المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

بدأت هذه السورة بالإخبار بهلاك أبي لهب عدو الله ورسوله ، وعدم إغناء شيء عنه من ذلك مالا كان أو جاها أو غيرهما ، وتوعدته في الآخرة بنار موقدة يصلاها ويشوي بها ، وقرنت زوجته به في ذلك . واختصتها بلون من العذاب ، هو ما يكون حول عنقها من حبل تجدب به إلى النار ، زيادة في التنكيل بها لما كانت عليه من إيذاء الرسول ، والإساءة إلى دعوته .

1- هلكت يدا أبي لهب اللتان كان يؤذي بهما المسلمين ، وهلك معهما .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المسد مكية وآياتها خمس

أبو لهب - [ واسمه عبد العزى بن عبد المطلب ] هو عم النبي [ ص ] وإنما سمي أبو لهب لإشراق وجهه ، وكان هو وامرأته " أم جميل " من أشد الناس إيذاء لرسول الله [ ص ] وللدعوة التي جاء بها . .

قال ابن إسحاق : " حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال : سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول : " إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله [ ص ] يتبع القبائل ، ووراءه رجل أحول ، وضيء الوجه ذو جمة ، يقف رسول الله [ ص ] على القبيلة فيقول : " يا بني فلان . إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به " وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان . هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقمس ، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تسمعوا له ، ولا تتبعوه . فقلت لأبي : من هذا ? قال عمه أبو لهب . [ ورواه الإمام أحمد والطبراني بهذا اللفظ ] .

فهذا نموذج من نماذج كيد أبي لهب للدعوة وللرسول [ ص ] ، وكانت زوجته أم جميل في عونه في هذه الحملة الدائبة الظالمة . [ وهي أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان ] .

ولقد اتخذ أبو لهب موقفه هذا من رسول الله [ ص ] منذ اليوم الأول للدعوة . أخرج البخاري - بإسناده - عن ابن عباس ، أن النبي [ ص ] خرج إلى البطحاء ، فصعد الجبل فنادى : " يا صباحاه " فاجتمعت إليه قريش ، فقال : أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ? أكنتم مصدقي ? قالوا : نعم . قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " . فقال أبو لهب . ألهذا جمعتنا ? تبا لك . فأنزل الله( تبت يدا أبي لهب وتب . . . )الخ . وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول : تبا لك سائر اليوم ! ألهذا جمعتنا ? ! فأنزل الله السورة .

ولما أجمع بنو هاشم بقيادة أبي طالب على حماية النبي [ ص ] ولو لم يكونوا على دينه ، تلبية لدافع العصبية القبلية ، خرج أبو لهب على إخوته ، وحالف عليهم قريشا ، وكان معهم في الصحيفة التي كتبوها بمقاطعة بني هاشم وتجويعهم كي يسلموا لهم محمدا [ ص ] .

وكان قد خطب بنتي رسول الله [ ص ] رقية وأم كلثوم لولديه قبل بعثة النبي [ ص ] فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما حتى يثقل كاهل محمد بهما !

وهكذا مضى هو وزوجته أم جميل يثيرانها حربا شعواء على النبي [ ص ] وعلى الدعوة ، لا هوادة فيها ولا هدنة . وكان بيت أبي لهب قريبا من بيت رسول الله [ ص ] فكان الأذى أشد . وقد روي أن أم جميل كانت تحمل الشوك فتضعه في طريق النبي ؛ وقيل : إن حمل الحطب كناية عن سعيها بالأذى والفتنة والوقيعة .

نزلت هذه السورة ترد على هذه الحرب المعلنة من أبي لهب وامرأته . وتولى الله - سبحانه - عن رسوله [ ص ] أمر المعركة !

( تبت يدا أبي لهب وتب ) . . والتباب الهلاك والبوار والقطع . ( وتبت )الأولى دعاء . ( وتب )الثانية تقرير لوقوع هذا الدعاء . ففي آية قصيرة واحدة في مطلع السورة تصدر الدعوة وتتحقق ، وتنتهي المعركة ويسدل الستار !

فأما الذي يتلو آية المطلع فهو تقرير ووصف لما كان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة تبت

وهي مكية .

قال البخاري : حدثنا محمد بن سلام ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مُرّة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء ، فصعد الجبل فنادى : " يا صباحاه " . فاجتمعت إليه قريش ، فقال : " أرأيتم إن حَدثتكم أن العدوّ مُصبحكم أو مُمْسيكم ، أكنتم تصدقوني ؟ " . قالوا : نعم . قال : " فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد " . فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟ تبا لك . فأنزل الله : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخرها{[1]} .

وفي رواية : فقام ينفض يديه ، وهو يقول : تبا لك سائر اليوم . ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } {[2]} .

الأول : دعاء عليه ، والثاني : خبر عنه . فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله{[3]} صلى الله عليه وسلم ، واسمه : عبد العُزّى بن عبد المطلب ، وكنيته أبو عُتبة . وإنما سمي " أبا لهب " لإشراق وجهه ، وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له ، والازدراء به ، والتنقص له ولدينه . .

قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال : أخبرني رجل - يقال له : ربيعة بن عباد ، من بني الديل ، وكان جاهليًا فأسلم - قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز ، وهو يقول : " يا أيها الناس ، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " والناس مجتمعون عليه ، ووراءه رجل وضيء الوجه أحولُ ، ذو غديرتين ، يقول : إنه صابئ كاذب . يتبعه حيث ذهب ، فسألت عنه فقالوا : هذا عمه أبو لهب {[4]} .

ثم رواه عن سُرَيج ، عن ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، فذكره . قال أبو الزناد : قلت لربيعة : كنت يومئذ صغيرًا ؟ قال : لا والله ، إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة . تفرد به أحمد{[5]} .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني حُسَين بن عبد الله بن عُبيد الله بن عباس قال : سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول : إني لمع أبي رجل شاب ، أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل ، ووراءه رجل أحول وضيء ، ذو جُمَّة ، يَقِفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة فيقول : " يا بني فلان ، إني رسول الله إليكم ، آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا ، وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفِّذَ عن الله ما بعثني به " . وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان ، هذا يريد منكم أن تسلُخوا اللات والعزى ، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أُقَيْش ، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه " . فقلت لأبي : من هذا ؟ قال : عمه أبو لهب{[6]} .

رواه أحمد أيضا ، والطبراني بهذا اللفظ{[7]} .

/خ5

فقوله تعالى : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } أي : خسرت وخابت ، وضل عمله وسعيه ، { وَتَبَّ } أي : وقد تب تحقق خسارته وهلاكه .


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).
[3]:في د: "وأديت".
[4]:في د: "إنهم قالوا".
[5]:في د: "تكفروهما".
[6]:تفسير الطبري (11/228).
[7]:في د: "ومال".