفاح وغيره ، وأنشد الطبري :

نشرب الإثم بالصواع جهاراً*** وترى المتك بيننا مستعارا{[6660]}

وقرأ الجمهور : «متَّكأ » بشد التاء المفتوحة والهمز والقصر ، وقرأ الزهري : «متّكا » مشدد التاء من غير همز - وهي قراءة أبي جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح ، وقرأ الحسن «متكاء » بالمد على إشباع الحركة .

و «السكين » تذكر وتؤنث ، قاله الكسائي والفراء{[6661]} ، ولم يعرف الأصمعي إلا التذكير .

وقولها : { اخرج } أمر ليوسف ، وأطاعها بحسب الملك ، وقال مكي والمهدوي : قيل : إن في الآية تقديماً وتأخيراً في القصص ، وذلك أن قصة النسوة كانت قبل فضيحتها في القميص للسيد ، وباشتهار الأمر للسيد انقطع ما بينها وبين يوسف .

قال القاضي أبو محمد : وهذا محتمل إلا أنه لا يلزم من ألفاظ الآية ، بل يحتمل أن كانت قصة النساء بعد قصة القميص وذلك أن العزيز كان قليل الغيرة بل قومه أجمعين ، ألا ترى أن الإنكار في وقت القميص إنما كان بأن قيل : { إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم } [ يوسف : 28 ] وهذا يدل على قلة الغيرة ، ثم سكن الأمر بأن قال : { يوسف أعرض عن هذا } [ يوسف : 29 ] وأنت { استغفري } [ يوسف : 29 ] وهي لم تبق حينئذ إلا على إنكارها وإظهار الصحة ، فلذلك تغوفل عنها بعد ذلك ، لأن دليل القميص لم يكن قاطعاً وإنما كان أمارة ما ؛ هذا إن لم يكن المتكلم طفلاً .

وقوله : { أكبرنه } معناه : أعظمنه واستهولن جماله ، هذا قول الجمهور ، وقال عبد الصمد بن علي الهاشمي عن أبيه عن جده : معناه : حضن ، وأنشد بعض الناس حجة لهذا التأويل : [ البسيط ]

يأتي النساء على أطهارهنّ ولا*** يأتي النساءَ إذا أكبرن إكبارا{[6662]}

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول ضعيف من معناه منكور ، والبيت مصنوع مختلف - كذلك قال الطبري وغيره من المحققين ، وليس عبد الصمد من رواة العلم رحمه الله .

وقوله : { وقطّعن أيديهن } أي كثرن الحز فيها بالسكاكين ، وقال عكرمة : «الأيدي » هنا الأكمام ، وقال مجاهد هي الجوارح ، وقطعنها حتى ألقينها .

قال القاضي أبو محمد : فظاهر هذا أنه بانت الأيدي ، وذلك ضعيف من معناه ، وذلك أن قطع العظم لا يكون إلا بشدة ، ومحال أن يسهو أحد عنها ، والقطع على المفصل لا يتهيأ إلا بتلطف لا بد أن يقصد ، والذي يشبه أنهن حملن على أيديهن الحمل الذي كن يحملنه قبل المتك فكان ذلك حزاً ، وهذا قول الجماعة .

وضوعفت الطاء في { قطّعن } لكثرتهن وكثرة الحز فربما كان مراراً .

وقرأ أبو عمرو وحده «حاشى لله » وقرأ أبيّ وابن مسعود «حاشى الله » ، وقرأ سائر السبعة «حاش لله ، وفرقة » حشا{[6663]} لله «وهي لغة ، وقرأ الحسن » حاش لله{[6664]} «بسكون الشين وهي ضعيفة وقرأ الحسن - أيضاً - » حاش الإلاه «محذوفاً من » حاشى « . فأما » حاش «فهي حيث جرت حرف معناه الاستثناء ، كذا قال سيبويه ، وقد ينصب به ، تقول : حاشى زيد وحاشى زيداً ، قال المبرد : النصب أولى إذ قد صح أنها فعل بقولهم : حاش لزيد ، والحرف لا يحذف منه .

قال القاضي أبو محمد : يظهر من مجموع كلام سيبويه والمبرد أن الحرف يخفض به لا غير ، وأن الفعل هو الذي ينصب به ، فهذه اللفظة تستعمل فعلاً وحرفاً ، وهي في بعض المواضع فعل وزنه فاعل ، وذلك في قراءة من قرأ » حاشى لله{[6665]} «معناه مأخوذ من معنى الحرف ، وهو إزالة الشيء عن معنى مقرون به ، وهذا الفعل مأخوذ من الحشا أي هذا في حشى وهذا في حشى ، ومن ذلك قول الشاعر : [ المعطل الهذلي ] .

يقول الذي يمسي إلى الحرز أهله*** بأي الحشى صار الخليط المباين{[6666]}

ومنه الحاشية كأنها مباينة لسائر ما هي له ، ومن المواضع التي حاشى فيه فعل هذه الآية ، يدل على ذلك دخولها على حرف الجر ، والحروف لا تدخل بعضها على بعض ، ويدل على ذلك حذف الياء منها في قراءة الباقين » حاش «على نحو حذفهم من لا أبال ولا أدر ولو تر ، ولا يجوز الحذف من الحروف إلا إذا كان فيها تضعيف مثل : لعل ، فيحذف ، ويرجع عل ، ويعترض في هذا الشرط بمنذ وفد حذف دون تضعيف فتأمله .

قال القاضي أبو محمد : ومن ذلك في حديث خالد يوم مؤتة : فحاشى بالناس ، فمعنى » حاشى لله «أي حاش يوسف لطاعة الله أو لمكان من الله أو لترفيع الله له أن يرمي بما رميته به{[6667]} ، أو يدعى{[6668]} إله مثله لأن تلك أفعال البشر ، وهو ليس منهم إنما هو ملك - هكذا رتب أبو علي الفارسي معنى هذا الكلام ، على هاتين القراءتين اللتين في السبع{[6669]} - وأما قراءة أبي بن كعب وابن مسعود ، فعلى أن » حاشى «حرف استثناء - كما قال الشاعر [ ابن عطية ] : [ الكامل ]

حاشى أبي ثوبان إنَّ به*** ضنّاً عن الملحاة والشتم{[6670]}

وتسكين الشين في إحدى قراءتي الحسن ، ضعيف ، جمع بين ساكنين ، وقراءته الثانية محذوفة الألف من «حاشى » .

قال القاضي أبو محمد : والتشبيه بالملك هو من قبيل التشبيه بالمستعظمات وإن كانت لا ترى .

وقرأ أبو الحويرث الحنفي والحسن «ما هذا بشر إن هذا إلا ملِك كريم » بكسر اللام في «ملِك » ، وعلى هذه القراءة فالكلام فصيح لما استعظمن حسن صورته قلن : ما هذا إلا مما يصلح أن يكون عبد بشراء ، إن هذا مما يصلح أن يكون ملكاً كريماً .

ونصب «البشر » من قوله : { ما هذا بشراً } هو على لغة الحجاز شبهت { ما } بليس ، وأما تميم فترفع ، ولم يقرأ به{[6671]} .

وروي أن يوسف عليه السلام أعطي ثلث الحسن ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه أعطي نصف الحسن ، ففي بعض الأسانيد هو وأمه ، وفي بعضها هو وسارة جدة أبيه{[6672]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا على جهة التمثيل ، أي لو كان الحسن مما يقسم لكان حسن يوسف يقع في نصفه ، فالقصد أن يقع في نفس السامع عظم حسنه على نحو التشبيه برؤوس الشياطين وأنياب الأغوال{[6673]} .


[6658]:الأترج: شجر يعلو، ناعم الأغصان والورق والثمر، وثمره كالليمون الكبار، وهو ذهبي اللون، ذكي الرائحة، حامض الماء "مجمع اللغة العربية بالقاهرة"، نقلا عن (المعجم الوسيط).
[6659]:الزماورد – هكذا ضبطه شارح اللسان نقلا عن القاموس، وقال: هو طعام من البيض واللحم معرب، وقيل: هو الرقاق الملفوف باللحم، وفي اللسان أيضا: "ابن سيدة: المتك: الأترج، قال الجوهري: وأصل المتك: الزماورد".
[6660]:البيت في الطبري واللسان والقرطبي وغيرها، وهو غير منسوب، والإثم: الخمر، قاله بعضهم، واستشهد بقول الشاعر: شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم تذهب بالعقول والصواع: إناء يشرب فيه، مذكر، وفي التنزيل {قالوا نفقد صواع الملك} وهو الإناء الذي كان الملك يشرب منه، وجهارا: علانية، والمتك: الأترج، وسميت الأترجة متكا لأنها تقطع، ومعنى [مستعارا]: نتعاوره بأيدينا نشتمه، قاله في اللسان. والرواية في اللسان: (المسك) بدلا من (المتك).
[6661]:وأنشد الفراء: فعيث في السنام غداة قـــر بسكين موثقة النصـــــــاب
[6662]:البيت في (اللسان) و (الطبري) و (القرطبي) بلفظ "نأتي"، وبعض المفسرين مثل السدي وقتادة ومقاتل يقولون: أكبرن بمعنى حضن ويستشهدون بالبيت على أن هذا من كلام العرب المعروف، وبعض آخر ينكرون ذلك ومعهم اللغويون، قال أبو عبيدة: "ليس ذلك في كلام العرب، ولكن يجوز أن يكن حضن من شدة الإعظام كما تفزع المرأة فيسقط ولدها"، وقال الزجاج: "يقال : أكبرنه، ولا يقال: حضنه"، وقد قبل بعض اللغويين هذا المعنى، وفي (اللسان) عن أبي منصور الأزهري: "إن صحت هذه اللفظة في اللغة بمعنى "حضن" فلها مخرج حسن، وذلك أن المرأة أول ما تحيض فقد خرجت من حد الصغر إلى حد الكبر، فقيل لها: أكبرت أي حاضت، وروي عن أبي الهيثم أنه قال: سألت رجلا من طي، فقلت: يا أخا طيء ألك زوجة؟ قال: لا، والله ما تزوجت، وقد وعدت ابنة عم لي، قلت: و ما سنها؟ قال: قد أكبرت أو كبرت، قلت: ما أكبرت؟ قال: حاضت". إلا أن الهاء في قوله سبحانه: (أكبرنه) تنفي هذا المعنى، قال بعضهم: يجوز أن تكون هاء الوقف لا هاء الكناية، ورد بأن هذا خطأ، لأن هاء الوقف تسقط في الوصل، وأمثل منه قول ابن الأنباري: "إن الهاء كناية عن مصدر الفعل، أي: أكبرن إكبارا، بمعنى: حضن حيضا".
[6663]:قال أبو حيان في "البحر المحيط": "على وزن رمى وبلام الجر". وقال: ومن الفرقة الأعمش.
[6664]:عبارة البحر: "وقرأ الحسن (حاشْ) بسكون الشين وصلا ووقفا بلام الجر. وعلق عليها ابن جني بقوله: وهذا ضعيف من موضعين: أحدهما التقاء الساكنين: الألف والشين، وليست الشين مدغمة، والآخر: إسكان الشين بعد حذف الألف.
[6665]:أصح القراءات في هذه الكلمة قراءاتان: الأولى قراءة الكوفيين: {حاش لله} بفتح الشين وحذف الياء، والثانية قراءة بعض البصريين: {حاشى لله} بإثبات الياء، قال ذلك الطبري. وعلى هذا يمكن فهم الكثير من كلام ابن عطية، فهو هنا يشير إلى قراءة البصريين.
[6666]:البيت للمعطل الهذلي، قال ذلك في التاج، وفي اللسان، والرواية فيهما: يقول الذي أمسى إلى الحزن أهله بأي الحشى أمسى الخليط المباين؟. ومعنى "الحشى": الناحية.
[6667]:كأن الكلام موجه من النسوة لامرأة العزيز، فالمعنى: رفعه الله أن يرميه أحد بما رميته به يا زليخا.
[6668]:في بعض النسخ: أو "يذعن" من الإذعان، والمعنى على اللفظتين وارد ومناسب.
[6669]:يريد قراءة بعض البصريين {حاشى لله} بإثبات الياء، وقراءة الكوفيين: {حاش لله} بحذف الياء.
[6670]:يروى "أبا" مكان أبي، والبيت في الحقيقة من بيتين، ركبوا فيه صدر بيت على عجز بيت آخر، قال ذلك في "البحر المحيط" والبيتان هما: حاشى أبي ثوبان إن أبــــــا ثوبان ليس ببكمة فـدم عمرو بن عبد الله إن بــــه ضنا عن الملحة والشتم أراد بالبكمة: الأبكم، والفدم: العيي عن الكلام في ثقل فهم، والضن بالكسر والفتح: مصدر ضن، والملحاة: المنازعة والخصام. والبيت منسوب لسبرة بن عمرو الأسدي في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة، وفي "المفضليات" و "الأصمعيات" إلى الجميح، (وقيل: الجميع)، واسمه: منقذ بن الطماح الأسدي، ونسبه في (اللسان) إلى سبرة، والرواية فيه: (حاشى أبي مروان . . . ) والشاعر بمدح أبا ثوبان بأنه ليس عييا ولا غبيا، وهو يترفع عن الخصومة والنزاع.
[6671]:قال الزمخشري: "ومن قرأ على سليقته من بني تميم قرأ (بشر) بالرفع، وهي قراءة ابن مسعود".
[6672]:أخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والحاكم عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطي يوسف وأمه شطر الحسن)، وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ربيعة الجرشي رضي الله عنه قال: "قسم الله الحسن نصفين، فجعل ليوسف وسارة النصف، وقسم النصف الآخر بين سائر الناس" (الدر المنثور).
[6673]:معنى كلام ابن عطية أن الناس تشبه برءوس الشياطين وبأنياب الأغوال في مواقف التقبيح أو التهويل مع أنها لم تر الشياطين ولا الأغوال، وكذلك كان تشبيه يوسف بالملك في الحسن على سبيل الظن بأن صورة الملك أحسن، مع أن النسوة لم يرين الملك، وهذا مألوف ودارج عن الألسنة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا سَمِعَتۡ بِمَكۡرِهِنَّ أَرۡسَلَتۡ إِلَيۡهِنَّ وَأَعۡتَدَتۡ لَهُنَّ مُتَّكَـٔٗا وَءَاتَتۡ كُلَّ وَٰحِدَةٖ مِّنۡهُنَّ سِكِّينٗا وَقَالَتِ ٱخۡرُجۡ عَلَيۡهِنَّۖ فَلَمَّا رَأَيۡنَهُۥٓ أَكۡبَرۡنَهُۥ وَقَطَّعۡنَ أَيۡدِيَهُنَّ وَقُلۡنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا مَلَكٞ كَرِيمٞ} (31)

حقّ سمع أن يعدّى إلى المسموع بنفسه ، فتعديته بالباء هنا إما لأنه ضمن معنى أخْبِرت ، كقول المثل : « تسمع بالمعيدي خير من أن تراه » أي تخبر عنه . وإما أن تكون الباء مزيدة للتوكيد مثل قوله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم } [ سورة المائدة : 6 ] .

وأطلق على كلامهن اسم المكر ، قيل : لأنهن أردن بذلك أن يبلغ قولهن إليها فيغريَها بعَرضها يوسف عليه السّلام عليهن فيريْنَ جماله لأنهن أحببن أن يرينه . وقيل : لأنهن قلنه خفية فأشبه المكر ، ويجوز أن يكون أطلق على قولهن اسم المكر لأنهن قلنه في صورة الإنكار وهن يُضمرن حسَدَها على اقتناء مثله ، إذ يجوز أن يكون الشغف بالعبد في عادتهم غير منكر .

و{ أعتدت } : أصله أعددت ، أبدلت الدال الأولى تاء ، كما تقدم عند قوله تعالى : { وأعتدنا للكافرين عذاباً مُهيناً } في سورة النساء ( 37 ) .

والمتّكأ : محل الاتكاء . والاتكاء : جِلسة قريبة من الاضطجاع على الجنب مع انتصاب قليل في النصب الأعلى . وإنما يكون الاتكاء إذا أريد إطالة المكث والاستراحة ، أي أحضرت لهن نمارق يتّكِئْن عليها لتناول طعام . وكان أهل الترف يأكلون متكئين كما كانت عادةً للرومان ، ولم تزل أسرّة اتكائهم موجودة في ديار الآثار . وقال النبي : أمّا أنَا فلا آكلُ متكئاً .

ومعنى { آتت } أمرت خدمها بالإيتاء كقوله : { يا هامان ابن لي صرحاً } [ سورة غافر : 36 ] .

والسكين : آلة قطع اللحم وغيره . قيل : أحضرت لهن أتْرُجاً ومَوْزاً فحضرن واتكأن ، وقد حذف هذان الفعلان إيجازاً . وأعطت كل واحدة سكيناً لقشر الثمار .

وقولها : { أُخرج عليهن } يقتضي أنه كان في بيت آخر وكان لا يدخل عليها إلا بإذنها . وعدّي فعل الخروج بحرف ( على ) لأنه ضمن معنى ( أُدخل ) لأن المقصود دخوله عليهن لا مجرد خروجه من البيت الذي هو فيه .

ومعنى { أكبرنه } أعظمنه ، أي أعظمن جماله وشمائله ، فالهمزة فيه للعدّ ، أي أعددنه كبيراً ، وأطلق الكبر على عظيم الصفات تشبيهاً لِوفرة الصفات بعظم الذات .

وتقطيع أيديهن كان من الذهول ، أي أجرين السكاكين على أيديهن يحسبن أنهن يقطعن الفواكه . وأريد بالقطع الجُرح ، أطلق عليه القطع مجازاً للمبالغة في شدته حتى كأنه قَطْع قطعة من لحم اليد .

و { حاش لله } تركيب عربي جرى مجرى المثل يراد منه إبطال شيء عن شيء وبراءته منه . وأصل ( حاشا ) فعل يدل على المباعدة عن شيء ، ثم يعامل معاملة الحرف فيجَرُّ به في الاستثناء فيقتصر عليه تارة . وقد يوصل به اسم الجلالة فيصير كاليمين على النفي يقال : حَاشَا الله ، أي أحاشيه عن أن يكذب ، كما يقال : لا أقسم . وقد تزاد فيه لام الجر فيقال : حاشا لله وحاش لله ، بحذف الألف ، أي حاشا لأجله ، أي لخوفه أن أكذب . حكي بهذا التركيب كلام قالته النسوة يدل على هذا المعنى في لغة القبط حكاية بالمعنى .

وقرأ أبو عَمرو « حاشا لله » بإثبات ألف حاشا في الوصل ، وقرأ البقية بحذفها فيه . واتفقوا على الحذف في حالة الوقف .

وقولهن : { مَا هذا بشراً } مبالغة في فَوْته محاسن البشر ، فمعناه التفضيل في محاسن البشر ، وهو ضد معنى التشابه في باب التشبيه .

ثم شبّهنه بواحد من الملائكة بطريقة حصره في جنس الملائكة تشبيهاً بليغاً مؤكّداً . وكان القبط يعتقدون وجود موجودات علوية هي من جنس الأرواح العلوية ، ويعبرون عنها بالآلهة أو قضاة يوم الجزاء ، ويجعلون لها صوراً ، ولعلهم كانوا يتوخّوْن أن تكون ذواتاً حسنة . ومنها ما هي مدافعة عن الميت يوم الجزاء . فأطلق في الآية اسم الملك على ما كانت حقيقته مماثلة لحقيقة مسمّى الملك في اللغة العربية تقريباً لأفهام السامعين .

فهذا التشبيه من تشبيه المحسوس بالمتخيل ، كقول امرىء القيس :

ومسنونة زرق كأنياب أغوال