المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلِ ٱلۡعَفۡوَۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ} (219)

219- ويسألونك - يا محمد - عن حكم الخمر والقمار ، فقل : إن فيهما ضرراً كبيراً من إفساد الصحة وذهاب العقل والمال وإثارة البغضاء والعدوان بين الناس ، وفيهما منافع وبعض المنافع الصحية والربح السهل ، ولكن ضررهما أكبر من نفعهما فاجتنبوهما . ويسألونك عمَّا ينفقون ، فأجبهم أن ينفقوا في ذات الله السهل اليسير الذي لا يشق عليكم إنفاقه ، كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون فيما يعود عليكم من مصالح الدنيا والآخرة{[18]} .


[18]:هذه الآية تقرر حقيقة ثابتة هي أن الخمر والميسر منافع عرضية، كما أن فيهما إثما كبيرا، وأن هذا الإثم أكبر مما يتراءى فيهما من منافع، فشارب الخمر ينتفع ببعض النشوة التي تنقلب إلى خمود يؤدي شربها بعد ذلك إلى إصابته بمختلف الأمراض التي تقود شاربها إلى الإدمان عليها ويتعدى ضررها ذلك إلى الإضرار بكثير من أجهزة الجسم المختلفة كالجهاز الهضمي والعصبي والدوري والدموي، وفي تجارتها منافع مادية ولكن هذه المنافع لا تعتبر شيئا بجانب الأضرار الجسمية التي يحدثها ترويجها بين الناس. والميسر كالخمر، فالنشوة التي يشعر بها المقامر هي على حساب أعصابه واربح الذي يربحه قد يضيع في جلسة واحدة أو في مرات تالية بل قد يصيبه إدمانه بالإفلاس، والفوائد المادية التي يربحها أصحاب دور القمار لا تساوي شيئا بجانب الأضرار الجسمية التي تنجم عن نشر هذه الجريمة بين الناس.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلِ ٱلۡعَفۡوَۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ} (219)

قوله تعالى : { يسألونك عن الخمر والميسر } . الآية ، نزلت في عمر بن الخطاب ، ومعاذ بن جبل ، ونفر من الأنصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله أفتنا في الخمر أفتنا في الخمر والميسر ؟ فإنهما مذهبة للعقل ، مسلبة للمال . فأنزل الله هذه الآية . وجملة القول في تحريم الخمر على ما قال المفسرون ، أن الله تعالى أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكة وهي : ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً ) فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال يومئذ ، ثم نزلت في مسألة عمر ومعاذ بن جبل .

قوله تعالى : { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير } . فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قد تقدم في تحريم الخمر " فتركها قوم لقوله :

قوله تعالى : { إثم كبير } . وشربها قوم لقوله :

قوله تعالى : { ومنافع للناس } . إلى أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعا ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا ، وحضرت صلاة المغرب فقدموا بعضهم ليصلي بهم فقرأ : قل يا أيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون ، هكذا إلى آخر السورة بحذف " لا " فأنزل الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) فحرم السكر في أوقات الصلاة ، فلما نزلت هذه الآية تركها قوم وقالوا : لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة ، وتركها قوم في أوقات الصلاة ، وشربوها في غير حين الصلاة ، حتى كان الرجل يشرب بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال عنه السكر ، ويشرب بعد صلاة الصبح فيصحو إذا جاء وقت الظهر ، واتخذ عتبان بن مالك صنيعاً ، ودعا رجالاً من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص ، وكان قد شوى لهم رأس بعير ، فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى أخذت منهم ، ثم إنهم افتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الأشعار ، فانشد سعد قصيدة فيها هجاء للأنصار وفخر لقومه ، فأخذ رجل من الأنصار لحي بعير فضرب به رأس سعد فشجه موضحه . فانطلق سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الأنصاري ، فقال عمر : اللهم بين لنا رأيك في الخمر بياناً شافياً ؟ ، فأنزل الله تعالى تحريم الخمر في سورة المائدة . إلى قوله ( فهل أنتم منتهون ) وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام ، فقال عمر رضي الله عنه . انتهينا يا رب .

قال أنس حرمت الخمر ولم يكن يومئذ للعرب عيش أعجب منها ، وما حرم عليهم شيئاً أشد من الخمر . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما نزلت الآية في سورة المائدة حرمت الخمر ، فخرجنا بالحباب إلى الطريق فمنا من كسر جبه ، ومنا غسله بالماء والطين ، ولعله غودرت أزقة المدينة بعد ذلك حيناً ، فلما مطرت استبان فيها لون الخمر ، وفاحت منها ريحها .

وعن أنس رضي الله عنه ، سميت الخمر خمرا لأنهم كانوا يدعونها في الدنان حتى تختمر وتتغير ، وعن ابن المسيب لأنها تركت حتى صفا لونها ، ورسب كدرها .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، أخبرنا ابن علية ، أخبرنا عبد العزيز بن صهيب قال : قال لي أنس بن مالك . ما كان لنا خمر غير فضيخكم ، وإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلاناً وفلاناً إذ جاء رجل فقال : حرمت الخمر . فقالوا : أهرق هذه القلائل يا أنس ، قال : فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل .

واختلف الفقهاء في ماهية الخمر ، فقال قوم : هي عصير العنب أو الرطب الذي اشتد وغلا من غير عمل النار فيه ، واتفقت الأئمة على أن هذا الخمر نجس يحد شاربها ، ويفسق ويكفر مستحلها ، وذهب سفيان الثوري ، وأبو حنيفة وجماعة إلى أن التحريم لا يتعدى هذا ، ولا يحرم ما يتخذ من غيرهما كالمتخذ من الحنطة والشعير والذرة والعسل والفانيذ ، إلا أن يسكر منه فيحرم ، وقالوا إذا طبخ عصير العنب والرطب حتى ذهب نصفه فهو حلال ولكنه يكره ، وإن طبخ حتى ذهب ثلثاه قالوا : هو حلال مباح شربه إلا أن السكر منه حرام ، ويحتجون بما روي أن عمر بن الخطاب كتب إلى بعض عماله أن أرزق المسلمين من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه . ورأى أبو عبيدة ومعاذ شرب الطلاء على الثلث . وقال قوم : إذا طبخ العصير أدنى طبخ صار حلالاً ، وهو قول إسماعيل بن علية . وذهب أكثر أهل العلم إلى أن كل شراب أسكر كثيره فهو خمر ، وقليله حرام يحد شاربه . واحتجوا بما أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال : " كل شراب أسكر فهو حرام " .

أخبرنا أبو عبد الله بن محمد بن الفضل الخرقي ، أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني ، أنا علي بن حجر ، أنا إسماعيل بن جعفر عن داود بن بكر بن أبي الفرات عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ، أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنا إبراهيم بن محمد بن أبي سفيان ، أنا مسلم بن الحجاج أنا أبو الربيع العتكي ، أخبرنا حماد بن زيد ، عن أيوب بن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مسكر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو مدمنها ولم يتب لم يشربها في الآخرة " .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد ابن إسماعيل ، أنا أحمد بن أبي رجاء ، أنا يحيى عن أبي حيان ، عن الشعبي عن ابن عمر قال : خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنه قد نزل تحريم الخمر ، وهي من خمسة أشياء : من العنب والتمر ، والحنطة والشعير والعسل ، والخمر ما خامر العقل .

وروى الشعبي عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من العنب خمراً ، وإن من التمر خمراً ، وإن من العسل خمراً ، وإن من البر خمراً وإن من الشعير خمراً " .

فثبت أن الخمر لا يختص بما يتخذ من العنب أو الرطب .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال : إني وجدت من فلان ريح خمر أو شراب ، وزعم أنه شرب الطلاء ، وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته ، فجلده عمر الحد تاماً .

وما روى عن عمر ، وأبي عبيدة ومعاذ في الطلاء فهو فيما طبخ حتى خرج عن أن يكون مسكراً .

سئل ابن عباس عن الباذق فقال : سبق حكم محمد الباذق ، فما أسكر فهو حرام .

قوله تعالى : { والميسر } . يعني القمار ، قال ابن عباس : كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله فأنزل الله تعالى هذه الآية ، والميسر : مفعل من قولهم يسر لي الشيء إذا وجب بيسر يسراً وميسراً ، ثم قيل للقمار ميسر ، وللمقامر ياسر ويسر ، وكان أصل الميسر في الجزور وذلك أن أهل الثروة من العرب كانوا يشترون جزوراً فينحرونها ، ويجزؤونها عشرة أجزاء ، ثم يسهمون عليها بعشرة قداح يقال لها الأزلام والأقلام السبعة ، منها أنصباء وهي : الفذ وله نصيب واحد ، والتوأم وله نصيبان ، والرقيب وله ثلاثة أسهم ، والحلس وله أربعة ، والنافس وله خمسة ، والمسبل وله ستة ، والمعلى وله سبعة ، وثلاثة منها : لا أنصباء لها وهي المنيح والسفيح والوغد ، ثم يجعلون القداح في خريطة تسمى الربابة ويضعونها على يدي رجل عدل عندهم يسمى المحيل والنفيض ، ثم يحيلها ويخرج قدحاً منها باسم رجل منهم ، فأيهم خرج سهمه أخذ نصيبه على قدر ما يخرج ، فإن خرج له واحد من الثلاثة التي لا أنصباء لها كان يأخذ شيئاً ، ويغرم ثمن الجزور كله . وقال بعضهم : كان لا يأخذ شيئاً ولا يغرم ، ويكون ذلك القدح لغواً ، ثم يدفعون ذلك الجزور إلى الفقراء ولا يأكلون منه شيئاً ، وكانوا يفتخرون بذلك ويذمون من لم يفعل ذلك ويسمونه البرم ، وهو أصل القمار الذي كانت تفعله العرب . والمراد من الآية أنواع القمار كلها ، قال طاووس وعطاء ومجاهد : كل شيء فيه قمار فهو من الميسر . حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب ، وروي عن علي رضي الله عنه في النرد والشطرنج أنهما من الميسر .

قوله تعالى : { قل فيهما إثم كبير } . وزر عظيم من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش ، قرأ حمزة والكسائي إثم كثير بالثاء المثلثة وقرأ الباقون بالباء فالإثم في الخمر والميسر ما ذكره الله في سورة المائدة . ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) .

قوله تعالى : { ومنافع للناس } . فمنفعة الخمر اللذة عند شربها والفرح ، واستمراء الطعام ، وما يصيبون من الربح بالتجارة فيها ، ومنفعة الميسر إصابة المال من غير كد ولا تعب ، وارتفاق الفقراء به . والإثم فيه أنه إذا ذهب ماله من غير عوض ساءه ذلك فعادى صاحبه فقصده بالسوء .

قوله تعالى : { وإثمهما أكبر من نفعهما } . قال الضحاك وغيره : إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم ، وقيل : إثمهما أكبر من نفعهما قبل التحريم وهو ما يحصل من العداوة والبغضاء .

قوله تعالى : { ويسألونك ماذا ينفقون } . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حثهم على الصدقة فقالوا ماذا ننفق ؟ فقال :

قوله تعالى : { قل العفو } . قرأ أبو عمرو والحسن وقتادة وابن أبي إسحاق " العفو " بالرفع ، معناه : الذي ينفقون هو العفو . وقرأ الآخرون بالنصب ، على معنى ، قل : أنفقوا العفو . واختلفوا في معنى العفو ، فقال قتادة وعطاء والسدي : هو ما فضل عن الحاجة ، وكانت الصحابة يكتسبون المال ويمسكون قدر النفقة ، ويتصدقون بالفضل بحكم هذه الآية ، ثم نسخ بآية الزكاة . وقال مجاهد : معناه : التصدق عن ظهر غنى حتى لا يبقى كلاً على الناس .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنا أبو طاهر محمد بن محمد ابن مخمش الزيادي ، أنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر ، أنا إبراهيم ابن عبد الله بن عمر الكوفي ، أنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول " .

وقال عمرو بن دينار : الوسط من غير إسراف ولا إقتار قال الله تعالى ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا ) وقال طاووس : ما يسر ، والعفو : اليسر من كل شيء ومنه قوله تعالى ( خذ العفو ) أي الميسور من أخلاق الناس . أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي أنا سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله عندي دينار ؟ قال صلى الله عليه وسلم : أنفقه على نفسك قال : عندي آخر قال : أنفقه على ولدك قال : عندي آخر ؟ قال : أنفقه على أهلك قال : عندي آخر قال : أنفقه على خادمك ، قال : عندي آخر قال : أنت أعلم .

قوله تعالى : { كذلك يبين الله لكم الآيات } . قال الزجاج : إنما قال كذلك على الواحد وهو يخاطب جماعة ، لأن الجماعة معناها القبيل كأنه قال : كذلك أيها القبيل ، وقيل : هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه خطاب يشتمل على خطاب الأمة كقوله تعالى : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ) .

219

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلِ ٱلۡعَفۡوَۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ} (219)

وبعد هذا الحديث الجامع عن البذل والتضحية ، ساق القرآن في آيتين ثلاثة أسئلة وأجاب عنها بما يشفي الصدور ، ويصلح النفوس .

فقال تعالى :

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر . . . }

قوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر } . . السائلون هم المؤمنون وسؤالهم إنما هو عن الحكم الشرعي من حيث الحل والتحريم . لا عن الحقيقة والذات فإنهم يعرفون حقيقة الخمر والميسر وذاتهما .

قال القرطبي : والخمر مأخوذة من خمر إذا ستر ، ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها - وكل شيء غطى شيئاً فقد خمره . ومنه { خمروا آنيتكم ، فالخمر تخمر العقل ، أي : تغطيه وتستره . . فلما كانت الخمر تستر العقل وتغطيه سميت بذلك ، وقيل إنما سميت الخمر خمرا ؛ لأنها تركت حتى أدركت كما يقال : قد اختمر خمراً لأنها تخالط العقل من المخامرة وهي المخالطة ومنه قولهم : دخلت في خمار الناس - بفتح الخاء وضمها - أي : اختلطت بهم . فالمعاني الثلاثة متقاربة . فالخمر تركت وخمرت حتى أدركت ، ثم خالطت العقل . ثم خمرته ، والأصل الستر .

ويرى كثير من العلماء أن هذه الآية هي أول آية نزلت في الخمر . ثم نزلت الآية التي في سورة النساء { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنْتُمْ سكارى حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } ثم نزلت الآية التي في سورة المائدة { ياأيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } والدليل على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن عمر بن الخطاب أنه قال " اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا " فنزلت هذه الآية { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر } فدعى عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا " .

فنزلت الآية التي في النساء { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنْتُمْ سكارى } فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة - نادى أن : لا يقربن الصلاة سكران . فدعى عمر فقرئت عليه ، فقال : " اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا " فنزلت الآية التي في المائدة ، فدعى عمر فقرئت عليه ، فلما بلغ { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } قال عمر : " انتهينا " .

وبهذا الرأي قال ابن عمر والشعبي ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

ويرى بعض العلماء أن أول آية نزلت في الخمر هي قوله - تعالى - في سورة النحل : { وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل والأعناب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } وعلى هذا الرأي سار صاحب الكشاف وتبعه بعض العلماء فقد قال : نزلت في الخمر أربع آيات ، نزل بمكة قوله - تعالى - { وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل والأعناب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } فكان المسلمون يشربونها وهي حلال لهم . ثم إن عمر ومعاذا ونفرا من الصحابة قالوا : يا رسول الله ، أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال ، فنزلت : { فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } فشربها قوم وتركها آخرون .

ثم دعا عبد الرحمن بن عوف ناسا منهم فشربوا وسكروا فقام بعضهم يصلي فقرأ : قل يأيها الكافرون أعبدما تعبدون فنزلت : { لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنْتُمْ سكارى } فقل من يشربها ثم دعا عتبان بن مالك قوماً فيهم سعد بن أبي وقاص فلما سكروا افتخروا وتناشدوا شعر فيه هجاء للأنصار فضرب أحد الأنصار سعداً بلحى بعير فشجه ، فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك . فقال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت " إنما الخمر والميسر . . . إلخ الآية " . . فقال عمر : انتهينا يا رب " .

وأصحاب الرأي الأول يقولون : إن آية سروة النحل وهي قوله - تعالى - : { وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل والأعناب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } ليس لها علاقة بموضوع الخمر ، ويفسرون السكر بأنه ما أحله الله مما لا يسكر وأنه هو الرزق الحسن وأن العطف بينهما من باب عطف التفسير .

ولقد كان موقف الصحابة من هذا التحريم لما يشتهونه ويحبونه من الخمر والميسر ، يمثل أسمى ألوان الطاعة والاستجابة لأوامر الله ونواهيه ، فعندما بلغهم تحريم الخمر أراقوا ما عندهم منها في الطرقات . بل وحطموا الأواني التي كانت توضع فيها الخمر امتثالا وطاعة لله - تعالى - .

وهكذا نرى قوة الإِيمان التي غرسها الإِسلام في نفوس أتباعه عن طريق تعاليمه السامية ، وتربيته الحكيمة . . تغلبت على ما أحبته النفوس وأزالت من القلوب ما ألفته الطبائع .

هذا وجمهور العلماء على أن كلمة " خمر " تشمل كل شراب مسكر سواء أكان من عصير العنب أم من الشعير أم من التمر أم من غير ذلك ، ولكها سواء في التحريم قل المشروب منها أو كثر سكر شاربه أو لم يسكر .

ومن أدلتهم ما وراه الإِمام مسلم عن ابن عمر - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام ، ومن شرب الخمر في الدنيا ومات وهو يدمنها لم يتب منها لم يشربها في الآخرة " .

ومن أدلتهم أيضاً أصل الاشتقاق اللغوي لكلمة خمر ، فقد عرفنا أنها سميت بهذا الاسم لمخامرتها العقل وستره ، فكل ما خامر العقل من الأشربة وجب أن يطلق عليه لفظ خمر سواء أكان من العنب أم من غيره .

وقال الأحناف ووافقهم بعض العلماء كإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وابن أبي ليلى : إن كلمة خمر لا تطلق إلا على الشراب المسكر من عصير العنب فقط ، أما المسكر من غيره كالشراب من التمر أو السعير فلا يسمى خمرا بل يسمى نبيذاً . وقد بنوا على هذا أن المحرم قليله وكثيره إنما هو الخمر من العنب . أما الأنبذة فكثيرها حرام وقليلها حرام .

وقد رجح العلماء رأى الجمهور وضعفوا ما ذهب إليه الأحناف ومن وافقهم .

قال ابن العربي : وتعلق أبو حنيفة بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة فلا يلتفت إليها والصحيح ما روى الأئمة أن أنسا قال : " حرمت الخمر يوم حرمت وما بالمدينة خمر الأعناب إلا قليل ، وعامة خمرها البسر والتمر " . أخرجه البخاري ، واتفق الأئمة على رواية أن الصحابة إذ حرمت الخمر لم يكن عندهم يومئذ خمر عنب ، وإنما كانوا يشربون خمر النبيذ فكسروا دنانهم - أي أواني الخمر - وبادروا إلى الامتثال لا عتقادهم أن ذلك كله خمر " أي وأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك .

وقال الآلوسي : وعندي أن الحق الذي لا ينبغي العدول عنه أن الشراب المتخذ مما عدا العنب كيف كان وبأي اسم سمى متى كان بحيث يسكر من لم يتعوده حرام ، وقليله ككثيره ، ويحد شاربه ويقع طلاقه ونجاسته غليظة . وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن النقيع - وهو نبيذ العسل - فقال : " كل شراب أسكر فهو حرام " وروى أبو داود " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر " وصح " ما أسكر كثيرة فقليله حرام " والأحاديث متضافرة على ذلك . ولعمري إن اجتماع الفساق في زماننا على شرب المسكرات مما عدا " الخمر " ورغبتهم فيها ، فوق اجتماعهم على شرب " الخمر " ورغبتهم فيه بكثير ، وقد وضعوا لها أسماء - كالعنبرية والإِكسير - ونحوهما ظنا منهم أن هذه الأسماء تخرجها من الحرمة وتبيح شربها للأمة - وهيهات هيهات - فالأمر وراء ما يظنون وإنا لله وإنا إليه راجعون .

بعد هذه الكلمة التمهيدية عن الآية ، وعن مدلول كلمة خمر ننتقل إلى معنى كلمة " الميسر " فنقول : الميسر : القمار - بكسر القاف - وهو في الأصل مصدر ميمي من يسر ، كالموعد من وعد . وهو مشتق من اليسر بمعنى السهولة ، لأن المال يجئ للكاسب من غير جهد ، أو هو مشتق من يسر بمعنى جزر . ثم أصبح علما على ما يتقامر عليه كالجزور ونحوه .

قال القرطبي نقلا عن الأزهري : الميسر : الجزور الذي كانوا يتقامرون عليه ، سمي ميسراً ، لأنه أجزاء ، فكأنه موضع التجزئة ، وكل شيء جزأته فقد يسرته . والياسر : الجازر لأنه يجزئ لحم الجزور . . ويقال للضاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور : ياسرون ، لأنهم جازرون إذ كانوا سببا لذلك .

وصفة الميسر الذي كانت تستعمله العرب أنهم كانت لهم عشرة أقداح يقال لها الأزلام أو الأقلام ، فكانوا إذا أرادوا أن يقامروا أحضروا بعيرا وقسموه ثمانية وعشرين قسما وتترك ثلاثة من تلك الأقداح غفلا لا علامة عليها وكانت تسمى : السفيح ، والمنيح ، والوغد . ومن طلع له واحد منها لا يأخذ شيئاً من الجزور . أما السبعة الأخرى فهي الرابحة وهي الفذو له سهم واحد ، والتوأم وله سهمان ، والرقيب وله ثلاثة ، والحلس وله أربعة ، والنافس وله خمس والمسبل وله ستة ، والمعلي وله سبعة فيكون المجموع ثمانية وعشرين سهما .

تلك صورة تقريبية لقمار العرب كما أوردها بعض المفسرين ولا شك أنه يدخل في حكمها من حيث الحرمة ما كان مشابها لها في المخاطرة والرهان وأخذ الأموال بدون مقابل مشروع ، أو ضياعها فيما حرمه الله .

ومعنى الآية الكريمة : يسألك أصحابك يا محمد عن حكم شرب الخمر ولعب الميسر ، قل لهم على سبيل الإِرشاد والإِعلام : في تعاطيهما { إِثْمٌ كَبِيرٌ } أي : ذنب عظيم ، وضرر شديد وذلك لما فيهما من القبائح المنافية لمحاسن الشرع من الكذب ، والأذى ، وشيوع العداوة والبغضاء بين الناس ، واستلاب أموالهم بغير حق .

وقوله : { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } أي وفيهما منافع دنيوية للناس إذ الخمر تعدر على المتاجرين فيها أرباحا مالية ، والميسر يؤدي إلى إصابة بعض الناس للمال بدون تعب .

وأطلق - سبحانه - الإِثم وقيد المنافع بأنها للناس ، للتبيه على أن الإِثم في الخمر والميسر ذاتي ، فهما في ذاتهما رجس كبير ، وخطر وبيل ، وأن ما فيهما من منافع ضئيل ولا يتجاوز بعض الناس ، فهي منافع خاصة وليست عامة ، ويشهد لهذا قوله - تعالى - بعد ذلك .

{ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } أي أن المفاسد والأضرار التي تترتب على تعاطيهما ، أعظم من المنافع التي تنشأ عن تعاطيهما ، إذ تعاطيهما يؤدي إلى منفعة بعض الناس ، أما مضارهما فكثيرة ، من ذلك أن تعاطي الخمر يضعف الضمير ، ويفسد الأخلاق ، ويميت الحياء ، ويفقد الرشد ويتلف المال ، ويغري بالتنازع بين الناس ، ويتسبب - كما قال الأطباء الثقاة - في كثير من الأمراض كأمراض الكبد والرئتين والقلب . . إلخ .

وإن شئت المزيد من معرفة مضار الخمر فراجع ما كتبه العلماء والمتخصصون في ذلك .

أما تعاطي الميسر فمن مضاره - كما يقول الأستاذ الإِمام محمد عبده - إفساد التربية بتعويد النفس الكسل ، وانتظار الرزق من الأسباب الوهمية ، وإضعفا القوة العقلية ، بترك الأعمال المفيدة في طرق الكسب الطبيعية ، وإهمال المقامرين للزراعة والتجارة والصناعة التي هي أركان العمران ، وتخريب البيوت فجأة بالانتقال من الغني إلى الفقر في ساعة واحدة ، فكم من عشيرة كبيرة نشأت في العز والغني وانحصرت ثروتها في جرل أضاعها عليها في ليلة واحدة ؛ فأصبحت عنية وأمست فقيرة " .

إّن فالمنافع الدنيوية التي تعود إلى بعض الناس من تعاطي الخمر والميسر لا تساو شيئاً بجانب تلك المضار الجسمية التي تعود على أفراد الأمة في دينهم وعقولهم وأجسامهم وأموالهم وترابطهم ، وصدق الله إذ يقول : { إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء فِي الخمر والميسر وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } ثم يأتي بعد ذلك السؤال الثاني الذي ورد في هاتين الآيتين وهو قوله - تعالى - : { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو } .

ومناسبة هذا السؤال لما قبله أنهم بعد أن نهوا عن إنفاق أموالهم في الوجوه المحرمة كتعاطي الخمر والميسر ، سألوا عن وجوه الإِنفاق الحلال ، وعن مقدار ما ينفقون فأجيبوا بهذا الجواب الحكيم .

قال الآلوسي : أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس أن نفراً من الصحابة حين أمرو بالنفقة في سبيل الله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا وما الذي ننفقه منها فأنزل الله - تعالى- { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو } وكان الرجل قبل ذلك ينفق ماله حتى لا يجد ما يتصدق ولا ما يأكل " .

وأصل العفو في اللغة الزيادة . قال- تعالى - : { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة حتى عَفَوْاْ } أي زادوا على ما كانوا عليه من العدد . ويطلق على ما سهل وتيسر مما يكون فاضلا عن الكفاية . يقال : خذ ما عفا لك . أي ما تيسر . كما يطلق على الترك قال - تعالى - { عَفَا الله عَمَّا سَلَف } أي تركه وتجاوز عنه .

والمراد هنا : ما يفضل عن الأهل ويزيد عن الحاجة ، إذ هذا القدر الذي يتيسر إخراجه ويسهل بذله ، ولا يتضرر صاحبه بتركه .

والمعنى : ويسألونك ما الذي يتصدقون به من أموالهم في وجوه البر ، فقل لهم تصدقوا بما زاد عن حاجتكم ، وسهل عليكم إخراجه ، ولا يشق عليكم بذله .

وفي هذه الجملة الكريمة إرشاد حكيم إلى التعاون والتراحم بين أفراد المجتمع ، وتوجيه إلى المنهاج الوسط الذي يأبى التبذير وينفر من التقتير ، وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ما يؤيد هذا الإِرشاد والتوجيه ، ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير الصدقة ما كان عن ظهر غني وابدأ بمن تعول " .

وأخرج مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إبدأ بنفسك فتصدق عليها ، فإن فضل شيء فلأهلك ، فإن فضل عن أهلك شيء فلذى قرابتك ، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا " .

إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في هذا المعنى .

وللأستاذ الإِمام كلام جيد في هذا المقام ، فقد قال - رحمه الله - ما ملخصه : إن الأمة المؤلفة من مليون فرد إذا كانت تبذل من فضل مالها في مصالحها العامة كإعداد القوة وتربية الناشئة . . تكون أعز وأقوى من أمة مؤلفة من مائة مليون فرد لا يبذلون شيئا في مثل ذلك ؛ لأن الواحد من الأمة الأولى يعد بأمة ، إذ هو يعتبر نفسه جزءاً منها وهي كل له ، بينما الأمة الثانية لا تعد بواحد لأن كل فرد من أفرادها يخذل الآخر . . وفي الحقيقة أن مثل هذا الجمع لا يسمى أمة ، لأن كل واحد من أفراده يعيش وحده وإن كان في جانبه أهل الأرض ، فهو لا يتصل بمن معه ليمدهم ويستمد منهم " .

219