وقوله : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } قال [ علي ]{[22806]} بن أبي طلحة عن ابن عباس : يعني : أيسر عليه .
وقال مجاهد : الإعادة أهون عليه من البَدَاءة ، والبداءة عليه هَيْنٌ . وكذا قال عكرمة وغيره .
وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، أخبرنا أبو الزِّنَاد ، عن الأعرج ، {[22807]} عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله : كَذبَني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهونَ عليّ من إعادته . وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا ، وأنا الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوًا أحد " {[22808]} .
انفرد بإخراجه البخاري كما انفرد بروايته - أيضا - من حديث عبد الرزاق عن مَعْمَر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، به{[22809]} . وقد رواه الإمام أحمد منفردا به عن حسن بن موسى ، عن ابن لهِيعة ، حدثنا أبو يونس سليم بن جُبَيْر ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، أو مثله{[22810]} .
وقال آخرون : كلاهما بالنسبة إلى القدرة على السواء .
قال العَوْفي ، عن ابن عباس : كل عليه هين . وكذا قال الربيع بن خُثَيْم . ومال إليه ابن جرير ، وذكر عليه شواهد كثيرة ، قال : ويحتمل أن يعود الضمير في قوله : { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } إلى الخلق ، أي : وهو أهون على الخلق .
وقوله : { وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس كقوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] .
وقال قتادة : مَثَله أنه لا إله إلا هو ، ولا رب غيره ، وقال مثل هذا ابن جرير .
وقد أنشد بعض المُفَسرين عند ذكر هذه الآية لبعض أهل المعارف :
إذَا سَكَن الغَديرُ على صَفَاء *** وَجُنبَ أنْ يُحَرّكَهُ النَّسيمُ
ترى فيه السَّمَاء بَلا امْترَاء *** كَذَاكَ الشَّمْسُ تَبْدو وَالنّجُومُ
كَذاكَ قُلُوبُ أرْبَاب التَّجَلِّي *** يُرَى في صَفْوها اللهُ العَظيمُ
{ وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي{[22811]} لا يغالب ولا يمانع ، بل قد غلب كل شيء ، وقهر كل شيء بقدرته وسلطانه ، { الْحَكِيمُ } في أفعاله وأقواله ، شَرْعًا وقَدَرا .
وعن مالك في تفسيره المروي عنه ، عن محمد بن المنْكَدِر ، في قوله تعالى : { وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى } ، قال : لا إله إلا الله .
وقوله { يبدأ الخلق } معناه ينشئه ويخرجه من العدم ، وجاء الفعل بصيغة الحال لما كان في هذا المعنى ما قد مضى كآدم وسائر القرون وفيه ما يأتي في المستقبل ، فكانت صيغة الحال تعطي هذا كله ، و { يعيده } معناه يبعثه من القبور وينشئه تارة أخرى ، واختلف المتأولون في قوله { وهو أهون عليه } ، فقال ابن عباس والربيع بن خيثم : المعنى وهو هين ونظيره قول الشاعر : ( لعمرك ما أدري وأني لأوجل ){[9306]} بمعنى لوجل ، وقول الآخر ( بيت دعائمه أعز وأطول ){[9307]} ، وقولهم في الأذان الله أكبر{[9308]} وقال الآخر وهو الشافعي :
فتلك سبيل لست فيها بأوحد{[9309]} . . . واستشهد بهذا البيت أبو عبيدة وهذا شاهده كثير ، وفي مصحف ابن مسعود «وهو هين عليه » ، وفي بعض المصاحف و «كل هين عليه » ، وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد وعكرمة : المعنى وهو أيسر عليه ، وإن كان الكل من اليسر عليه في حيز واحد وحال متماثلة ، ولكن هذا التفضيل بحسب معتقد البشر وما يعطيهم النظر في الشاهد من أن الإعادة في كثير من الأشياء أهون علينا من البداءة للتمرن والاستغناء عن الروية التي كانت في البدأة ، وهذان القولان الضمير فيهما عائد على الله تعالى ، وقالت فرقة أخرى : الضمير في { عليه } عائد على الخلق .
قال الفقيه الإمام القاضي : فهذا بمعنى المخلوق فقط ، وعلى التأويلين يصح أن يكون المخلوق أو يكون مصدراً من خلق ، فقال الحسن بن أبي الحسن إن الإعادة أهون على المخلوق من إنشائه لأنه في إنشائه يصير من حالة إلى حالة ، من نطفة إلى علقة إلى مضغة ونحو هذا ، وفي الإعادة إنما يقوم في حين واحد ، فكأنه قال وهو أيسر عليه ، أي أقصر مدة وأقل انتقالاً ، وقال بعضها : المعنى «وهو أهون » على المخلوق أن يعيد شيئاً بعد إنشائه ، أي فهذا عرف المخلوقين فكيف تنكرون أنتم الإعادة في جانب الخالق .
قال الفقيه الإمام القاضي : والأظهر عندي عود الضمير على الله تعالى ويؤيده قوله تعالى { وله المثل الأعلى } لما جاء بلفظ فيه استعارة واستشهاد بالمخلوق على الخالق وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم خلص جانب العظمة بأن جعل له المثل الأعلى الذي لا يتصل به تكييف ولا تماثل مع شيء و «العزة والحكمة » ، صفتان موافقتان لمعنى الآية ، فبهما يعيد وينفذ أمره في عباده كيف شاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.