تحدثت في افتتاحيتها عن الفتح المبين ، الذي يسره الله لرسوله ، وعن آثاره العظيمة في انتشار الإسلام ، وإعزاز المسلمين ، وعن تثبيت اله قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا ، وعن عذاب المنافقين والمشركين ، بتشككهم في نصر الله لرسوله ، وعن إرسال محمد صلى الله عليه وسلم شاهدا ومبشرا ، ليتحقق الإيمان بالله . وانتقلت بعد ذلك إلى حديث بيعة أهل الصدق والوفاء لرسوله ، وبينت كذب اعتذار المتخلفين عن الخروج مع الرسول ، وأنهم تخلفوا لظنهم أن الله لا ينصره ، وعرضت لطلبهم الخروج معه للغنائم .
ثم بينت أنهم سيدعون إلى قتال قوم ذوي بأس وقوة ، وأنه لا إثم في التخلف عن القتال لعذر صحيح ، كما أوضحت عظم الخير الذي وعد الله به من رضي عنهم في بيعة الرضوان ، وتكلمت عن فرار الكافرين وهزيمتهم إذا ما قاتلوا المؤمنين ، وشرحت حكمة الله في كف الكافرين عن المؤمنين ، والمؤمنين عن الكافرين يوم فتح مكة ، وأنهت الحديث ببيان الله صدق رسوله رؤياه دخول المسجد الحرام ، وأن محمدا والذين آمنوا معه غلاظ على الكفار ، متراحمون فيما بينهم ، وبيان ما يعرف به المؤمنون ، وصفتهم في التوراة ، وصفتهم في الإنجيل ، ووعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالمغفرة الواسعة والأجر العظيم .
1 - إنا فتحنا لك - يا محمد - فتحا عظيما مبينا بانتصار الحق على الباطل ، ليغفر لك الله ما تقدَّم مما يُعَدُّ لمثل مقامك ذنبا ، وما تأخر منه ، ويكمل نعمته عليك بانتشار دعوتك ، ويُثَبِّتَكَ على طريق الله المستقيم ، وينصرك الله على أعداء رسالتك نصراً قويا غاليا .
بسم الله الرحمن الرحيم { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } وعد بفتح مكة ، والتعبير عنه بالماضي لتحققه أو بما اتفق له في تلك السنة كفتح خيبر وفدك ، أو إخبار عن صلح الحديبية وإنما سماه فتحا لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوا الصلح وتسبب لفتح مكة ، وفرغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائر العرب فغزاهم وفتح مواضع وأدخل في الإسلام خلقا عظيما ، وظهر له في الحديبية آية عظيمة وهي أنه نزح ماؤها بالكلية فتمضمض ثم مجه فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه ، أو فتح الروم فإنهم غلبوا الفرس في تلك السنة . وقد عرفت كونه فتحا للرسول صلى الله عليه وسلم في سورة " الروم " . وقيل الفتح بمعنى القضاء أي قضينا لك أن تدخل مكة من قابل .
هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من الحديبية وفي ذلك أحاديث كثيرة عن أنس وابن مسعود{[1]} وغيرهما تقتضي صحته وهي بهذا في حكم المدني وقال الزهراوي عن مجاهد وعن ابن عباس إنها نزلت بالمدينة والأول أصح ويشبه أن منها بعضا نزل بالمدينة وأما صدر السورة ومعظمها فكما قلنا ويقضي بذلك قول النبي عليه السلام لعمر وهما في تلك السفرة ( لقد نزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها ){[2]} قال القاضي أبو محمد ذكر مكي هنا ان المعنى بشرط أن تبقى الدنيا ولا تفنى وفي هذا نظر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في تلك الوجهة ليعتمر بمكة فصده المشركون القصة المشهورة سنة ست من الهجرة
قال قوم فيما حكى الزهراوي { فتحنا لك } يريد به فتح مكة ، وحكاه الثعلبي أيضاً ، ونسبه النقاش إلى الكلبي . وأخبره تعالى به على معنى : قضينا به . والفتاح : القاضي بلغة اليمن ، وقيل المراد : { إنا فتحنا لك } بأن هديناك إلى الإسلام ليغفر . وقال جمهور الناس : والصحيح الذي تعضده قصة الحديبية أن قوله : { إنا فتحنا لك } إنما معناه : إن ما يسر الله لك في تلك الخرجة فتح مبين تستقبله ، ونزلت السورة مؤنسة للمؤمنين ، لأنهم كانوا استوحشوا من رد قريش لهم ومن تلك المهادنة التي هادنهم النبي عليه السلام فنزلت السورة مؤنسة لهم في صدهم عن البيت ومذهبه : ما كان في قلوبهم ، ومنه حديث عمر الشهير وما قاله للنبي عليه السلام ولأبي بكر واستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السفرة أنه هادن عدوه ريثما يتقوى هو ، وظهرت على يديه آية الماء في بئر الحديبية حيث وضع فيه سهمه وثاب الماء حتى كفى الجيش ، واتفقت بيعة الرضوان وهي الفتح الأعظم ، قاله جابر بن عبد الله والبراء بن عازب . وبلغ هديه محله ، قاله الشعبي واستقبل فتح خيبر ، وامتلأت أيدي المؤمنين خيراً ، ولم يفتحها إلا أهل الحديبية ولم يشركهم فيها أحد .
قال القاضي أبو محمد : وفيه نظر ، لأن أصحاب السفينة مع جعفر بن أبي طالب شاركوهم في القسم ، فينبغي أن يقال لم يشاركهم أحد من المتخلفين عن الحديبية ، واتفقت في ذلك الوقت ملحمة عظيمة بين الروم وفارس ظهرت فيها الروم ، فكانت من جملة الفتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسر بها هو والمؤمنون لظهور أهل الكتاب على المجوس وانخضاد الشوكة العظمى من الكفر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.