180- وكما شرع الله القصاص لصلاح الأمة وحفظ المجتمع ، كذلك شرع الله شريعة فيها صلاح الأسرة وحفظ كيانها وهي شريعة الوصية ، فعلى من ظهرت أمامه إمارات الموت وعلم أنه ميت لا محالة ، وكان ذا مال يعتد به أن يجعل من ماله نصيباً لمن يدرك من والديه وأقاربه - الأقربين غير الوارثين - وليراع في ذلك ما يحسن ويقبل في عرف العقلاء فلا يعطى الغنى ويدع الفقير ، بل يؤثر ذوي الحاجة ولا يسوي إلا بين المتساوين في الفاقة ، وكان ذلك الفرض حقاً واجباً على من آثر التقوى واتبع أوامر الدين .
اشتملت هذه الآية الكريمة على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين . وقد كان ذلك واجبًا - على أصح القولين - قبل نزول آية المواريث ، فلما نزلت آية الفرائض نسخت هذه ، وصارت المواريث المقدرة فريضة من الله ، يأخذها أهلوها حتمًا من غير وصية ولا تحمل منَّة{[3146]} الموصي ، ولهذا جاء الحديث في السنن وغيرها عن عَمْرو بن خارجة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول : " إن الله قد أعطى كلّ ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث " {[3147]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عُلَية ، عن يونس بن عبيد ، عن محمد بن سيرين ، قال : جلس ابن عباس فقرأ سورة البقرة حتى أتى [ على ]{[3148]} هذه الآية : { إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ } فقال : نسخت هذه الآية .
وكذا رواه سعيد بن منصور ، عن هشيم ، عن يونس ، به . ورواه الحاكم في مستدركه وقال : صحيح على شرطهما{[3149]} .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ } قال : كان لا يرث مع الوالدين غيرهما إلا وصية للأقربين ، فأنزل الله آية الميراث{[3150]} فبيَّن ميراث الوالدين ، وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا حجاج بن محمد ، أخبرنا ابن جريج ، وعثمان بن عطاء ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، في قوله : { الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ } نسختها هذه الآية : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا } [ النساء : 7 ] .
ثم قال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن عمر{[3151]} وأبي موسى ، وسعيد بن المسيَّب ، والحسن ، ومجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جُبَير ، ومحمد بن سيرين ، وعكرمة ، وزيد بن أسلم ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل بن حَيّان ، وطاوس ، وإبراهيم النَّخَعي ، وشُرَيح ، والضحاك ، والزهري : أن هذه الآية منسوخة نسختها آية الميراث .
والعجب من أبي عبد الله محمد بن عمر{[3152]} الرازي - رحمه الله - كيف حكى في تفسيره الكبير عن أبي مسلم الأصفهاني{[3153]} أن هذه الآية غير منسوخة ، وإنما هي مُفَسرة بآية المواريث ، ومعناه : كتب عليكم ما أوصى الله به من توريث{[3154]} الوالدين والأقربين . من قوله : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ } [ النساء : 11 ] قال : وهو قولُ أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء . قال : ومنهم من قال : إنها منسوخة فيمن يرث ، ثابتة فيمن لا يرث ، وهو مذهب ابن عباس ، والحسن ، ومسروق ، وطاوس ، والضحاك ، ومسلم بن يَسَار ، والعلاء بن زياد .
قلت : وبه قال أيضًا سعيدُ بن جُبَير ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان . ولكن على قول هؤلاء{[3155]} لا يسمى هذا نسخا في اصطلاحنا المتأخر ؛ لأن آية الميراث إنما رفعت حكم بعض أفراد ما دل عليه عموم آية الوصاية ، لأن " الأقربين " أعم ممن يرث ومن{[3156]} لا يرث ، فرفع حكم من يرث بما عين له ، وبقي الآخر على ما دلت عليه الآية الأولى . وهذا إنما يتأتى على قول بعضهم : أن الوصاية في ابتداء الإسلام إنما كانت ندبا حتى نسخت . فأما من يقول : إنها كانت واجبة وهو الظاهر من سياق الآية - فيتعين أن تكون منسوخة بآية الميراث ، كما قاله أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء ؛ فإنّ وجوب الوصية للوالدين والأقربين [ الوارثين ]{[3157]} منسوخ بالإجماع . بل منهي عنه للحديث المتقدم : " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " . فآية الميراث حكم مستقل ، ووجوب من عند الله لأهل الفروض وللعصبات{[3158]} ، رفع بها حكم هذه بالكلية . بقي الأقارب الذين لا ميراث لهم ، يستحب له أن يُوصَى لهم من الثلث ، استئناسًا بآية الوصية وشمولها ، ولما ثبت في الصحيحين ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه ، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " . قال ابن عمر ما مرت عَلَيّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا وعندي وصيتي{[3159]} .
والآيات والأحاديث بالأمر ببر الأقارب والإحسان إليهم ، كثيرة جدا .
وقال عبد بن حميد في مسنده : أخبرنا عبيد الله ، عن مبارك بن حسان ، عن نافع قال : قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : يا ابن آدم ، ثنتان لم يكن لك واحدة منهما : جعلت لك نصيبا في مالك حين أخذت بكظمك ؛ لأطهرك به وأزكيك ، وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك " .
وقوله : { إِنْ تَرَكَ خَيْرًا } أي : مالا . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جُبَير ، وأبو العالية ، وَعَطية العَوْفي ، والضحاك ، والسدي ، والربيع بن أنس ، ومقاتل بن حيان ، وقتادة ، وغيرهم .
ثم منهم من قال : الوصية مشروعة سواء قَلّ المال أو كثُر كالوراثة{[3160]} ومنهم من قال : إنما يُوصِي إذا ترك مالا جزيلا ثم اختلفوا في مقداره ، فقال ابن أبي حاتم :
حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، أخبرنا سفيان ، عن هشام بن عُرْوَة ، عن أبيه ، قال : قيل لعلي ، رضي الله عنه : إن رجلا من قريش قد مات ، وترك ثلاثمائة دينار أو أربعمائة{[3161]} ولم يوص . قال : ليس بشيء ، إنما قال الله : { إِنْ تَرَكَ خَيْرًا } .
قال : وحدثنا هارون بن إسحاق الهمداني ، حدثنا عَبْدة - يعني ابن سليمان - عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن عليا دخل على رجل من قومه يعوده ، فقال له : أوصي ؟ فقال له علي : إنما قال الله تعالى : { إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ } إنما تركت شيئًا يسيرا ، فاتركه لولدك .
وقال الحكم{[3162]} بن أبان : حدثني عن عكرمة ، عن ابن عباس : { إِنْ تَرَكَ خَيْرًا } قال ابن عباس : من لم يترك ستين دينارا لم يترك خيرًا ، قال الحكم{[3163]} : قال طاوس : لم يترك خيرًا من لم يترك ثمانين دينارا . وقال قتادة : كان يقال : ألفا فما فوقها .
وقوله : { بِالْمَعْرُوفِ } أي : بالرفق والإحسان ، كما قال ابن أبي حاتم :
حدثنا الحسن بن أحمد ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن يسار{[3164]} ، حدثني سرور بن المغيرة عن عباد بن منصور ، عن الحسن ، قوله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ } فقال : نَعَم ، الوصية حق ، على كل مسلم أن يوصي إذا حضره الموت بالمعروف غير المُنكر .
والمراد بالمعروف : أن يوصي لأقربيه وَصيَّةً لا تجحف بورثته ، من غير إسراف ولا تقتير ، كما ثبت في الصحيحين أن سعدا قال : يا رسول الله ، إن لي مالا ولا يرثني إلا ابنة لي ، أفأوصي بثُلُثَيْ مالي ؟ قال : " لا " قال : فبالشَّطْر ؟ قال : " لا " قال : فالثلث{[3165]} ؟ قال : " الثلث ، والثلث كثير ؛ إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " .
وفي صحيح البخاري : أن ابن عباس قال : لو أن الناس غَضوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الثلث ، والثلث كثير " {[3166]} .
وروى الإمام أحمد ، عن أبي سعيد مولى بني هاشم ، عن ذيال بن عبيد بن حنظلة ، سمعت حنظلة بن حذيم{[3167]} بن حنيفة : أن جده حنيفة أوصى ليتيم في حجره بمائة من الإبل ، فشقّ ذلك على بنيه ، فارتفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال حنيفة : إني أوصيت ليتيم لي بمائة من الإبل ، كنا نسميها المطيبة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، " لا لا لا . الصدقة : خمس ، وإلا فعَشْر ، وإلا فخمس عشرة ، وإلا فعشرون ، وإلا فخمس وعشرون ، وإلا فثلاثون ، وإلا فخمس وثلاثون ، فإن أكثرت فأربعون " .
وذكر الحديث بطوله{[3168]} .
{ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } أي حضرت أسبابه وظهرت أماراته . { إن ترك خيرا } أي مالا . وقيل مالا كثيرا ، لما روي عن علي رضي الله تعالى عنه : أن مولى له أراد أن يوصي وله سبعمائة درهم ، فمنعه وقال : قال الله تعالى { إن ترك خيرا } والخير هو المال الكثير . وعن عائشة رضي الله تعالى عنها : أن رجلا أراد أن يوصي فسألته كم مالك ، فقال : ثلاثة آلاف ، فقالت : كم عيالك قال : أربعة ، قالت : إنما قال الله تعالى { إن ترك خيرا } وأن هذا لشيء يسير فاتركه لعيالك . { الوصية للوالدين والأقربين } مرفوع بكتب ، وتذكير فعلها للفصل ، أو على تأويل أن يوصي ، أو الإيصاء ولذلك ذكر الراجع في قوله : { فمن بدله } . والعامل في إذا مدلول كتب لا الوصية لتقدمه عليها . وقيل مبتدأ خبره { للوالدين } ، والجملة جواب الشرط بإضمار الفاء كقوله :
من يفعل الحسنات الله يشكرها *** والشر بالشر عند الله مثلان
ورد بأنه إن صح فمن ضرورات الشعر . وكان هذا الحكم في بدء الإسلام فنسخ بآية المواريث وبقوله عليه الصلاة والسلام " إن الله أعطى كل ذي حق حقه ، ألا لا وصية لوارث " . وفيه نظر : لأن آية المواريث لا تعارضه بل تؤكده حيث إنها تدل على تقديم الوصية مطلقا ، والحديث من الآحاد ، وتلقي الأمة له بالقبول لا يحلقه بالمتواتر . ولعله احترز عنه من فسر الوصية بما أوصى به الله من توريث الوالدين والأقربين بقوله { يوصيكم الله } أو بإيصاء المحتضر لهم بتوفير ما أوصى به الله عليهم { بالمعروف } بالعدل ، فلا يفضل الغني ، ولا يتجاوز الثلث . { حقا على المتقين } مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا .
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ( 180 )
وقوله تعالى : { كتب عليكم } الآية ، كأن الآية متصلة بقوله { يا أيها الذين آمنوا } فلذلك سقطت واو العطف( {[1630]} ) ، و { كتب } معناه فرض وأثبت ، وقال بعض أهل العلم : الوصية فرض ، وقال قوم : كانت فرضاً ونسخت ، وقال فريق : هي مندوب إليها ، و { كتب } عامل في رفع { الوصية } على المفعول الذي لم يسم فاعله في بعض التقديرات( {[1631]} ) ، وسقطت علامة التأنيث من { كتب } لطول الكلام فحسن سقوطها ، وقد حكى سيبويه : قام امرأة ، ولكن حسن ذلك إنما هو مع طول الحائل ، ولا يصح عند جمهور النحاة أن تعمل { الوصية } في { إذا } لأنها في حكم الصلة للمصدر الذي هو { الوصية } ، وقد تقدمت فلا يجوز أن يعمل فيها متقدمة( {[1632]} ) ، ويتجه في إعراب هذه الآية أن يكون { كتب }( {[1633]} ) هو العامل في { إذا } والمعنى توجه إيجاب الله عليكم ومقتضى كتابه إذا حضر ، فعبر عن توجه الإيجاب ب { كتب } لينتظم إلى هذا المعنى أنه مكتوب في الأزل ، و { الوصية } مفعول لم يسم فاعله ب { كتب } وجواب الشرطين { إذا } و { إن } مقدّر( {[1634]} ) ، يدل عليه ما تقدم من قوله { كتب عليكم } ، كما تقول شكرت فعلك إن جئتني إذا كان كذا ، ويتجه في إعرابها أن يكون التقدير : كتب عليكم الإيصاء ، ويكون هذا الإيصاء المقدر الذي يدل عليه ذكر الوصية بعد هو العامل في { إذا } ، وترتفع { الوصية } بالابتداء وفيه جواب الشرطين( {[1635]} ) على نحو ما أنشد سيبويه : [ البسيط ]
مَنْ يَفْعَلِ الصَّالِحَاتِ اللَّهُ يَحْفظُهَا( {[1636]} ) . . . أو يكون رفعها بالابتداء بتقدير : فعليه الوصية ، أو بتقدير الفاء فقط ، كأنه قيل : فالوصية للوالدين ، ويتجه في إعرابها أن تكون { الوصية } مرتفعة ب { كتب } على المفعول الذي لم يسم فاعله ، وتكون { الوصية } هي العامل في { إذا } ، وهذا على مذهب أبي الحسن الأخفش فإنه يجيز أن يتقدم ما في الصلة الموصول بشرطين هما في هذه الآية ، أحدهما أن يكون الموصول ليس بموصول محض بل يشبه الموصول ، وذلك كالألف واللام حيث توصل( {[1637]} ) ، أو كالمصدر ، وهذا في الآية مصدر وهو { الوصية } ، والشرط الثاني أن يكون المتقدم ظرفاً فإن في الظرف يسهل الاتساع ، و { إذا } ظرف ، وهذا هو رأي أبي الحسن في قول الشاعر : [ الطويل ]
تَقُولُ وَصَكَّتْ وَجْهَهَا بِيَمِينِهَا . . . أبَعْلِيَ هذا بِالرَّحَا المُتَقَاعِس( {[1638]} )
فإنه يرى أن «بالرحا » متعلق بقوله المتقاعس ، كأنه قال : أبَعلي هذا المتقاعس بالرحا ، وجواب الشرطين في هذا القول كما ذكرناه في القول الأول ، وفي قوله تعالى { إذا حضر } مجاز لأن المعنى إذا تخوف وحضرت علاماته ، والخير في هذه الآية المال .
واختلف موجبوا الوصية في القدر الذي تجب منه( {[1639]} ) ، فقال الزهري وغيره : تجب فيما قل وفيما كثر ، وقال النخعي : تجب في خمسمائة درهم فصاعداً ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتادة : في ألف فصاعداً .
واختلف العلماء في هذه الآية ، فقال فريق : محكمة ظاهرها العموم ومعناها الخصوص في الوالدين اللذين لا يرثان كالكافرين والعبدين ، وفي القرابة غير الوارثة( {[1640]} ) ، وقال ابن عباس والحسن وقتادة : الآية عامة( {[1641]} ) وتقرر الحكم بها برهة ونسخ منها كل من يرث بآية الفرائض ، وفي هذه العبارة يدخل قول ابن عباس والحسن وغيرهما إنه نسخ منها الوالدان وثبت الأقربون الذين لا يرثون ، وبين أن آية الفرائض في سورة النساء ناسخة ، لهذا الحديث المتواتر : «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث »( {[1642]} ) .
وقال ابن عمر وابن عباس أيضاً وابن زيد : الآية كلها منسوخة وبقيت الوصية ندباً ، ونحو هذا قول مالك رحمه الله ، وقال الربيع بن خثيم( {[1643]} ) وغيره : لا وصية لوارث ، وقال عزْوة( {[1644]} ) بن ثابت للربيع بن خثيم : أوصِ لي بمصحفك ، فنظر الربيع إلى ولده وقرأ : { وأولو الأرحام بعضَهم أولى ببعض في كتاب الله }( {[1645]} ) [ الأحزاب : 6 ] ، ونحو هذا صنع ابن عمر رضي الله عنه( {[1646]} ) .
وقال بعض أهل العلم : إن الناسخ لهذه الآية هي السنة المتواترة في الحديث المذكور قبل ، وقد تقدم توجيه نسخ السنة للكتاب في تفسير قوله تعالى { ما ننسخ من آية }( {[1647]} ) [ البقرة : 106 ] .
وقال قوم من العلماء : الوصية للقرابة أولى ، فإن كانت لأجنبي ، ولا تجوز لغيرهم مع تركهم .
وقال الناس حين مات أبو العالية( {[1648]} ) : عجباً له أعتقته امرأة من رياح وأوصى بماله لبني هاشم .
وقال الشعبي : «لم يكن ذلك له ولا كرامة » .
وقال طاوس : «إذا أوصى لغير قرابة ردت الوصية إلى قرابته ونقض فعله » وقاله جابر بن زيد .
وقال الحسن وجابر بن زيد أيضاً وعبد الملك بن يعلى : يبقى ثلث الوصية حيث جلعها ، ويرد ثلثاها إلى قرابته .
وقال مالك رحمه الله وجماعة من العلماء : الوصية ماضية حيث جعلها الميت ، والأقربون : جمع أقرب ، و { بالمعروف } معناه بالقصد الذي تعرفه النفوس دون إضرار بالورثة ولا تنزير( {[1649]} ) للوصية ، و { حقاً } مصدر مؤكد( {[1650]} ) ، وخص المتقون بالذكر تشريفاً للرتبة ليتبادر الناس إليها .