156- ولأنك يا رب خير من يغفر نسألك أن تقدّر لنا في هذه الدنيا حياة طيبة ، وتوفيقا للطاعة ، وفي الآخرة مثوبة حسنة ورحمة ، لأننا رجعنا إليك وتبنا إليك ، فقال له ربه : عذابي أصيب به من أشاء ممن لم يتب ، ورحمتي وسعت كل شيء ، وسأكتبها للذين يتقون الكفر والمعاصي من قومك ، ويؤدون الزكاة المفروضة ، والذين يصدقون بجميع الكتب المنزلة .
{ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ } هناك الفصل الأول من الدعاء دفع المحذور ، وهذا لتحصيل المقصود { وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ } أي : أوجب لنا وأثبت لنا فيهما حسنة ، وقد تقدم [ تفسير ]{[12173]} ذلك في سورة البقرة . [ الآية : 201 ]
{ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ } أي : تبنا ورجعنا وأنبنا إليك . قاله ابن عباس ، وسعيد بن جُبَير ، ومجاهد ، وأبو العالية ، والضحاك ، وإبراهيم التيمي ، والسُّدِّي ، وقتادة ، وغير واحد . وهو كذلك لُغَة .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن وَكِيع ، حدثنا أبي ، عن شريك ، عن جابر ، عن عبد الله بن نُجيَّ{[12174]} عن علي [ رضي الله عنه ]{[12175]} قال : إنما سميت اليهود لأنهم قالوا : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ }
جابر - هو ابن يزيد الجُعْفي - ضعيف .
قال تعالى مجيبا لموسى في قوله : { إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ [ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ ] }{[12176]} الآية : { عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ] }{[12177]} أي : أفعل ما أشاء ، وأحكم ما أريد ، ولي الحكمة والعدل في كل ذلك ، سبحانه لا إله إلا هو .
وقوله تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } آية عظيمة الشمول والعموم ، كقوله إخبارًا عن حَمَلة العرش ومن حوله أنهم يقولون : { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا } [ غافر : 7 ]
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبي ، حدثنا الجُرَيري ، عن أبي عبد الله الجُشَمي ، حدثنا جُنْدُب - هو ابن عبد الله البَجَلي ، رضي الله عنه - قال : جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عَقَلها ثم صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى راحلته فأطلق عقالها ، ثم ركبها ، ثم نادى : اللهم ، ارحمني ومحمدًا ، ولا تشرك في رحمتنا أحدًا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتقولون هذا أضل أم بعيره ؟ ألم تسمعوا ما قال ؟ " قالوا : بلى . قال : " لقد حَظَرْت{[12178]} رحمةً واسعة ؛ إن الله ، عز وجل ، خلق مائة رحمة ، فأنزل رحمة واحدة يتعاطف بها الخلق ؛ جنّها وإنسها وبهائمها ، وأخَّرَ عنده تسعًا وتسعين{[12179]} رحمة ، أتقولون هو أضل أم بعيره ؟ " .
رواه أبو داود عن علي بن نصر ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، به{[12180]}
وقال الإمام أحمد أيضًا : حدثنا يحيى بن سعيد عن سليمان ، عن أبي عثمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن لله عز وجل ، مائة رحمة ، فمنها رحمة يتراحمُ بها الخلق ، وبها تعطف الوحوش على أولادها ، وأخر تسعًا وتسعين إلى يوم القيامة " .
تفرد{[12181]} بإخراجه مسلم ، فرواه من حديث سُلَيمان - هو ابن طِرْخان - وداود بن أبي هند كلاهما ، عن أبي عثمان - واسمه عبد الرحمن بن مل{[12182]} - عن سلمان ، هو الفارسي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، به{[12183]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، عن عاصم بن بَهْدَلَة ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ؛ أن النبي{[12184]} صلى الله عليه وسلم قال : " لله مائة رحمة ، عنده تسعة وتسعون ، وجعل عندكم واحدة تتراحمون بها بين{[12185]} الجن والإنس وبين الخلق ، فإذا كان يوم القيامة ضمها إليه " . تفرد به أحمد من هذا الوجه{[12186]}
وقال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لله مائة رحمة ، فقسم منها جزءًا واحدًا بين الخلق ، فيه يتراحم الناس والوحش والطير " .
ورواه ابن ماجه من حديث أبي معاوية ، عن الأعمش ، به{[12187]}
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا سعد أبو غَيْلان الشيباني ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن صلة بن زُفَر ، عن حذيفة بن اليمان ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، ليدخلن الجنة الفاجرُ في دينه ، الأحمق في معيشته . والذي نفسي بيده ، ليدخلن الجنة الذي قد مَحَشته النار بذنبه . والذي نفسي بيده ، ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه " .
هذا حديث غريب{[12188]} جدا ، " وسعد " هذا لا أعرفه{[12189]}
وقوله : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } الآية ، يعني : فسأوجب حُصُول رحمتي مِنَّةً مني وإحسانا إليهم ، كما قال تعالى : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } [ الأنعام : 54 ]
وقوله : { لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } أي : سأجعلها للمتصفين بهذه الصفات ، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يتقون ، أي : الشرك والعظائم من الذنوب .
{ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } قيل : زكاة النفوس . وقيل : [ زكاة ]{[12190]} الأموال . ويحتمل أن تكون عامة لهما ؛ فإن الآية مكية { وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } أي : يصدقون .
{ واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة } حسن معيشة وتوفيق طاعة . { وفي الآخرة } الجنة . { إنا هدنا إليك } تبنا إليك من هاد يهود إذا رجع . وقرئ بالكسر من هاده يهيده إذا أماله ، ويحتمل أن يكون مبنيا للفاعل وللمفعول بمعنى أملنا أنفسنا وأملنا إليك ، ويجوز أن يكون المضموم أيضا مبنيا للمفعول منه على لغة من يقول عود المريض . { قال عذابي أصيب به من أشاء } تعذيبه . { ورحمتي وسعت كل شيء } في الدنيا المؤمن والكافر بل المكلف وغيره . { فسأكتبها } فسأثبتها في الآخرة ، أو فسأكتبها كتبة خاصة منكم يا بني إسرائيل . { للذين يتقون } الكفر والمعاصي . { ويؤتون الزكاة } خصها بالذكر لإنافتها ولأنها كانت أشق عليهم . { والذين هم بآياتنا يؤمنون } فلا يكفرون بشيء منها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.